المقالات

الرؤية!!.. قراءة في كتاب.. ونقد ما بعدي!!

فاتحة:
… وشرفت ذات مساءٍ طايفي بلقاء ماتع في رحاب نادي الطائف الأدبي حيث تدشين كتاب: الرؤية وما أدراك… للكاتب الأديب بندر بن عبدالرحمن بن معمر!!
وليلتئذ سعدت بحديث المؤلف عن كتابه وتعقيبات الحاضرين ومداخلاتهم.

ولما عدت لـ (جُدَّتِي) سهرت الليالي لقراءة هذه المدونة التاريخية والمجتمعية والإعلامية، والإفادة مما جاء فيها من طروحات ومباحث ومعلومات وكنت قد تابعت كثيراً منها عندما نشرت في صحيفة الشرق، وبين حياتين للكلمة المنشورة في صحيفة سيارة، والمنشورة في كتاب مرجعي يجمع المتفرقات ويؤاخي بين المتناقضات ويؤلف كياناً معرفياً جديداً يستمد طاقته من روح المؤلف وغاياته المعرفية والكتابية، تأتي هذه المقاربة (العارفية).

# # #

(2) من أسهل المواقف وأعقدها – في الآن نفسه – أن يعود الكاتب أو الباحث إلى منجزاته السابقة ثم يجمعها في إضبارة/ مسودة يدفع بها للطبع والنشر!! فإن استسهل الدور والعمل جاء كتابه خداجاً، وعبئاً على القارئ والمكتبة التي تحتضنه، وإن أراد الأخرى فعليه بآليات إجرائية وتأليفية معقدة ولكنها في النهاية جهود مباركة يعتز بها القارئ وتفخر باحتضانها المكتبات!! أقول هذا لكل من يريد أن يحول مقالاته، ودراساته السابقة والمتنافرة (مكاناً) والمتباعدة (زماناً) من فضاءاتها القَبْلِيَّة إلى مدونة جديدة، لأن العملية التأليفية – آنئذ – تحتاج إلى دربة في الاختيار والتنسيق والتبويب وفن الإثبات والاستغناء، حتى يخرج المنتج الجديد جديداً في محتوياته وتصنيفاته وتبويبه، وقديماً في مواده وموضوعاته وكتابته الأولية – إلا ما احتاج منها إلى تطوير أو تغيير أو إضافة -.
وأعتقد أن صاحبنا الذي نتداخل مع كتابه هنا في هذه المقاربة قد وعى المسألة فتشكل كتابه من هذه الأبعاد والآليات التأليفية، فجاء في فصول أربعة بعناوين مختارة بعناية وأسلوبية مائزة وفيها تتوزع المقالات تاريخية أو سياسية أو إعلامية أو اجتماعية وبذلك يقدم لنا المؤلف مادة علمية/ معرفية فيها المعلومة وفيها الفكرة، وفيها الفائدة المنتظرة.
ولعل ذلك يشفع لي أن أسجل هنا بعض الجماليات الخارجية قبل الدخول إلى

2
صلب المقالات وأفكارها (الإبستمولوجية) ومنها:
أولاً: العتبات العنوانية ذات الأساليب الإبداعية والإعلامية الجاذبة للقارئ، والدالة على ما تحتها من أفكار وطروحات مثل: الطفرة وما تلاها وهنا يبدو التناص
الأسلوبي في النص القرآني (والقمر إذا تلاها ) في سورة الشمس. ومثل: مكامن القوة وأساليب المواجهة، ومن جيل التأسيس إلى جيل الرؤية، حيث نجد هذه اللعبة الأسلوبية حول الثنائيات اللغوية.
ثانياً: المداخل التعريفية لكل فصل من الفصول الأربعة ففيها إلماحات مختصرة وتمهيدات معبرة وإشارات إلى ما في المقالات المندرجة تحت كل فصل منها. فمثلاً في الفصل الأول ص29 عبارة افتتاحية للكاتب والمؤلف البريطاني روبرت ليسي، وهي شهاة صادقة لبلادنا السعودية وأهميتها عند العالمين. وكذلك كلمة الإعلامي السعودي عبدالرحمن الشبيلي(رحمه الله) عن الملك عبدالعزيز والدولة السعودية ص99، التي اختارها مدخلاً تعريفياً للفصل الثاني، وكلمة جون كيندي المختارة للفصل الثالث، وكلمة الملك سلمان عند تدشين الرؤية قبل الفصل الرابع!! وفي كل تلك المقتبسات الافتتاحية تبدو الذائقة الإبداعية، والروح المعرفية لدى المؤلف الكريم والاختيارات الواعية المنتقاة بوعي والكاشفة لما بين السطور.
ثالثاً: وأخيراً أسلوب الكتابة وأدبيتها، وبساطتها اللغوية وسهولة التناول والمعلومات المؤكدة والتجليات الشعرية التي يستشهد بها وتعطي أبعاداً أدبية للمادة
التاريخية أو الاقتصادية والإعلامية.. وفي كل ذلك دلالة على الروح الأدبية التي تسيطر على المؤلف فهو ابن بيئة أدبية يمثلها والده الأديب الكبير عبدالرحمن بن
معمر حفظه الله.

# # #

(3) وإذا وصلنا إلى كنه المقالات التي تربو على مائة مقال عدا المداخل التأسيسية أو التأطيرية لكل فصل من الفصول الأربعة وعدا الخاتمة والمقدمة، لوجدنا أنفسنا أمام كم كبير من المعلومات والقضايا والموضوعات المتقاطعة والمتوازية، ولعلِّي أجملها في أربعة قضايا رئيسة وهي: الطفرة، الصحوة، الإعلام والرؤية!! وتتجمع في وعاء موضوعاتي واحد وهو الوطن السعودي حيث سياقات الزمن وتحولاته من الطفرة إلى الرؤية، كما جاء في العنوان الفرعي للكتاب.
فأما الطفرة فهي اختزال لكثير من القضايا الاقتصادية التي مرت بها المملكة العربية السعودية وكانت لها إيجابياتها وسلبياتها. وأما الصحوة فهي أحد المظاهر
الاجتماعية المؤثرة في نسيجنا المجتمعي وأحد الرهانات التغييرية. وأما الإعلام فهو الشاهد والشهيد على تلك السياقات والتحولات وله.. وعليه الكثير من التساؤلات والإجابات. وأما الرؤية فهي المستقبل والاستشراف المنتظر والبعد التنموي القادم.

3

وهنا يمكن توجيه عناية القارئ الكريم إلى ضرورة القراءة الواعية لكل مقالات الكتاب بعين بصيرة وناقدة وليست قراءة سطحية مستعجلة فقد قرأتها في تشكلاتها الأولية صحافياً، وعدت لقراءتها في هذا الكتاب فرأيت أنها مقالات دسمة لا تخلو من البعد التاريخي، والبعد الاقتصادي والبعد السياسي والاجتماعي والإعلامي الذي يتشكل من سياقات الزمن السعودي في مراحله المختلفة.
وربما لو اكتفى القارئ بالمقدمة، والخاتمة ومداخل كل فصل من الفصول الأربعة لخرج بفوائد جمة وكبيرة!! وكنت أتمنى لو أفضل المؤلف وجعل للقراء
ملخصاً ختامياً لكل فصل يجمل فيه ما جاء في المقالات من رؤىً وطروحات، ويستجمع فيه جملة من القضايا الوطنية التي تداخلت ضمن هذه المقالات.

# # #

(4) ولن نختم هذه المقاربة دون الإشارة إلى الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في الجزء الأخير من الكتاب، حيث الكشافات الموضوعية التي بلغت (تسع) كشافات لكل ما جاء في الكتاب من معارف وأماكن ومؤسسات وأنظمة ومذاهب وتيارات وحركات سياسية واستراتيجيات ومعارك وجيوش وشواهد شعرية ورموز وطنية وشخصيات وغيرها.
و(التكشيف) مصطلح معلوماتي اهتمت به علوم المكتبات وأطّرت له ونظمته بشكل ممنهج، فهو دليل وموجه للقارئ للوصول إلى المعلومة والمفاهيم
والموضوعات بيسر وسهولة .
وفي حالة كتابنا هذا الذي تجاوزت صفحاته الأربعمائة صفحة، فقد استشعر المؤلف كثافة المعلومات وحجم الكتاب وتعدد الموضوعات فسهَّل على القارئ/
الباحث مسألة الوصول إلى ذلك كله بأقصر الطرق وأيسرها فمثلاً الاتفاقية النووية مع إيران نجدها في الصفحات 338، 352، 365، 426. وهكذا مع باقي
الموضوعات!!

# # #

وختاماً:
فلقد عشت أياماً وليالي مع هذا المنجز المعرفي/ التاريخي/ الماضوي/ المستقبلي الذي يصعب تصنيفه على حقل واحد من الحقول المعرفية، ولكنه نقلني إلى آفاق تأملاتية في مسيرة بلادنا السعودية منذ أوائل التكوين وحتى مسار التجديد في لغة صحافية ميسورة، ومعلومات رقمية مقنعة، وشواهد شعرية أدبية وكلها تقول لنا.. ولغيرنا.. هلموا واقرأوا كتابيه!!

والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com