الرياضية

مكة تقرأ.. وجوهٌ تُحقَن… ولا تتغيّر

يكتب أسامة خليل عن البوتوكس والفيلر، لكنه لا يكتب عن التجميل بقدر ما يكتب عن الحقيقة. يبدأ من مادة تُحقن في الوجه، لكنها تنتهي عند معنًى يتجاوز المظهر إلى الجوهر. البوتوكس يرخي عضلات الجبهة، والفيلر يملأ الفراغات، لكن ماذا عن فراغات القيم؟ وماذا عن وجوهٍ لا تستطيع حقنها بالصدق مهما بلغت تقنيات التجميل؟ هذا هو السؤال الذي أراد خليل أن يطرحه من وراء السطور

فالوجوه التي نراها — كما يقول — ليست دائمًا الوجوه الحقيقية. بعضها مغطّى بطبقات من مواد التجميل، وبعضها الآخر مغطّى بطبقات أعمق من المواقف المصطنعة. هنا تنتقل القراءة من الطب إلى الأخلاق، ومن العيادة إلى المنصة الرياضية. الوجوه تتغيّر بالإبر، لكن الضمائر لا تُحقن.

ومن هذه الفكرة ينطلق الكاتب إلى حالة اللاعب زيزو، وواقعة رفضه مصافحة نائب رئيس الزمالك في منصة التتويج. لا يتوقف خليل عند اللحظة بقدر ما يتوقف عند ردّ الفعل، عند المفارقة بين ما يقال في العلن وما يقال في الخفاء. فخالد مرتجي — كما يراه الكاتب — دان الفعل همسًا أمام المنصة، ثم باركه جهرًا في منصات التواصل عندما نشر صورة زيزو وهو يتجاهل السلام. تلك اللحظة لم تكن عند أسامة خليل حدثًا رياضيًا بقدر ما كانت مرآةً تعكس ما يسميه “البوتوكس الأخلاقي”. طبقة لامعة تخفي خلفها ازدواجًا في المواقف، وتستبدل المبدأ بالمصلحة.

ويمضي الكاتب في قراءة التاريخ، في علاقة صالح سليم، وحسن حمدي، وعبدالمحسن مرتجي، وخلافاتهم وتحالفاتهم التي حكمت مسار الأهلي لعقود. لكنه لا يسرد التاريخ من أجل التوثيق، بل من أجل الإشارة إلى شيء ثابت: البوصلة كانت تتحرك دائمًا باتجاه الكفّة الراجحة، لا باتجاه القيمة الأرجح. هنا يتحوّل التاريخ إلى شاهد، لا على الأشخاص فقط، بل على نمط كامل من التفكير حيث تتبدّل المواقف كما تتبدّل تعابير الوجه بعد جلسة تجميل.

إن قراءة أسامة خليل ليست نقدًا لشخص بعينه بقدر ما هي نقد لثقافة كاملة؛ ثقافة الوجوه المعدّلة، والشعارات اللامعة، والمواقف التي تتحول إلى صفقات اجتماعية. الرياضة في جوهرها أخلاق، لكن بعض من يتصدرون مشهدها — كما يلمّح الكاتب — يمارسون أخلاقًا من نوع آخر، أخلاق “الطبقة فوق الطبقة”، حيث يمكن تحسين الصورة، لكن لا يمكن تحسين النية.

وفي النهاية لا يعتذر خليل عن قسوة كلماته إلا ليؤكد معناها: الصديق الحقيقي ليس من يضع البوتوكس على الحقيقة ليُجمّلها، بل من يكشف طبقات الزيف، ويقول ما يجب أن يُقال. قد تستطيع الإبر أن تغيّر شكل الوجه، لكنها لا تستطيع أن تغيّر ما يخفيه التاريخ، ولا أن تبدّل ما يفضحه السلوك.

مكة تقرأ

نقرأ معًا من صحيفة مكة الإلكترونية نصوصًا ومقالاتٍ تحمل المعنى، وتفتح النوافذ نحو العقول والقلوب…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى