في كثير من مدارس البنين والبنات، هناك موظف لا يُذكر اسمه في الحفلات، ولا يُكرَّم في الاجتماعات، لكنه حاضر في كل التفاصيل اليومية. إنه المساعد الإداري؛ ذلك الجندي المجهول الذي يعيش بين الأوراق والملفات والنماذج الإلكترونية، محاولًا أن يُبقي المدرسة منظمة مهما كان الواقع عكس ذلك.
ورغم اختلاف البيئات بين مدارس البنين ومدارس البنات، إلا أن معاناة المساعد الإداري واحدة؛ فالكل يطلب، ولا أحد يقدّر! ففي مدارس البنين، يعيش المساعد بين المكاتب والتعاميم، مطاردًا بتعليمات “عاجل جدًا” وتوجيهات “نُفّذ فورًا”. أما في مدارس البنات، فتتضاعف الأعباء بين طباعة التعميمات، والرد على المكالمات، وتجهيز الخطابات… وربما “تحضير القهوة” أحيانًا!
هو أول من يحضر وآخر من يغادر، يعرف من حضر ومن غاب، ومن نسي البصمة ومن نسي نفسه! ومع ذلك – ويا للمفارقة – هو أكثر من يُحاسَب وأقل من يُكرَّم. وعند أول خطأ يُستدعى فورًا، كأنه تسبب في انهيار منظومة التعليم بأكملها!
ولم تتوقف معاناته عند حدود المكاتب، بل تمتد إلى التعامل مع الطلاب وأولياء الأمور؛ فهو يستقبل الطالب المتأخر، ويستمع إلى شكوى الطالب الغاضب، ويحاول أن يهدئ من روع وليّ الأمر الذي جاء ليعاتب الإدارة أو يطالب بنقل، أو إعفاء، أو إعادة اختبار! يتحدث المساعد الإداري بلباقة حينًا، وبصبر مضاعف حينًا آخر، ليحافظ على هدوء الموقف، رغم أن أعصابه غالبًا ما تكون على وشك الانفجار.
ولعلّ أصعب ما يواجهه أنه مطالب دائمًا بأن يكون دبلوماسيًا في وجه الغضب، ومتفهّمًا في وجه العتب، وصامتًا في وجه التجاوز والنكد!
ومع ذلك، لا يمكن تبرئة بعض المساعدين الإداريين؛ فهناك من يستخدم سلطته الإدارية المحدودة وكأنها جواز دبلوماسي أو بطاقة امتياز من الدرجة الأولى، فتراه يتحدث بلهجة رسمية جامدة، يرفض المساعدة بحجة: “هذا مو شغلي”، أو يغلق باب مكتبه بدافع “الانشغال بالمهمات السرّية”!
إن المساعد الإداري في مدارس البنين والبنات – على حدٍّ سواء – يعيش بين مطرقة التكليفات المتكررة وسندان غياب التقدير. فهو مجنيٌّ عليه بالنظام أحيانًا، وجانٍ أحيانًا أخرى بالتصرفات، لكنه في نهاية الأمر يظل العمود الفقري الذي تستند إليه المدرسة في حركتها اليومية، دون أن تعترف بفضله.
والمؤسف أن كثيرًا من الإدارات التعليمية تنظر إلى المساعد الإداري على أنه “موظف ثانوي”، بينما هو في الحقيقة المحرّك الإداري اليومي للمدرسة، وبدونه يتعطل كثير من العمل، وتضيع التفاصيل التي تحفظ انضباط الميدان التعليمي.
قد لا يُكرَّم المساعد الإداري في يوم المعلّم، ولا يُستدعى للتكريم في نهاية العام، لكنه حتمًا سيُستدعى حين تتعطل الطابعة أو يُنسى البريد الإلكتروني!
إنه الموظف الوحيد الذي يُطلَب منه أن يكون سكرتيرًا، ومبرمجًا، ومصلّح أجهزة، ومهدّئ أزمات… وكل ذلك دون شكرٍ أو تحفيزٍ مادي أو حتى تقديرٍ معنوي.
حقًا… لو كان المساعد الإداري يملك حسابًا على توكلنا، لظهر فيه تنبيه يومي:
“يُرجى إعادة شحن الصبر!”
ولو منحت وزارة التعليم المساعدين الإداريين ما يستحقونه من تقديرٍ وتدريبٍ وتحفيزٍ ومكانةٍ، لتحولت بيئة العمل المدرسية إلى واحة من الانضباط والراحة، ولما اضطر هذا الموظف المرهق إلى التساؤل كل صباح:
يا ترى… هل أنا اليوم جَانٍ أم مجنيٌّ عليه؟





