حوارات خاصة

العمدة سامي يحيى معبر لـ”مكة”: نشتاق للماضي والحاضر يؤلمنا

زمنٌ كان الناس إلى بعضهم أقرب وقلوبهم أحن وأطيب، فينصر القوي الضعيف والغني يعطف على الفقير ويحترم الصغير الكبير ويعيش الجميع في ودٍ ومحبة، متآلفين مترابطين في الشدائد متماسكون مع بعضهم البعض وفي الأفراح يشاركون القريب والبعيد على حدٍ سواء.

وشاهدٌ على ذلك الزمان العمدة سامي يحيى معبر، والذي يروي في حوار شيّق مع صحيفة “مكة” الإلكترونية، تجربته الشخصية بين حارات مكة المكرمة القديمة، وكيف كان الناس يتكاتفون في الأفراح والأتراح، وعن عاداتهم في شهر رمضان المبارك وصلة الأرحام، فضلًا عن المؤامرات التي يتعرض لها العُمَد في عصرنا الحديث.

1- في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة؟

– العمدة سامي يحيى معبر عمدة لحي الرصيفة، وحي التخصصي في العاصمة المقدسة مواليد 1381هـ متزوج ولي ابنتان وابن، والمؤهل التعليمي جامعي.

2- في أي حارة كانت نشأتكم ؟

– في حارة أجياد.

3-أين تلقيتم تعليمكم.. عمدة سامي ؟

– في مدرسة عبدالرحمن بن عوف الابتدائية، والمتوسطة والثانوية في معهد مكة العلمي، والتعليم الجامعي جزء منه في جامعة أم القرى، وتخرجت من جامعة الملك عبدالعزيز بتخصص علم النفس.

4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟

– الذكريات القديمة لا تُنسى ؛ لأنها تعتبر تاريخ من حياتك كإنسان وتاريخ من حياة المجتمع الذي كنت تعيش فيه، والذاكرة مليئة بالذكريات القديمة وكيف كانت الجمعات والتقارب والتواصل، وكانت الحارة تعتبر أسرة واحدة في جميع الأوقات حتى تميز شهر رمضان والعيد؛ لأن التكاتف والتواصل لم ينعدم في أي يوم من الأيام.

5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟

– تعتبر من أهم مراحل الإنسان على جميع الأجيال سواء جيلنا أو الجيل السابق أو القادم ؛ لأن منها تبدأ تتكون ملامح الإنسان وتظهر قوة ذكائه واستطلاعه وتبينه للأمور.

6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة..ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت ؟

– كانت تربية عظيمة، ونحن تربينا رغم قساوة الأيام وصعوبة المعيشة؛ ولكن تربينا على حب الناس واحترام الكبير وخدمة الصغير والمحتاج والتزاور والتناصح وكانت الزيارات شيء مُعتاد.

أما الآن فجارك احتمال كبير أن تبقى شهرين لا تراه.. !! اكتفى الناس بالواتس أب وبقية البرامج، وحتى معايداتنا أصبحت عن طريق هذه البرامج إلا من رحم ربي؛ لكن أول كان من العيب أن يأتي رمضان المبارك بدون أن تذهب للكبير وتزوره وتسلم عليه.

7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها ؟

– الوضع الاجتماعي والأسري والحارة ساهمت كثيرًا في ذلك.. الأجانب كانوا قليلين جدًا وكانوا مختلطين في الأسر وكانوا يعملون مع الأسر وكان هذا الشيء مهما جدًا ونتج عنه التآلف والتقارب والتواصل ولله الحمد.

8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ما هي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن ؟ ولماذا ؟

– لو تجري جري الوحوش غير رزقك ما تحوش، اذهب وارجع وافعل ما تريد لكن لن تُرزق إلا ما كتب لك.

9- الحياة الوظيفية.. أين كان أول بداياتها وآخرها ؟

– بدأت في الأعمال الموسمية والهلال الأحمر والنقل الجماعي وكلها كانت أعمال موسمية، وبعد أن تخرجت من الثانوية التحقت بالشرطة لمدة 8 سنوات ثم اتجهت للعمل الخاص واشتغلت في شركة كمدير شؤون مالية وإدارية لمدة 5 سنوات ثم تعينت عمدة لحي الرصيفة من عام 1418هـ إلى وقتنا الحالي وهذا بالنسبة للوظيفة.

10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟

– شهر رمضان أو شهر الخير والإيمان والإحسان والغفران والعتق من النيران.. وكان هذا الشهر مختلفا تمامًا في السابق وأنا عشت وصمت في الأيام التي لم يكن فيها تكييف وكنا في شدة القيظ والحر وكانت والدتي -جزاها الله خير الجزاء- تبلل الشراشف وتضعها عند المراوح لنترطب ونتحمل حرارة الشمس حتى تغرب ونذهب للفطور في الخارجة؛ كي نحظى بنسمة هواء وكان معظم أهل مكة يؤدون صلاة التراويح في المسجد الحرام وكان الوالد ينزل بنا من حارة جياد السد بالسيارة ونتوقف عند باب الملك عبدالعزيز ونصلي العشاء والتراويح، ونعود للمنزل وكانت الحياة الاجتماعية قوية جدًا والتواصل عند الجميع.

11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة.. كيف كان سابقا دور العمدة في الحارة ؟

– هي ليست محددة ولكن اختلاف الزمان أجبرنا على المحدودية ! فزمان كان شيخ الحارة والمسؤول عنها وممثل الحكومة وكان الصلة بينها وبين الشعب وكان له دوره الفعال لأنه كان ينتخب من أهل الحارة ولذا لابد أن يطيعه الجميع، عكس الآن فالجميع يرفع صوته ويتآمر عليك رغم أنك موظف حكومي ..!!

12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟

-على رأسهم العمدة الشيخ طاهر البغدادي عمدة أجياد، وعائلة الطفران، والدانش ، وبيت عيد، وبيت عبدو، وبيت الكباريتي، وبيت أبو السعود، وبيت القصاص وهي من البيوت التي تملك باعا طويلا في الحياة الاجتماعية .

13- العمدة سامي .. هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه ؟

– حصل بيني وبين الشيخ طاهر موقف أذكره في كل مقابلة أجريها..!! حينما ضربني الشيخ طاهر كفًا دون أن يخبرني بأي شيء ثم جاء في العصر بنفسه لمحل الوالد وقال لي “الكف الذي ضربتك إياه، ضربتك حتى أحميك من مشكلة كبيرة كانت ستحدث معك؛ لأن بعض الناس كانوا يتهمونك في شيء، أنا متأكد أنك بريء منه؛ لكن أردّت أن أبرد أعصابهم بهذا الكف واقتنعوا وجئت أقول لك إنك لم تفعل شيئًا؛ لكن كان لا بد من التصرف هذا كي أحميك !”.

14- المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟

– كان مديري الأستاذ عثمان غازي المربي الفاضل والد الدكتور هاني غازي وكيل جامعة أم القرى وكان من ضمن الأساتذة الأستاذ الشريف منصور والأستاذ محمد وصل الحازمي والأستاذ صديق حولدار وكانت الرياضيات حساب فقط وكان يدرسنا إياها الأستاذ أحمد نظيف وكان يحمل الجنسية السورية ويدرسنا المواد الاجتماعية مثل الجغرافيا وغيرها وأيضا الأستاذ محمد القرشي وكانت مجموعة ليسوا مدرسين فقط بل مربيين وآباء وكنّا نتلقى منهم أكثر ما نتلقى من بيتنا من تعليم وتربية وتهذيب والحمدلله أثمر بنا.

15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟

– في السابق لم يكن لدينا سوى الصحافة المكتوبة، والتلفزيون، والإذاعة وكانت مختصرة على الأحداث المهمة بالنسبة للتلفزيون والإذاعة، والمقالات في الصحافة وكان هذا كل شيء بالنسبة للإعلام.

16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحي.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟

– كانت أفراحا بمعنى الكلمة فكان التكاتف بين أفراد الحي والأسرة والعوائل، وكان الشخص الذي لديه الفرح يساهم من حوله بكل شيء وبما يستطيع سواء كيس رز أو سكر بكل ما يستطيع وكانت كل الأفراح غداء فقط، ويرسل له معشرة فيها مختلف أنواع الطعام للبيت مساعدةً للعريس وكانت هذه من سمة العصر في تلك الأيام.

17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحي التخفيف من وقعها ؟   

– وحتى الأحزان كان الجميع يتكاتف فيه، المُعزى فقط يجلس ويستقبل التعازي ومن حوله يساعدونه ولم يكن الوضع كالآن وكأنه عزيمة..!!  الجميع يجلسون للعشاء لم يكن هذا الشيء موجودا نهائيًا.

18-الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم هل تتذكرونها.. وما الأبرز من تفاصيلها؟

– وفاة مولاي جلالة الملك فيصل -غفر الله له- وأنا في المرحلة الابتدائية، وحرب أكتوبر وجميعها حدثت في طفولتي.                                                                                                

19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها الحارة ؟

– برحة الطفران في حارة أجياد كانت مشهورة بالألعاب المختلفة كتنس الطاولة، والمراجيح، والفرفيرة، ومن الألعاب القديمة جدًا البرجون، وصندوق الشاهي الخشب الذي كنا نلفه بالمطاط ونلصق أغطية البيبسي به وتصبح عربية ونستخدمها في مقاضي البيت، ولعبة جنط الدراجة والكثير من الألعاب المسلية التي نجتمع عليها.

20- “لو كان الفقر رجلا لقتلته” مقولة عظيمة  لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من  قصص الفقر المؤلمة ؟

– الحمدلله ما عشت الفقر المعدم ولم يكن في الحارة ذلك الفقر المعدم وحتى عندما توفرت المكيفات اشترى الوالد لنا مكيفا صحراويا، وصحيح أنه لم يكن هنالك ذاك البذخ والسفرات ولكن كان حالنا مستورا وحتى نزهتنا كانت في الهدا نأخذ أكلنا وشربنا من البيت ونستأجر خيمة من مخيمات السفياني وكانت قيمتها ما بين العشرين والثلاثين ريالا بمائها وحمامها.

أو على الكورنيش في جدة وحتى المطاعم لم تكن هناك تلك المطاعم الفخمة، فالحمدلله الوضع كان طبيعيًا، ولم أعاصر ذلك الفقر المعدم الذي كان فيه الناس يعتمدون على التكية المصرية والتركية بل فقط سمعت عنه.

21 – ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة.. عمدة سامي ؟

– والله أنتم الأساس ومن علمنا كيف نعيش ونتعايش مع الناس ومعنى التعاون مع الناس ومعنى الأسرة الواحدة ومن لا أول له لا ثاني له.

22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم ؟

– على الرغم من توسّع البنيان ولله الحمد لكن يا جماعة الخير على الأقل الأقرب فالأقرب ولو لسابع جار؛ ليتقاربوا ويجتمعوا كيوم في الشهر ليشعروا ببعض ويقتربوا من بعض فالتواصل والتكافل والتكاتف شيء مهم جدًا في الحياة.

23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي ؟ 

– مركاز العمدة والمكتب في النهار والمساء، ومركاز الحارة نجلس فيه ساعتين من بعد صلاة العشاء ونجلس مع أهل الحارة ونستمتع بوقتنا في سمر وكلام ونستذكر الماضي والأيام الجميلة الماضية وحتى إن كنا من الشباب تقريبا، فنحن نعرف الواتس أب وبقية مواقع التواصل ونتصفحه أحيانًا.

24- لو عادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟

– وأنا صغير صمت رمضان وأنا عمري 6 سنوات بتشجيع كبير من أبي لي ولأخواني الثلاثة الكبار أخي الدكتور سمير وأخي عبد العظيم من بعدي وكنا نصلي التراويح في الحرم وكان مقابل الصيام ريال ومقابل التراويح ريال وكانت ريالين شيء عظيم في ذلك الوقت فقد كان مصروف المدرسة 4 قروش فقط.

ولكن في رمضان كي يشجعنا الوالد للصوم والتراويح يعطي ثلاثتنا كل منا ريالين، والحمد لله يدل هذا أننا لم نعش حال الفقر المعدم وكان 180 ريالا في الشهر شيء ليس بقليل في تلك الأيام.

أتمنى أن تعود تلك الأيام .. تعود مع النفوس الطيبة، وحب بعض، والتواصل والاجتماع، والله لو ترى كيف كان عندما تدخل بيتك وترى كيف كانت سفرتك من جميع الأصناف ولا تدري من أين جاء فتخبرك أمك بأن جيرانك أرسلوا ما لذ وطاب.

25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟

– آآه من تباعد الناس وضيق النفوس وعدم التكافل ونعاني حتى كعُمد .. !! على الرغم من مراكز الأحياء ولاسيما من الشباب.

26- ماذا تحملون من طرائف جميلة في دواخلكم ؟

– كنا ثلاثة أصدقاء لدينا ثلاث مناسبات في ليلة واتفقنا أن نجعل المناسبة الأخيرة هي مكان لتناول طعام العشاء، فذهبنا للمناسبة الأولى ثم للمناسبة الثانية وحين وصلنا للمناسبة الثالثة خرج المدعوون جميعهم ولم نتمكن من المشاركة معهم فعدنا إلى منازلنا بعد شراء سندوتشات شاورما وأكلناها ونحن نضحك على أنفسنا من الموقف.

27- لمن تقولون لن ننساكم؟ ولمن تقولون ما كان العشم فيكم ؟

– لكل من مد لنا يد العون ولكل من أعاننا بعد الله تعالى في أي شيء ولأبي ولأمي لن أنساكم ولن أنسى فضلكم علي في تربيتي والإحسان إلي أنا وأخواني وأخواتي.

ولكل من يسيء إلى هذا الوطن بالعبث بالمرافق العامة وتشويه الحدائق والأسوار وكل المناظر العامة ما كان العشم أن تبادلوا بلد الحب بهذا الشيء.

28- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا..؟ ولمن تقولون سامحناكم ؟

– أسامح كل من أساء إلي بقصد أو بغير قصد؛ لأن من صفات الإنسان الراقية التسامح والعفو فأنا أسامح الجميع وأطلب المسامحة من الجميع أيضا.

29- يشكو بعض العمد من عدم وجود مقرات نموذجية للقيام بأعمالهم كيف من الممكن أن تحل هذه المشكلة ؟

– بعضنا يستأجر محلات وفيها المكاتب؛ لأن أمانة العاصمة المقدسة غير قادرة على توفير أراضٍ نقيم فيها ..!!  بل عبارة عن “بركسات”.

وبالعكس أمانة جدة والشرطة وغرفة جدة التي تبحث عن الأرض وتبني للعمدة الأرض المطلوبة، وأتمنى أن يبني لنا معالي الأمين الجديد المهندس محمد القويحص المقرات المطلوب؛ حتى نتمكن نحن ومن بعدنا أن نقوم بعملنا براحة وسهولة.

30- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة الممتع.

– الله لا يحرمنا من قادتنا والله يحفظ لنا سلمان القوة والحزم ملكنا وولي أمرنا هو وابنه صاحب السمو الملكي ولي العهد أمير الرقي والحضارة والنماء الأمير المحبوب محمد بن سلمان، الله يبقيهم ذخرا لنا والله يديم علينا الأمن والاستقرار والأمان شكرًا لكم على إتاحة هذه الفرصة لي والسلام خير ختام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى