«كبدة حاشي»
يلعب المستشار دورًا محوريًا في نشر الثقافة السائدة في مكتب المعالي، وقد تمتد عدواها إلى المكاتب الأخرى.
فهناك مستشار يغذّي العقول،
ومستشار يملأ البطون،
وآخرون خبراء في دغدغة المشاعر وتحقيق المصالح.
بصحن فول تُغسل العقول،
وببوكس ورق عنب يطيح الحطب ويرفع العتب،
ويُصدر القرار الإداري… في ثوانٍ!
في بعض المكاتب، تسمع عبارات من طراز “معاليكم”، “سعادتكم”،.
لغةٌ صنعت لنفسها عرشًا في ممرات المكاتب، ووجدت طريقها إلى قلوب بعض المسؤولين الطيبين الذين ظنوا أن اللقب دليل احترام، بينما هو أحيانًا كلمة سرٍّ لتجاوز النظام!.
في بعض المكاتب تبتذل الكلمات، ويُستخف بالشخصيات، وتكثر المجاملات، وتُمنح الصلاحيات لغير مستحقيها.
الطريف أن بعض المستشارين باتوا يتقنون هذه “الفنون الشفوية” أكثر من إتقانهم لفنون الإدارة.
في بعض المكاتب، لا تُقاس الكفاءة بعدد الملفات المنجزة، بل بعدد المرات التي تُقال فيها كلمة «معاليكم». تلك الكلمة التي تحولت من مجاملة إلى وسيلة ضغط ناعمة، ومن احترام إلى أداة مصلحة تُدار بها القرارات خلف الكواليس.
أما بطل المشهد فهو مستشار المعالي،
الذي أتقن فنون “التملق الإداري” حتى صار مرجعًا في قراءة مزاج المسؤول أكثر من قراءة التقارير.
يعرف متى يمدح، ومتى يصمت، ومتى يوزّع الابتسامات.
تسمعه كل صباح يوجّه التعليمات بثقةٍ واهتمام:
“حاولوا تحضروا الفطور قبل الصلاة، فلافل المعالي بدون بيض، لأن معاليه عنده رحلة الساعة الثانية!”
فبدل أن يُناقش الخطة التشغيلية، يُنسّق قائمة الفطور اليومية! وتحوّلت بعض المكاتب إلى مطاعم مزاج إداري.
هكذا تتحول لغة الإدارة إلى لغة مائدة، فتضيع هيبة القرار بين مجاملة ومستشارٍ شاطر في ترتيب الطاولات أكثر من ترتيب الأولويات.
ختامًا،
مستشار المعالي شخصية براغماتية تجيد الطبخ والنفخ، وخطف الكحل من العين.
ولو كنتُ مسؤولًا، لأمرت بمنع استخدام هذه العبارات المفخخة في مكتبي،وعدم الاكتراث بها، وأكسر روتين الفول والفلافل بـ كبدة الحاشي…لعلها تردع الحاشية.


