«جواهريات»
لو قلت لكم يا كرام .. أنتم الآن في هذا الوقت الذي تقضونه في قراءة ما سيأتي حتما أنكم متيقنون أن العين تصافح المكتوب وتنقب عن معنى بعد تتمة القراءة والمعنى المتكئ داخل اللفظ هو بمثابة مارد ينتظركم لتقرعوا باب الحرف وسيأتيكم بما عنده, حكمة أو عبارة تبقى في ذاكرتكم أو ربما يأخذكم لقصة داخل قصة داخل عبرة وكلها من أساطير القصص التي تحمل في طياتها أحاديث عن الخير والشر والنبل والكرم والبخل والمروءة وغيرها، قصص تترى وللخيال ترقى ظاهرها فانتازيا وجوهرها حكمة تجوب أقاصي البقاع، وتطوق البلاد وتأتي بمشاهد تتباين جغرافيتها،وتاريخها وحضارتها ومعتقداتها، ويبقى الخيال يلوح في أفقها والعِبرة منثورة في حروفها .. مهلا مهلا أُنظركم لثوان لتنزلوا إلى أرض الواقع فأنتم لن تقرؤا أسطورة قصصية وإنما إليكم ما تأملته عن الأسطورة كونها إرثٌ وأثر وأقول :
هي أحاديث تروى وقصص خيالية، وأعين محدقة نحو خيط السرد ترقب نهايته, وآذان مستمتعة حينما تنصت للحدث القصصي، و انهمار القول والوصف الجلي, ويجلجل السؤال هنا .. لماذا ترامت الأساطير واتسعت رقعتها وأحبها الكثيرون ؟, بالرغم من حضور اليقين الجازم أنها لا تلامس الصدق وإنما هي قصص مؤطرة بمسمى أسطورة، يجليّها الخيال، وتكنفها الحكمة.
أرى أن المرء يحب الخروج عن المالوف نحو خيالات أوسع ، و القصص الأسطورية تغذي عنده هذا الشعور، و تمنحه المقدرة العقلية على اكتشاف العِبرة من داخل سياق القصة التي يُجالسها مستمتعًا، وعلاوة على ذلك نجد في القصص الشعبي والأساطير والحكايات انعكاس شعوبها وأخبار أهلها، وإن كانت أسطورة فهي تحمل من الأخبار ما تعزز في القارئ حب التقصي والخوض في البحث لأخذ الخبر من موارد شتى حتى يتجلى اليقين لديه، وكذلك في القصص ما يوقد جذوة الفِكر ويشعلها بعدما غطاها الرماد، أو تسافر بالمرء إلى ماضٍ اندثرت حكاياته فتراوده من جديد.
وتظهر أهمية هذا النوع من الأدب كونه إرثٌ وحضارة وموروث شعبي، و لا نقول إنها تنتمي لمجال الأدب فقط، بل تجمع بين التاريخ والأدب والأخبار وشتى المجالات ، فقد ذكر محمد عبد المعيد خان في كتابه الأساطير العربية قبل الإسلام حول هذا الموضوع قائلًا: “الأسطورة هي مصدر أفكار الأولين، وملهمة الشعر والأدب عند الجاهليين، فهي الدين والتاريخ والفلسفة جميعًا عند القدماء …” من ذلك يتضح أن التباين في موضوعاتها يعزز مبدأ أهمية التكامل المعرفي، حيث إنها تبثه في القارئ، فهو عندما يخوض في هذا النوع من القصص حتمًا ستتهذّب لغته، ويصقل أدبه، وتُضيف لمعلوماته التاريخية، وتُسبغ عليه من فيض الحكم وجليل العِبر، وتأخذه إلى نواحي البلاد ومناحي الأفكار والمعتقدات، أخذ منها ما أخذ ونقد منها ما نقد وتأمل فيها ما يُدخله إلى عوالم التفكر، بالتالي سرد الرأي الذي يخبر عن قارئ قرأ وتدبّر فأثمر .




