المقالات

الركائز الأساسية لتحقيق مستهدفات الرؤية الوطنية وما بعدها

تعتبر الرؤية الاستراتيجية لأي دولة بمثابة خارطة طريق واضحة لتحقيق التنمية المستدامة والتقدم في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. في المملكة، شكلت رؤية 2030 نقطة تحول جذرية وتاريخية تهدف إلى تنويع الاقتصاد، تعزيز القطاعات غير النفطية، وتحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. إلا أن التخطيط الاستراتيجي لا يقتصر فقط على وضع الأهداف والرؤى المستقبلية، بل يعتمد بشكل جوهري على عناصر التنفيذ والرقابة والتقييم الاستراتيجي لضمان تحقيق هذه الأهداف بكفاءة وفاعلية.

لا شك أن التنفيذ الكفء والفعّال يعد حجر الزاوية في نجاح التخطيط الاستراتيجي، إذ بدون تطبيق دقيق تتحول الرؤية إلى مجرد أفكار نظرية. في المملكة، تم اعتماد آليات تنفيذ متطورة ومتقدمة تدمج بين الجهات الحكومية والخاصة، والمجتمع مع توظيف التكنولوجيا الرقمية الحديثة والمتقدمة لمتابعة الأداء بدقة. لقد تجاوزت نسبة تنفيذ مشاريع البنية التحتية ضمن رؤية 2030 نسبة 85% قبل الموعد المحدد، مما ساهم بشكل كبير في تسريع النمو الاقتصادي وتعزيز التنمية المستدامة، حيث توجد علاقة وثيقة وطردية بين تنفيذ هذه المشاريع وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتسريع تحقيق المستهدفات الاستراتيجية.

تلعب الرقابة الاستراتيجية دورًا حيويًا في متابعة سير العمل، حيث تعتمد على مؤشرات أداء دقيقة تتيح رصد التقدم وتحديد نقاط القوة والضعف. وقد أسهمت هذه الرقابة الفعالة في تقليل نسبة البطالة إلى 07% من خلال برامج تدريب وتأهيل الشباب التي نُفذت ضمن خطط الرؤية، مع مراقبة مستمرة لضمان تحقيق الأهداف. كما يتيح التقييم الاستراتيجي مراجعة النتائج وتحليلها بشكل دوري، مما يمكّن الجهات المعنية من تعديل الخطط المستقبلية وتصحيح الأنحرافات بناءً على معطيات واقعية.

حققت المملكة العديد من الإنجازات الهامة في إطار رؤية 2030، حيث تمكنت من تحقيق العديد من المستهدفات قبل وقتها المحدد. يأتي هذا النجاح نتيجة لجهود حثيثة ومستمرة من قبل حكومتنا الرشيدة والقطاع الخاص والمجتمع. من بين هذه الإنجازات زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وتقليل نسبة البطالة، وزيادة مساهمة الصادرات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسين تصنيف المملكة في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، وزيادة نسبة المساهمين في سوق الأسهم، وتعزيز الاستدامة المالية، وتحسين جودة الحياة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

منذ إطلاق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في عام 2016، شهد الاقتصاد الوطني نموًا ملحوظًا بنسبة تقارب 80% حتى عام 2025. هذا النمو يعكس نجاح الاستراتيجيات التنموية التي تم تبنيها لتحقيق التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط. حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 2.4 تريليون ريال سعودي في 2016 إلى أكثر من 4.3 تريليون ريال سعودي في 2025، مسجلاً نموًا تراكميًا بنسبة 80% منذ إطلاق الرؤية.

سنتناول الآن في هذا العرض بعض أبرز المؤشرات الاقتصادية الكلية والمستهدفات، وذلك في إطار رؤيتنا الوطنية الطموحة وأهدافها الاستراتيجية الداعمة للتنمية المستدامة، بما يحقق رفعة وطننا وازدهاره، وهي كما يلي:

– ارتفعت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 51%، مع استهداف الوصول إلى 65%.

– شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفاعًا بنسبة 60% خلال هذه الفترة، وارتفع الاستثمار الأجنبي إلى أكثر من 120 مليار ريال سنويًا، مما يعزز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.

– انخفض معدل البطالة من 12% في 2016 إلى حوالي 7% في 2025، نتيجة لبرامج توظيف الشباب وتحفيز القطاعات غير النفطية.

– نما قطاع السياحة والترفيه بنسبة 150%، مدفوعًا بمشاريع ضخمة مثل نيوم والقدية، والتي تستهدف جذب ملايين الزوار سنويًا.

– كما زادت مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 51% مع مستهدف 65%، مما يعكس التنويع الاقتصادي الفعّال، وهو ما تسعى إليه الرؤية الوطنية المباركة.

– أما فيما يتعلق بمشاركة المرأة في القوة العاملة، فقد ارتفعت نسبتها إلى 35%، وهو معدل يتفوق على المعدلات العالمية. هذا يدل على تقدم المملكة في مجال تمكين المرأة وتعزيز دورها في سوق العمل.

مع تحقيق العديد من مستهدفات رؤية 2030 قبل وقتها المحدد، يبرز سؤال مهم: ماذا بعد تحقيق المستهدفات قبل وقتها المحدد؟ الخطوة القادمة تكمن في تعزيز الاستدامة والتوسع في مجالات جديدة مثل الاقتصاد الرقمي، الطاقة المتجددة، والتعليم التقني، وتوطين الصناعات مع التركيز على الابتكار وريادة الأعمال والاستثمار الثقافي كقوة ناعمة. كما يجب تعزيز الشراكات الدولية وتطوير القدرات الوطنية لضمان استمرار الزخم التنموي. إن نجاح المملكة في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 قبل الوقت المحدد يعكس قوة التخطيط الاستراتيجي المبني على التنفيذ والرقابة والتقييم المستمر. هذه الركائز ليست فقط أدوات لتحقيق مستهدفات الرؤية، إنما ضمانات لاستدامة التنمية الشاملة والتطور.

إن المستقبل الذي نطمح إليه يتطلب منا جميعًا أن نكون على قدر المسؤولية والتحديات التي تواجه وطننا الغالي. فالمملكة، بقيادتها الحكيمة ورؤية 2030 المباركة، تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق التنمية المستدامة التي تشمل كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولعل أهم عناصر هذا النجاح هو الاستثمار في الإنسان السعودي، وتطوير تعليمه ومهاراته، وتمكينه من المشاركة الفاعلة في بناء وطنه. إن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تضافر الجهود بين جميع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، والمجتمع مع التركيز على الابتكار والتقنية الحديثة التي أصبحت ركيزة أساسية في عالم اليوم. كما يجب أن نحرص على تعزيز البنية التحتية، وتطوير القطاعات الحيوية مثل التعليم والثقافة والصحة والطاقة، مع الالتزام بالحفاظ على البيئة وترشيد الموارد الطبيعية والاستهلاك. وفي ظل هذه الرؤية المتكاملة، لا بد من تعزيز قيم التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع، مع غرس روح الولاء والانتماء للوطن الذي له حق علينا، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق التنمية الشاملة. إن التحديات التي تواجهنا ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة، فبالعزيمة والإصرار يمكننا تجاوزها وبناء مستقبل مشرق يليق بتاريخ ومكانة المملكة على مستوى عالمي. فلنستمر في العمل الدؤوب، مستندين إلى إرثنا الحضاري والثقافي وقيمنا الراسخة والرصينة، لنحقق للمملكة مكانة رائدة بين الأمم، ونضمن لأجيالنا القادمة حياة كريمة ومستقبلًا مشرقًا. إن هذا الطريق طويل لكنه مليء بالفرص، فلنغتنمها بحكمة وتخطيط مدروس، لنصل إلى غاياتنا المنشودة ومستهدفاتنا ونحقق أحلام وطننا الغالي والمبارك.

د. علي محمد الحازمي

خبير وباحث اقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى