
منذ كان صغيرًا انصب جل اهتمامه على متغيرات هذه الحياة والعوامل المؤثرة في بناء المجتمعات والتقاليد والعادات، فلاحظ فيها كل صغيرة وكبيرة، واحتفظ بها في ذاكرته، الأمر الذي أهلّه مستقبلًا ليكون كاتبًا ومؤرخًا يخط الماضي أمام الأجيال الجديدة لبناء مستقبلها بالطرق الصحيحة والسليمة.
ولأنه كما قيل “لا حضارة لشعبٍ ليس له ماضٍ”، أجرت صحيفة “مكة” الإلكترونية هذا الحوار مع الكاتب والمؤرخ السيد عيسى بن علوي القصير؛ للتعرف على الحياة الاجتماعية في الطائف قديمًا وحديثًا وأبرز الظروف والمتغيرات التي عاشها الأهالي وأثرت في تكوين شخصياتهم.
1- في البدء نتعرف على ابن الطائف؟
– السيد عيسى بن علوي القصير كاتب ومؤرخ من مواليد الطائف.
2- في أي حارة كانت نشأتكم ؟
– نشأتي كانت في بيت الوالد في حارة أسفل بجوار باب الحزم الذي يطل على مزارع وبساتين ركبان شبرا “سابقا”, في بيتنا الصغير التي تسمى قديماً “العزلة الصغيرة” وأنا الابن الثاني في الأسرة وترعرت بين أحضان الوالد والوالدة يرحمهما الله.
3- أين تلقيتم تعليمكم .. أستاذ عيسى ؟
– تلقيت تعليمي الابتدائي في المدرسة السعودية بالطائف، ثم انتقلت إلى المدرسة العزيزية، ثم التحقت بالمرحلة المتوسطة “متوسطة عكاظ بالطائف” وبالشهادة المتوسطة سنة “87/88هـ”.
4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟
– الذاكرة تنعش الأمل؛ لتعيد أحداث الماضي الطيب والزمن الجميل وكما هو معروف لدى أبناء أهالي الحجاز من رجال ذوي همم وشخصيات مرموقة داخل السور ثلاثة أحياء هي”حارة أسفل، حارة فوق، حارة السليمانية ” وقد هدم سور الطائف القديم سنة 1368هـ، حيث اتصلت هذه الحارات ببعض، ومن الأحداث العالقة بالذاكرة خاصة في الفرح أو الوفاة، تنصب الخيام أو التيازير؛ لإقامة هذه المناسبات كما يقوموا شباب هذه الحارة بالفزعة مجتمعين متعاونين متكاتفين كأخوة في مودة متأصلة في أبناء حارة أسفل أو الحارات الأخرى.
5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية .. ماذا كنتم تحلمون حينها ؟
مرحلة الطفولة هي أفضل مرحلة في عمر الإنسان ! ويتأمل من تطلعات مستقبلية من حياته العملية، وحينما كنت أدرس في المرحلة المتوسطة كانت تراودني أفكار وآمال كثيرة منها مواصلة تعليمي؛ لأتخرج ضمن كوكبة المتخرجين بسلاح العلم من مهندس أو طبيب -ولكن إرادة الله فوق كل شيء – حيث لم أكمل مراحل التعليم في ذاك الوقت.
وكان زملاء المرحلة المتوسطة بعضاً منهم تبوّأ قيادة في الدولة وعلى سبيل المثال الدكتور خالد عبد الغني، المهندس سالم بن بكر، ومن أبناء محمد سعيد كمال، وكذلك في المجال العسكري، وهناك إحدى الأمنيات حينما بدأت الكتابة في الصحف المحلية المدينة، البلاد في مواضيع اجتماعية ومقالات أخرى عام 1388هـ، ولازلت أمارس الكتابة والتأليف حالياً، وبفضل من الله فقد تحققت هذه الأمنيات والتأمل، حينما كلفت برئاسة بلدية لية ” بلدية جنوب الطائف الفرعية عام 1409هـ ” على عهد رئيس بلدية الطائف الأسبق د حسن حمزة حجرة أمانة الطائف.
6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة .. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت ؟
تربية الأبناء في السابق هي من أهم المراحل العمرية للأبناء في ذلك التاريخ، حيث كان الآباء يأخذون أبناءهم في الأعمال المهنية أو التجارة، ويعلمونهم على الصدق والإخلاص في أداء العمل، أو تدريسهم في المدارس على أسس تربوية ولا زالت الأصول في تربية الأبناء إلى اليوم بنفس المعاير السابقة.
7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد الطائفية في تكوينها ما أبرزها ؟
لقد ساهمت العادات والتقاليد في شخصيتي المتواضعة في اكتساب المودة والمحبة بين أبناء الحارة أو الحارات الأخرى من التقدير والاحترام، وكذلك المساعدة والفزعة في كثير من المناسبات ومواصلة الزيارات من الأقارب والأرحام والجيران، والمشاركات الاجتماعية والأسرية في تشكيل هذه الصفات الطائفية إلى اليوم.
8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس ما هي الأمثال التي لا زالت باقية في الذهن؟ ولماذا ؟
– الأمثال الشعبية القديمة متأصلة في ثقافة الإنسان والبيئة المحيطة به، ولها بالغ الأثر في النفس منها : “أصحاب العقول في راحة” يضرب هذا المثل في الشخص عندما يقول كلاماً ولا يفعله دون تبصر أو بصيرة، “قيس قبل الغطيس” يضرب هذا المثل لأي شخص متعجل في أمر ما، وهناك مئات الأمثال بعضها يصلح لزمننا الحالي وذلك بسبب العجلة وعدم التأني.
9- الحياة الوظيفية .. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها ؟ وآخرها؟
الحياة الوظيفية هي أهم مرحلة في التكوين الشخصي ودخوله في معمعة الحياة الوظيفية فكانت بدايتها قبل دخول مجال الوظيفة اتجهت مع الوالد السيد علوي القصير في مهنة البيع والشراء “بقالة – خضرة وفاكهة” في سوق الخميس الشهير في الطائف وكان للوالد سمعة حسنة – وأشهر من نار على علم – وهو معروف لدى سكان حاضرة الطائف وباديتها في الأعمال التجارية، إلى أن توفاه الله عام 1393 هـ، وكانت بداية دخول مجال الوظيفة عام 1392هـ في شركة الكهرباء في الطائف براتب وقدره 400 ريال وارتفع إلى 450 ريال، ثم انتقلت بالعمل إلى بلدية الطائف “أمانة الطائف” عام 1393هـ عن طريق المسابقة الوظيفية في ذلك التاريخ، ثم أجريت مسابقة أخرى عام 1400هـ، ونجحت فيها وباشرت في فرع هيئة الرقابة والتحقيق ثم استقلت من عملي بتاريخ 5/5/1402هـ، واتجهت مرة أخرى للأعمال التجارية، ثم أجريت مسابقة أخرى .. وجاء تعييني في نفس البلدية “أمانة الطائف”عام 1404هـ، حتى تقاعدي بتاريخ 1/7/1426هـ، بعد حياة حافلة بالأمل والتطلعات والأمانة والإخلاص في أداء العمل ولله الحمد، وخلال تلك المراحل الوظيفية أتقدم بالشكر والعرفان لزملائي منسوبي الأمانة وأسال الله التوفيق والنجاح لهم.
10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها.
شهر رمضان وشهر الحج بالنسبة لأهالي الطائف من الذكريات الخالدة أسوة بباقي مدن بلادنا الغالية مع بداية دخول شهر رمضان المبارك يبتهج الناس ويستعدون له، بتلاوة القرآن الكريم في المساجد أو في بعض الدكاكين، ويتسابق الجميع لفعل الخير واكتساب الثواب في هذا الشهر الكريم، ويتم التواصل والتراحم بين أفراد الأسر وبين الأهل والجيران في مختلف الأحياء، ومن أهم الملامح الرمضانية الجميلة:
– تنتشر أسواق الطائف القديمة في وسط السوق داخل السور أو بعد إزالة الأسوار بدكاكينه العتيقة وأزقته وبرحاته المتعرجة وأشرعته البالية من الخيش.. بدائية العمل .. جميلة المنظر. في ذلك الوقت.. يُعرض فيها ما هو موجود من المواد والبضائع .. واللوازم المنزلية.. تشاهد في وسط السوق محلات بيع الحطب والخشب والفحم والغاز .. ومحلات معدات الخردوات ومحلات البناء والحدادة ومواد الزراعة والحراثة القديمة -برحة مسجد الهادي قديماً -.
كما تشاهد من الناحية الأخرى دكاكين بيع السمن والعسل وكافة الحبوب والملابس القديمة، ودكاكين بيع الخضرة والفاكهة واللحوم، ذلك هو الطائف القديم ” عُلو سويقة قديماً ” .. تاريخ تليد وماضٍ مجيـد، عاش النـاس سنوات عامرة بالحب والعطاء، وعشنا بعدهم على ذكريات تاريخهم وعاداتهم الطيبة . حركة البيع تبدأ مع تباشير الصباح الوضاء .. الكل في دكانه أو بسطته يكثر البيع والشراء، بعد صلاة الظهر ترى حركة غير مألوفة عن باقي الأشهر، إذ تشاهد بائعي السمبوسة والكنافة البلدي واللقيمات والحلويات الأخرى أمام بسطاتهم يعرضون ما لذ وطاب من الأكلات الرمضانية، وموقع هذه البسطات من باب الريع مروراً بسويقة إلى برحة مسجد الهادي، إلى البئر المالحة ” حالياً إلى الموقع البنك الأهلي “، تسمع النداء من كل جانب لنداء للإفطار .. بقولهم : “فطورك يا صائم .. في الجنة جوه يا صائم .. وحَّد ربك يا صائم .. فطورك ياصائم “. ومع هذه النفحات الرمضانية.. الكل فرح سعيد بهذا الشهر العظيم .. ” يا رمضان يا أبو الشربة والقدحان “؛ وذلك لكثرة الزبادي والصحون على السفرة والموائد . تغلق الدكاكين .. قبل صلاة المغرب لأداء الصلاة وتناول الإفطار .. بعد أخذ قسط من الراحة وأداء صلاة العشاء والتراويح في المساجد .. بعضهم يقوم بفتح محله حتى الساعة الرابعة ليلاً بالتوقيت الغروبي أي الساعة العاشرة ليلا بالتوقيت الزوالي وبعضهم ينام حتى وقت السحور .. وتدور عجلة السنين في دورات سريعة كعقارب الساعة تلاحق الزمن وإلى عهد قريب، ومن المشاهد التراثية القديمة.
ثم يأتي عيد الحج في العاشر من شهر ذي الحجة وهذا العيد له طعم خاص .. ففي يوم الوقفة الكبرى يوم التاسع، تشاهد النسوة والأطفال يأتون على شكل جماعات جماعات؛ لأداء صلاة العصر كأنهم في محفل كبير وعرس بهيج لهذا اليوم العظيم .. يوم الوقفة العظمى.. لحجاج بيت الله الحرام في مشعر الله، في عرفات الله، وبعد أداء الصـلاة ترى أفواجا من هذا الجمع الغفير من النسوة والأطفال .. بنين وبنات يتبادلون التهاني والتبريكات وترى في الجانب الآخر .. البسطات والدكاكين لبيع النقل والمكسرات والحلويات والأكلات الشعبية من جميع الأنواع والأشكال ولعب الأطفال والزينة والمدارية. الكل فرح سعيد .. بهذا اليوم العظيم، ويتألف إفطار يوم عيد الحج من المثرية والعصيدة وهي غير عصيدة أهل الجنوب، وهي تعمل من السويق المصنوع من حب الشعير المطبوخ، وتوضع في القدر وتحرك بواسطة عصا صغيرة مدببة الرأسين تسمى “المسواط”، وبعد النضج توضـع في الصحن ويوضع عليها السمـن البري والعسل وصحـن آخر باللبن والسمن.
وتقوم ربة البيت بهذه المناسبة بعمل صواني المعمول والغُرَيبَة، والكعك والعيش البلدي مع الحنانه وهو قرص صغير والفتوت المبزر بالبزارات الشهية .. ويعملون العيش بكميات في العيدين؛ لعدم وجود أفران لأنها تغلق أيام الأعياد، وإذا دخلت بين الأزقة والبرحات فاحت رائحة المعمول والغريبة والعيش بروائحها الزكية الفواحة الطائفيـة . يتم إرسال بعض من هذه المأكولات إلى الأهل والجيران .. كما أن هناك أكلات شعبيـة تعمل في المنازل والأسواق الشعبية في أي وقـت أو مناسبة طيلة العام وخاصة في شهري رجب وشعبان ورمضان.
11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة.. كيف كان سابقا دور العمدة في الحارة ؟
العمدة له دور كبير في الحارة وهو شخصية متميزة، ذو فكر وتبصر في القضايا الاجتماعية وخاصة الأسرية، والعمدة حالياً مرتبط بأنظمة وتعليمات من جهة الاختصاص ودوره محدود في قضايا معينة من الجهات الأمنية، وعمدة الحارة سابقاً له صلاحيات كثيرة متعددة الجوانب، فهو يعتبر ممثلاً لمدير الشرطة أو القاضي أو أمير المنطقة في حل قضايا كثيرة أو كبيرة عدا الشرف أو القتل، وهو المرجع الوحيد في الحارة مع كبار وأعيان المجتمع تجد في السوق من الرجال ذوي السمعة الطيبة من أهل الرأي والخبرة بالحل والعقد والدراية في حل المنازعات وفض الخصام من رواد التسوق.
هناك من يعكر صفو العيش بالمناوشات والمضاربات في مناحي الحياة اليومية، هذه حياة الأسواق فيها الكر والفر بين الجميع وجلبة الحياة فيما بينهم، يحصل الخصام، يقع الضرب والعراك، تسيل الدماء، هـذا يركض وذاك ينادي في تهدئة الأمور، ويشدّد هذا الخصام إلى أن يمتد بين أبناء الأحياء والحارات من مضايقات وسخافات وبذاءات كلامية، تصل بعض الأحيان إلى ما لا تحمد عقباه.
وعمد حارة أسفل هم : محمد صالح بن حريب “عصر العهد السعودي وما قبله ” عبد الرحمن محمد صالح بن حريب، عبد الله بن أحمد بن عثمان الحدايدي.
12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟
القامات الاجتماعية في حارة أسفل أو الحارات الأخرى بالطائف لها حضورها في المجتمع الطائفي وهم من الشخصيات المعبرة ولهم كلمتهم في أبناء الحارة ويرجعون لهم في كل كبيرة أو صغيرة لدورهم الريادي في المجتمع وكذلك في المناسبات الوطنية أو الأفراح والأحزان أو في احتفالات الأعياد وهم متواجدون في كل حدث أو مناسبة اجتماعية وحسب الذاكرة ألا تخونني في بعض الأسماء وللجميع التقدير والاحترام وهم كثير واذكر منهم : محمود عيد ،محمد صالح عيد، عبد الله بن سعد الجهني، عبد الرحمن بن حريب، السيد عمر القصير، عبد الحفيظ مغربي، علي بن حريب، عبد القادر بن حريب، إبراهيم يسلم بصفر، عبد الله حدايدي، أمين عبد ربه السمكري ،عبد الله بن بكر، أحمد بن ذا النون،السيد عبد الله القصير . -رحمة الله عليهم جميعاً وجميع أموات المسلمين.
13- أستاذ عيسى.. هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولن تنسونه ؟
المواقف الشخصية كثيرة بحكم ارتباطي بالوالد -رحمه الله تعالى- وهذا الموقف لازال عالقاً في ذهني حتى اليوم وأحدثه أبنائي وهو: عندما توفي جدي السيد عبد الإله القصير سنة 1376هـ، رأيت والدي يبكي كثيراً وأنا كنت صغير السن “قلت لوالدي عيب تبكي ايش يقولوا الناس عنك يشوفوك تبكي !” وحينما توفي والدي سنة 1393هـ، تذكرت هذا الموقف، وحدثت والدتي بهذا الموضوع – رحمهما الله جميعاً – هذه من إحدى الذكريات المؤثرة في نفسي.
14- المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها ؟
– المدرسة والمعلم والطالب.. هذا المنبر الثلاثي في السابق له دور تثقيفي أدبي تعليمي، التعليم في السابق مرتبط بالحياة الاجتماعية للأسرة وكان في السابق المدرس يحضر الطلبة في دفتر الحضور وإذا غاب الطالب أتى هذا المدرس ومعه دفتر الحضور ليسأل والد الطالب ,,, ومن الذكريات الجميلة غبت يوم من الأيام وأتى المدرس إلى دكان الوالد وأنا جالس وكلمه الوالد أنه أصابتني سخونة ووجع في الرأس، فكتب هذه الملاحظة في دفتر الحضور.
15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان .. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق ؟ وما أثرها على المجتمع ؟
وسائل الإعلام في السابق هي الجرائد والصحف المحلية عكاظ، المدنية، أم القرى،الندوة، البلاد ،ثم الرياض،واليمامة، الجزيرة .. تنقل جميع أخبار الوطن دون استثناء ومن مقالات وزوايا في الأدب والثقافة والفنون والرياضة ولا ننسى الإذاعة السعودية من جدة وكذلك بداية التلفزيون السعودية.
16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟
– تظل الأفراح في ذلك التاريخ في الزمن الجميل عالقة في الأذهان من حب الفزعة والتواصل الأسري وكانت بعض الأفراح تقام في البرحة أو الشارع بنصب الخيام والتيازير؛ لاستقبال الضيوف وقد جرت العادة كما هي اليوم أن يقف العريس وأقاربه أمام مدخل صالة الأفراح أو الفنادق، أمام المنزل، مرحبين بالضيوف؛ لإدخالهم إلى المجالس المعدة لذلك، أو في بعض منازل الجيران وتدار القهوة العربية والطيب للمدعوين وفي هذا اليوم يجتمع الأهل والأصدقاء في بيت العريس؛ للقيام بالفزعة ” المساعدة ” يأتون من الصباح مبكرين في الحضور . وبعضهم يأتي ومعه صواني الملة “القرصان” مع السمن والعسل والآخر يأتي بالجبن والتمر وبعض من المأكولات الأخرى، وبعد الانتهاء يتأهب الجميع وخاصة شباب الحي بالفزعة في ترتيب مكان الحفل وتجهيز لوازم وأواني الفرح.
17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف منها ؟
إذا توفي أحد من أهل الحي .. يُبلّغ الجيران والأقارب وكذلك الحارات الأخرى وذلك عن طريق شخص يقوم بإبلاغهم بخبر الوفاة أو كل شخص يبلغ الآخر حتى يصـل الخبر لكافـة الحارات وعندها يحضر الجميـع عنـد منزل المتوفى؛ للقيام بواجب العزاء والمواساة والقيام بعملية تجهيز الجنازة وحملها مشيا على الأقدام من منزل المتوفى إلى مسجد عبد الله بن العباس؛ لأداء الصلاة عليها ثم دفنها.
وبعض أصحاب الدكاكين يغلقون محلاتهم لأداء الواجب للصلاة والعزاء ومدة العزاء ثلاثة أيام وخلال هذه المدة تكون وجبات الأكل على الأهل والأصدقاء دون تكليف أهل الميت بعمل أي شيء، وفي اليوم الثالث يجتمعون في منزله أو في بعض منازل الجيران لتناول طعام الغداء بعد صلاة الظهر مباشرة ويكون الغداء رز هندي أي “رز أبو حمص مع سلطة الطحينة والخيار”
وإذا لم يوجد خيار تعمل السلطة بالباذنجان الأسود مع الطحينة وكانت السُّفَر في ذلك الوقت من قماش الدوت ومثلما كانوا مجتمعين متعاونين أيام الأفراح، كذلك يكونون في المآتم متآزرين متكافلين.
18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم هل تتذكرونها.. وما الأبرز منها ؟
أهم الأحداث التاريخية الشهيرة التي لازالت عالقة في الأذهان هي حرب النكسة ما بين العرب وإسرائيل عام 1387هـ / 1967م، التي احتلت فيها إسرائيل الأراضي العربية كل من مصر / سوريا / الأردن، وكانت وسائل الإعلام من الإذاعات العربية، والسعودية والتلفزيون وكافة الصحف المحلية تنقل أخبار الهزيمة العربية الكبرى.
19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة أسفل ؟
– أما الألعاب الشعبية التي تقام في الأعياد فقد كانت تقام من بعد صلاة العصر حتى منتصف الليل مثل لعبة الصهباء واليماني والمزمار والرفيحة والمجالسي والمجرور وحيوما والقصيمي ويللي وكل حارة على حدة، ففي حارة أسفل تقام الألعاب الشعبية في برحة مسجد الهادي وحارة فوق في برحة الركن وحارة السليمانية في برحة العباس. والألعاب الشعبية في الأعياد ترافقها الاحتفالات بالزواج، هي نوع من توفير المصاريف وزيادة الفرح فرحين عيد وزواج.
20-“لو كان الفقر رجلا لقتلته” مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله .. هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة ؟
مقولة عظيمة من خليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهذه القصة تحكي واقع الفقر لدى بعض الأسر الكفيفة التي لا تمد يدها للغير .. لكل قومٍ عادات وتقاليد وقد كانت هناك عادة حسنة وطيبة بين الأهل والجيران في الحارة الواحد أو فيما بين الحارات الأخـــرى .. فإذا تأخر الجار عن أداء الصلاة في المسجد أو غاب عنه عدة أيام أخذ الجيران يسألون عنـــه ويستفسرون عن حالته.
وإن كان مريضاً زاروه وأعطوه شيئاً من المال .. وإذا عرفــوا أنه ليس لديه من الأرزاق شيء يرسلون شخصاً يبلغ بعض الجيران “أن فلاناً ما عنده اليوم شيء” فيجمع له بعض من الجيران ما يتيسر له من الأرزاق دون أن يعلم، هذا الترابط الأسري بين الأهل والجيران في الحي الواحد يمثل أنبل غاية لهذا الواقع، ويجسد أسمى المعاني الأخوية في التكافل الاجتماعي الإسلامي.
21- ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة أستاذ عيسى ؟
كلمتي لسكان حارة أسفل، الله يا الزمن الجميل من المحبة والتقدير وفزعة الجار، وأسأل الله لهم الرحمة والمغفرة في هذا الشهر الفضيل، ومن بقي لهم بطيلة العمر بالصحة والعافية وبالهناء والسرور الدائم على الجميع ولكافة حارات الطائف.
22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم ؟
– رسالتي للأحياء الجديدة، أسال الله أن يوفقهم لأعمال الخير للجار والجيران، ومحبة الأنفس وبالترابط الأسري فيما بينهم.
23- كيف تقضي أوقات فراغكم في الوقت الحالي ؟
أشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم علي بالصحة والعافية وبطيلة العمر وقد بلغنا الله هذا العام شهر رمضان المبارك، أعاده الله على الجميع بالخير، وأقضي أوقات فراغي بالاطلاع على الكتب في مكتبتي المتواضعة، أو إنجاز بحث عن تاريخ الطائف العريق حالياً.
24- لوعادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟
لو عادت بنا الأيام السابقة وما نتمنى منها الزمن الجميل لن يعود لمثل هذه الأيام من محبة الصغير وتقدير الكبير ومجالسة كبار السن والاستفادة من تجاربهم في الحياة العامة.
25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟
– بصراحة يبكينا في وقتنا الحضر في أيامنا هذه وللأسف فقد اختلفت فيها العادات والتقاليد اختلافاً جذرياً عن الماضي القريب، فالنفوس تغيرت، أصبحت المادة طاغية على كل شيء، لا تجد للحياة طعماً أو جمالاً في هذه الأيام بسبب المظاهر البراقة والعادات الدخيلـة على بعـض شرائح المجتمـع، ومما أفرزته هذه المظاهر، أنها مزقت أواصر الأسر لما كان يحصل بينهم من خصام وشقاق وعداء، مما أدى ذلك إلى انقطاع صلة القربى والرحم، وكذلك المتغيرات العصرية من قنوات فضائية والجلوس أمام الشاشات التلفزيونية والسهر طوال الليل، كما غيرت مجرى الحياة الاجتماعية فيما بين الأسر، وتعد هذه المتغيرات ضريبة التطور والمدنية في شتى مناحي الحياة الاجتماعية، لهذا الواقع الذي نلمسه ونعايشه حالياً بكل مقاييس الحضارة من سلبياتها وإيجابياتها .
26- ماذا تحملون من طرائف جميلة في دواخلكم ؟
– الطرائف والمواقف الجميلة التي لا تنسى من ذاكرة الانسان كان لوالدي -رحمه الله- تعالى بقالة وخضرة وفاكهة بسوق الخميس وفي حوالي الساعة العاشرة صباحاً من شهر رمضان، أعلن في وسائل الإعلام أن اليوم هو عيد الفطر المبارك في عام 1386هـ .
27- لمن تقولون لن ننساكم؟ ولمن تقولون ما كان العشم فيكم ؟
– كلمتي لأشخاص لن أنساكم لأستاذي الفاضل والمربي الكبير الأستاذ علي حسن العبادي مدير المدرسة العزيزية بالطائف الأسبق في تعليمي في مادة اللغة العربية ومتابعتي في ذلك التاريخ، وكلمتي ما كان العشم فيكم لأحد الزملاء والأصدقاء في متوسطة عكاظ بالطائف لموقف إنساني “رحمه الله تعالى”.
28- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. لمن تقولون سامحونا؟ ولمن تقولون سامحناكم ؟
– الجيرة والجوار “ولو جار” أسأل الله الكريم أن يعفوا عنكم، والمسامح كريم في هذا الشهر الفضيل.
29- أستاذ عيسى لكم تجربة ثرية في الكتابة عن تأريخ الطائف نود أن نطلع على خلاصة التجربة .
– بفضل من الله سبحانه وتعالى بدايتي من الكتابة سنة 1388 هـ، في مقالات اجتماعية، ومن هذا المنطلق في خبرتي الكتابية والتأليف لتاريخ مدينة الطائف من بداية عام 1422هـ إلى الآن، وأول كتاب هو “الطائف القديم داخل السور في القرن الرابع عشر الهجري” وبفضل من الله تم إصدار عدة كتب عن تاريخ الطائف، وهذه الاصدارات تحكي عن تاريخ الطائف من العصر الجاهلي حتى الدولة السعودية من اصطياف واستثمار وسياحة، وأول من كتب عن اصطياف ملوك الدولة السعودية من عهد المؤسس الملك عبد العزيز إلى عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمهم الله جميعاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ” الطبعة الثانية إن شاء الله ” سوف يصدر قريباً.
30- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن الطائف الممتع.
– كلمتي في نهاية هذه المعلومات الصحفية بجريدة مكة الالكترونية، أتقدم بالشكر الجزيل إلى أخي الصحفي الإعلامي الأستاذ عبد الرحمن عبدالقادر الأحمدي على تشريفي واستضافتي, أسال الله للجميع التوفيق والسداد وأهنئ مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع بحلول شهر رمضان المبارك وإلى الأمة العربية والإسلامية وإلى الشعب العربي السعودي، وكل عام وأنتم بخير.