
حين تكتب السخرية بلسان الحكمة، ويتحوّل الضحك إلى وسيلةٍ للتفكير، فاعلم أنك أمام قلمٍ لا يلهو بالكلمات، بل يصوغ وعيًا جديدًا بها.
ذلك ما يفعله عبدالله أحمد الزهراني في مشروعه الكتابي الممتد بين المقال والقصة والموقف، حيث تتقاطع الدعابة مع الفلسفة، والمفارقة مع العمق الفكري.
ليست سخرية الزهراني نكتةً تُروى، بل فكرةً تُكتشف؛ إنها «الفكاهة الواعية» التي تمزج بين الإيماءة الشعبية والرمز الفلسفي، وبين بساطة اللغة وعمق المعنى.
يكتب كما يتنفّس المثقف الحقيقي: يبتسم لئلّا يختنق من جدّية العالم، ويضحك ليُبصر لا ليُسلّي.
وقد راق لي مقاله «عمدة السالك وعيادة المسالك»، لما فيه من روح الدعابة العالية، ولغته النظيفة، المهذّبة، والمبطّنة.
أسلوبٌ يستحق أن يستمتع به القارئ في زمنٍ ازدحم فيه الصخب والسطحية.
ومن هناك أطلقتُ عليه لقب «الكاهن الساخر»، لأنه أصبح من أبرز كُهّان المقال الساخر في أدبنا السعودي المعاصر؛ كاهنٌ يبتسم وهو يُجري عمليات فكرية دقيقة، وساخرٌ يضحك وهو يُشخّص العُطل الإنساني بمهارة الطبيب النفسي.
في نصوصه، لا يعتمد على الحدث بقدر ما يستثمر المفارقة كأداةٍ للتفكير؛ فالجملة البريئة عنده تخفي معنىً يلسع، والصورة الساخرة تومئ إلى خللٍ إداري أو فكري أو أخلاقي، حتى ليبدو القارئ وكأنه شريكٌ في التجربة لا مجرد متفرّجٍ عليها.
إنه يكتب نصوصًا تُضحكك وأنت تشعر أن شيئًا في داخلك يُعاتبك.
تُخفي سطورُه نُبلَ هدفٍ لا يُعلن، وسخريتُه تُمارس النقد لا الإهانة، والتهكم عنده وسيلة إصلاحٍ لا هدم.
لقد أعاد عبدالله أحمد الزهراني الاعتبار للكتابة التي تضحك وتفكّر في آنٍ واحد، وجعل من السخرية منهجًا للفهم لا وسيلةً للتنفيس.
إنه الكاهن الساخر الذي طوّع الكتابة لتكون مرآةً للعقل قبل أن تكون وسيلةً للتسلية، وجعل من السخرية جسرًا بين الوعي والابتسامة.
يكتب ليوقظ الضمير لا ليُضحك الجمهور، ويزرع في كل مفارقةٍ بذرة تفكيرٍ تنبت على مهلٍ في عقول القرّاء.

