
(مكة) – عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي
أحلامٌ كثيرة تعثر بعضها واصطدم الآخر بالعادات والتقاليد وذاب غيرها أمام رغبة الوالدين، الذين يتمنى لو عادا إلى قيد الحياة فقط ليحتضنهما ويقبل أقدامهما، وعلى الرغم من ذلك حالفه الحظ في رياضة كرة اليد والتي أصبح أحد أبرز نجومها في نادي الوحدة بمكة المكرمة.
ويروي الكابتن زكريا غلام، في حواره مع صحيفة “مكة” الإلكترونية، بدايات فريق كرة اليد والمعسكرات التدريبية المغلقة التي كان يعقدها في منزل والده، ثم في منزله بالطبع بعد الاستئذان من زوجته والطلب منها الإقامة عند أهلها حتى انتهاء فترة المعسكر.
1- في البدء نتعرف على ابن مكة.
– اسمي زكريا بن محمد علي غلام .
2- في أي حارة كانت نشأتكم ؟
– في حارة أجياد بئر بليلة ثم انتقلنا للرياض؛ لظروف عمل الوالد .
أين تلقيتم تعليمكم.. كابتن زكريا ؟
– المرحلة الابتدائية من معهد العاصمة النموذجي بالرياض، والمتوسطة درست المرحلة كاملة في مدرسة الملك فيصل النموذجية، ولم أوفق في الكفاءة وأعدت السنة في الفلاح وحصلت على الشهادة المتوسطة، والثانوية من العزيزية الثانوية، وحصلت على البكالوريوس من جامعة أم القرى.
4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟
– ما تبقى هو حب الناس بعضهم لبعض، وتكاتفهم، والمساندة في السراء والضراء.
5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية ماذا كنتم تأملون حينها ؟
– تمنيت أن أكون ضابطاً ولكن نصيحة الوالد ودموع الوالدة منعتني من ذلك !
6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة .. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟
– التربية كانت تركز على صلاح الأبناء، وتنشئتهم دينياً، وارتياد المساجد، وأيضا تتصف بالشدة والمرونة على حسب ما يتطلبه الموقف.
7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها ؟
– أكيد فالأساس هو توجيه الوالدين، وتكليفي، والاعتماد عليّ من صغر سني في مراجعة الدوائر الحكومية، وحضور المواقف التي بسببها تشكلت شخصيتي، وقبل ذلك توفيق الله وما أودعه سبحانه في الإنسان من خصائص لتشكيل شخصيته.
8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس .. ما هي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن ؟ ولماذا؟
– المثل (لا تبني سعادتك فوق حطام الآخرين) الهدف أن تكون مع لا ضد الآخرين.
9- الحياة الوظيفية.. أين كان أول بداياتها وآخرها ؟
– أول تعيين كمعلم في جدة عام ١٤٠٤ هجرية في الخالدية الابتدائية، وتقاعدت ١٤٣٩ هجرية بمدرسة أنس بن مالك المتوسطة بمكة المكرمة.
10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها.
– شهر رمضان فقد الكثير من روحانياته ومميزاته ! الصلاة والعبادة والاجتماعات والزيارات الأسرية ولقاءات الأصدقاء وتبادل الواجبات، وأيضاً بسبب الغزو الفضائي من القنوات المتعددة وإشغال المسلمين عن العبادة، أما شهر الحج وما كان للجميع دور في خدمة الحاج سواء كمطوفين أو العمل الموسمي المؤقت والتطوعي المجاني.
11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة .. كيف كان سابقا دور العمدة في الحي ؟
– العمدة سابقا كان هو المتصرف والمساند والمدافع ومصلح ذات البين وكافل اليتيم وكان له كل التقدير والاحترام، أما حالياً فيقتصر دور العمدة كواقع التصديق على التعريف بالأشخاص وتحضيرهم وبعض الأمور الصغيرة !
12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور في الحارة ؟
– أهم شخص كان والدي – يرحمه الله – ذا شخصية متميزة وكانت له مكانته الرفيعة بين الناس، وأيضا أذكر من العمد المرحومين عبدالله بصنوي وعبدالله زين الدين والعم عبدالله عجلان وحالياً العم إبراهيم زمزمي متعه الله بالصحة والعافية .
كما لا أنسى والد زوجتي السيد محمد لطفي النجمي فقد كان الأب الثاني لي ولن أنسى وقفاته معي خصوصا الأسرية والمادية منها.
وأيضا ..لا أنسى وقفة زوجتي في تأسيس بيت الزوجية وتحملها أعباء المنزل كاملةً، بالإضافه لرعاية أبنائي وتربيتهم عندما كنت أقضي أوقاتي خارج المنزل بين المعسكرات والمباريات .
13- كابتن زكريا.. هل تتذكرون موقفًا شخصيًا مؤثرًا حصل لكم ولا تنسوه؟
– وفاة والداي فقد فقدنا برحيلهما الأمان الأسري والعطف والتوجيه والحكمة وبركة البيت.
14- المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها ؟
– الأمور تغيرت حقيقة للأسوأ .. !! ففي زماننا المدرسة والمعلم كانا هما المكملان لدور الأسرة تربويا وأدبيا وسلوكيا وكان لهما مطلق الصلاحية في ذلك، أما الآن للأسف جميع التعليمات تصب في إذكاء تطاول الطلاب على معلميهم والعمل على التقليل من هيبة المعلم وأن يقتصر دوره على تلقين المعلومة فقط.
15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟
– الراديو والتلفيزيون رغم قلة ومحدودية برامجهما إلا أنها كانت مميزة وهادفة ومتماشية مع عاداتنا وتقاليدنا.
16-تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحي.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟
– الموقف الذي أذكره هو عودة الملك خالد – رحمة الله عليه – من رحلة العلاج في أمريكا ونزول المواطنين والمقيمين كباراً وصغاراً تلقائياً معبرين عن فرحتهم بالمسيرات على الأقدام، وبالسيارات، والوقوف في الشوارع وتسابق الأحياء على توزيع الورود والهدايا وإقامة الولائم في كل حي فكانت من أجمل الصور التي تعبر عن تلاحم القيادة والشعب.
17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها ؟
– ما أروعها من مواقف تضرب أروع الأمثال في الأخوة والوفاء والتلاحم بين سكان الحارة بالوقوف والمساعدة والمساندة مادياً ومعنوياً رجالاً ونساء والقيام بجميع ما يلزم لتخفيف المصاب.
18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم هل تتذكرونها .. وما الأبرز من تفاصيلها؟
– تخرجي من الجامعة والأهم هو كرم المولى عز وجل بأن رزقني بالذرية فكل واحداً منهم يبقى حدثاً تاريخياً مهماً في حياتي، وكذلك تشريفي بتمثيل المنتخب السعودي للشباب في الدانمارك والسويد عام ١٩٧٩م كأول منتخب سعودي في الألعاب الجماعية يشارك في نهائيات كأس العالم .
19-ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة أجياد ؟
– بالتأكيد المزمار كلعبة شعبية أولى في مكة.
20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروي لنا بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟
– موقف أبكاني فقد أكرمني الله بالوقوف على إحدى الأسر من الذين لا يسألون الناس إلحافاً ..الخ، فتم تأمين ما تيسر من الأرزاق ومن ضمنها دجاج وعندما قمت بتسليم والدتهم – يرحمها الله – المقسوم قامت ابنتها الصغيرة التي لم تكن قد تجاوزت الخمس سنوات بخطف الكيس من يدي والدوران حول والدتها وهي تقبل الكيس وتصرخ دجاج دجاج دجاج .. !! لم أستطع معه أن أحبس دموعي وقس على ذلك الكثير من هذه الحالات نسأل الله تعالى أن يكون لهم عونًا ومعيناً.
21 – ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة كابتن زكريا ؟
– أقول لهم أنني افتقدتهم ولهم وحشة كبيرة، وأسأل الله أن يجمعنا على خير .
22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم ؟
– قال نبي الأمة صلى الله عليه وسلم الخير في أمتي إلى يوم القيامة، ما زالت هنالك من الصفات الطيبة في الحواري وخصوصاً التي بداخل البلد تعكس بعضاً من التلاحم وما أطلبه من الجميع العودة لأصالة الماضي والخوف على بعض والحفاظ على النفس والعِرض.
23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي ؟
-الحمدلله قراءة ما تيسر من القرآن الكريم والأذكار يومياً وجزء من الوقت مع الأسرة والآخر مع الأصدقاء وعلى الانترنت.
24- لو عادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟
– الارتماء في أحضان الوالد والوالدة وتقبيل قدميهما وخدمتهما واجباً لا عادة.
25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟
– الحال الذي وصل إليه وضع المسلمين وما يتعرضون له من قتل وسحل وتعذيب وتهجير، والحرب العنيفة على الإسلام ولكن الأمل بالله كبير بعودة المسلمين إلى الله لنصرة الإسلام.
26- ماذا تحملون من طرائف جميلة في دواخلكم ؟
– عندما تخرجت من المتوسطة أخذني الوالد رحمه الله لمدرسة العزيزية الثانوية؛ لتسجيلي فيها وكان لي أخولن أكبر مني يدرسان بها وكنت وقتها قد زدت طولاً وعرضاً وظهرت عليا اللحية ودخلنا على الأستاذ سليمان الشبل أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية فطلب منه الوالد قبولي في المدرسة .. فتفاجأ الأستاذ سليمان ونظر إلي وسأل الوالد: هل تقصد هذا الذي معك فرد عليه الوالد بالإيجاب فقال له الشبل: هذا دور له على وظيفة ! ماله مكان عندنا فضحك الوالد وقال له : تراه أصغر من أخويه الموجودين عندك في المدرسة فوافق الشبل وتم تسجيلي في المدرسة وتشرفت بزمالة خيرة الشباب أمثال نايف الرويس وسعد الجعيد ومنصور الوافي وطلال وعساف القرشي وعضو مجلس الشورى سابقا عبدالله الطويرقي ونبيل مفتي ومحمد السليماني وغيرهم من صفوة الشباب.
27- لمن تقولون لن ننساكم ؟ ولمن تقولون ما كان العشم منكم ؟
– نقول للوالدين لن ننساهم بالدعاء لهما يومياً، وللمعلمين الذين قاموا بتدريسي وكان لهم الفضل بعد الله لما وصلت إليه، ونقول لأحبابنا مِن مَن زاملوني وما زالوا زملاء ما كان العشم منكم ..!!
28- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا ؟ ولمن تقولون سامحناكم ؟
– أقول سامحوني لكل من أخطأت في حقهم بقصد أو بدون قصد، وأنني مسامح كل من أخطأ في حقي في الدنيا والآخرة.
29- كابتن زكريا.. علمنا أنك استضفت فريق كرة اليد في منزل والدكم .. ما قصة الاستضافة في ذلك الوقت ؟
– نعم.. عندما تقرر عمل تصنيف لدرجات الدوري “ممتاز ودرجة أولى” بعد تأسيس أول اتحاد لكرة اليد كان لابد من معسكر لفريق اليد الجديد بنادي الوحدة – آنذاك – فلم يكن هناك مكان لمعسكر الفريق ولا إمكانات مادية.. وبحكم قرب فيلا الوالد من النادي استأذنت الوالد – رحمه الله- بإقامة المعسكر في فلتنا وبالفعل وافق مشكوراً على ذلك وتمت إقامة المعسكر لمدة ٨ أيام وتوجهنا للطائف ولعبنا البطولة أمام نادي الشباب وفزنا في المباراة وتأهلنا ونادي الشباب للتصنيف كأندية ممتاز بجانب الأهلي، والاتحاد، والهلال، والنصر، والنهضة ، والاتفاق،
والنجمة، والعربي.
وكررت الوضع عدة مرات عندما كنت كابتن للفريق الأول بعد ما تزوجت وكنت أبعث زوجتي لمنزل أهلها واستضيف فريق اليد في منزلي وإقامة المعسكر قبل المباريات الرسمية عندما لا تتوفر الظروف للنادي لإقامة المعسكر.
29- هل تعرضتم لظلم التحكيم في لعبة كرة اليد.. وأمام من بكل شفافية ؟
– أكييييد ..!! ولعدة مرات وبقصد ولكن لا أستطيع أن أذكر الأشخاص والأندية التي ظلمنا بسببها فلم يعد لدينا الدليل .. !!
30- كابتن زكريا.. عقود عديدة ونادي الوحدة محلك سر ما الأسباب بصراحة ؟.
– شح الدعم المادي، وعدم وجود استقرار إداري بسبب التعاقب المستمر للإدارات، ومحاربة البعض للبعض، وسوء التخطيط.
31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة الماتع .
– أولاً الشكر الجزيل لك أستاذ عبدالرحمن على إجراء هذا اللقاء . ثانياً أسال الله أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يصرف عنا البلاء والغلا ويهدي شباب وبنات المسلمين وذرياتنا وأن يحفظهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يحفظ ولاة أمرنا ويمدهم بعونه وتوفيقه لما فيه خير أُمة الإسلام .