تقترب الدورة الأولى لمجالس إدارات شركات أرباب الطوائف لحجاج الخارج من خط النهاية، لتترك خلفها تجربة إستثنائية حفلت بالدروس والعبر، جمعت بين مكاسب التأسيس ومشقة البدايات.
لقد مثلت هذه المرحلة منعطفًا تاريخيًا في مسار مؤسسات الطوافة، إذ وضعت الجميع أمام إختبار حقيقي لقدرتهم على مواكبة التحول المؤسسي الكبير الذي تقوده المملكة في قطاع الحج والعمرة، ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي جعلت من خدمة ضيوف الرحمن نموذجًا عالميًا في الإتقان والإبداع والتميز.
ملامح التجربة: بين التقدم والتحدي
شهدت التجربة الأولى لمجالس الإدارات العديد من الإيجابيات الملموسة، من أبرزها:
الانتقال من الأسلوب الفردي إلى العمل المؤسسي الجماعي المنظم.
توحيد الجهود تحت مظلة الشركات، وبدء مسار الإصلاح الإداري والمالي.
تعزيز ثقافة الحوكمة والانضباط في بيئة اعتادت الأساليب التقليدية.
وفي المقابل، برزت تحديات وسلبيات لا يمكن تجاهلها، تمثلت في:
– استقالات متكررة لبعض الأعضاء بسبب ضعف الانسجام واختلاف الرؤى.
– قرارات عزل نتيجة قصور الأداء أو غياب الانضباط الإداري.
– غياب خطة استراتيجية شاملة ذات مؤشرات أداء قابلة للقياس (KPIs).
– محدودية الكفاءات الإدارية لدى بعض القيادات لعدم وضوح معايير الاختيار.
ورغم هذه العثرات، فقد كشفت التجربة عن حيوية المشهد وقدرته على التعلم، مؤكدة أن التحديات ليست نكوصًا، بل وقودًا للإصلاح والتطوير.
إعادة النظر في القواعد التنفيذية: نحو مرحلة أكثر نضجًا
لقد آن الأوان لإعادة صياغة القواعد التنفيذية المنظمة لمجالس الإدارات، بما يتواكب مع متطلبات الحوكمة الحديثة، ويرسخ بيئة عمل شفافة ومسؤولة.
ويتطلب ذلك العمل على:
1- إصلاح منظومة التعيين والاختيار
– جعل الكفاءة والخبرة الشرط الأساسي للعضوية، دون الاقتصار على صفة المساهم.
– فتح المجال أمام الكفاءات الوطنية من مختلف التخصصات (إدارة، مالية، تقنية، قانون).
– تطبيق نظام تقييم دوري للأداء الفردي والمؤسسي.
2- ترسيخ مبادئ الحوكمة والشفافية
– تفعيل لجان مستقلة (التدقيق – المخاطر – الترشيحات والمكافآت).
– نشر تقارير ربع سنوية وسنوية عن الأداء المالي والتشغيلي والخدمي.
– ربط المكافآت بمؤشرات الأداء القابلة للقياس لا بالمناصب.
3- إعادة هيكلة المرجعيات التنظيمية
– وزارة الحج والعمرة: تشرف على الجوانب التشغيلية والفنية وجودة الخدمة.
– وزارة التجارة: تراقب الجوانب الإدارية والمالية والقانونية وفق أنظمة الشركات السعودية.
– إنشاء لجنة دائمة مشتركة لتوحيد السياسات ومنع تضارب الصلاحيات.
4- التخطيط الاستراتيجي والتحول الرقمي
– وضع خطط خمسية طموحة تُراجع دوريًا وتستند إلى مؤشرات أداء واضحة.
– تبني أنظمة رقمية متكاملة لإدارة الحشود والخدمات والموارد.
– استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات واتخاذ القرار وتحسين تجربة الحجاج.
5- بناء القدرات واستدامة التطوير
– تنفيذ برامج تدريب وتأهيل لأعضاء المجالس والمديرين التنفيذيين.
– شراكات مع الجامعات والمعاهد الوطنية لتطوير الكفاءات القيادية والإدارية.
– ترسيخ ثقافة التعلم المستمر، وتبنّي مبدأ “التحسين لا التبرير”.
6- حوكمة المخاطر وإدارة الأزمات
– تأسيس وحدات مختصة بالمخاطر التشغيلية والمالية داخل كل شركة.
– إعداد خطط استباقية لإدارة الطوارئ (مثل الأوبئة أو الازدحام المفرط).
رؤية نحو المستقبل: من التجربة إلى الريادة
إن نجاح هذه المنظومة في المرحلة المقبلة لا يعتمد فقط على اللوائح والقوانين، بل على الإرادة المؤسسية والإيمان بالمسؤولية الوطنية تجاه ضيوف الرحمن.
فالتحول المطلوب ليس إداريًا فحسب، بل ثقافيًا وفكريًا يعيد تعريف مفهوم الخدمة من أداء وظيفي إلى رسالة حضارية وإنسانية.
المملكة اليوم تُعيد صياغة تجربتها في الحج والعمرة لتكون أنموذجًا عالميًا في الكفاءة والابتكار والرحمة، وشركات أرباب الطوائف هي جزء أصيل من هذا التحول العظيم.
ولن يتحقق النجاح إلا من خلال حوكمة حقيقية، وكفاءات وطنية واعية، وتكامل مؤسسي بين الوزارات والشركات.
إن انتهاء الدورة الأولى ليس نهاية مرحلة، بل بداية وعي جديد بمسؤولية جسيمة تجاه حاضر ومستقبل ضيوف الرحمن.
إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء النموذج المؤسسي لشركات أرباب الطوائف على أسس قوية من الشفافية، والكفاءة، والابتكار، والمحاسبة.
ففي ظل القيادة الرشيدة، ورؤية 2030 الطموحة، لم تعد الغاية مجرد خدمة الحجاج، بل الارتقاء بتجربتهم لتكون رحلة إيمانية ميسرة، إنسانية، ومستدامة تعكس وجه المملكة المشرق للعالم أجمع.
