الحرمين الشريفين

الدكتور عبدالباري الثبيتي في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي: مضت سنة الله أن يبقى ما بقى بنو آدم وعدوهم إبليس حتى يرث الله الأرض ومن عليها

خطبة الجمعة

خطب وأم المصلين في المسجد النبوي اليوم الجمعة 1444/05/08 الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.

وبدأ خطبته قائلاً: في القرآن الكريم قصص تحمل العبر والعظات والدروس، وقد قص الله علينا قصة الخلق الأول آدم عليه السلام وزوجه حواء، تلك القصة التي تجسد فيها الصراع مع الشيطان، هذا الصراع الذي تنامى ومضت سنة الله أن يبقى ما بقى بنو آدم وعدوهم إبليس حتى يرث
الله الأرض ومن عليها، تكرر ذكر هذه القصة في مواضع عدة من القرآن لما اشتملت عليه
من مقاصد جليلة وعظات بليغة. قال تعالى: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). أمر الله عز وجل آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجه الجنة لكرامته ورفعة مقامه ومنزلته، ومن كان مستجيباً لأوامر الله غدا كريماً على الله،
وامتلأ قلبه سكينة، واطمأنت نفسه، وطاب عيشه وحاله، ومن كان بعيدا عن الله معرضاً عنه تعالى فإنه يعيش معيشة ضنكا.

(فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا) أباح الله لخلقه الطيبات ووسع عليهم في المأكل والمشرب فاتسعت
دائرة الحلال وضاقت دائرة الحرام ومع ذلك تغلب النفس الأمارة بالسوء صاحبها، فيستشرف للممنوع ويتخط حدود المباح فيحوم حول الحمى، ويعظم كيد الشيطان ووسوسته فيرتكب المنهي عنه.ولذا لما قال الله لهما: (ولا تقربا هذه الشجرة) نهى عن قربانها سداً لذريعة الأكل منها، الذي هو مقصود النهي، ولم يزل الشيطان بآدم يدلي بغرور، يوسوس بمكر، ويقسم بغدر،حتى ذاقا الشجرة.

ومن هنا جاءت دعوة الحق إلى سلوك المنهج الوقائي بالتحذير من القرب من حمى الحرام، صيانة للنفس، وتحصيناً للأخلاق، وحماية للمجتمع وتربية للوقوف على حدود الله، وما وقع من وقع في الشرك إلا بالاقترب من وسائله التي نهي عنها، وما وقع من وقع في البدعة إلا بتساهله في الجلوس إلى أهل البدع ومطالعة كتبهم والركون إليهم، وما استمرأ أحد الكبائر إلا بوقوعه في الصغائر وإصراره عليها، وما التقنية الحديثة إلا وسيلة يتوصل بها إلى المقصود شريفاً كان أم وضيعاً، فيوشك من يحوم حول الحمى ويخلو بها ويقارفها أن تذهب بصلاته وأخلاقه ووقته، وتتبدل الطاعة بالمعصية، والأنس بالله بوحشة القلب.

وأكمل فضيلته: وليس في المحرمات والمحظورات تقييد للحريات، بل ابتلاء واستخراج لحقيقة العبودية التي تقتضي مراغمة العدو المتربص، ومراقبة الله في الخلوات والجلوات، وعلمتنا الآيات أن من اقترب مما نهى الله عنه فضلاً عن ارتكاب المقصود بالنهي؛ فهو ظالم لنفسه، وقد يظلم المرء نفسه بالوقوع في الشبهات المفضية للمحرمات
في المطعم والمشرب والملبس وفي حقوق الوالدين والأرحام وفي الأموال والمعاملات وما يشوبها من ربا وغش واختلاس ونحوه.(فوسوس لهما الشيطان) هذا الوسواس الخناس يقعد لابن ادم كل مرصد، ولن يقلع عن
طبعه الذي جبل عليه من عداوة البشر، يزين الباطل، يهون المعصية، يجمل الاسترسال في
العلاقات المحرمة بين الجنسين، يحقر في أعين الخلق ما هو عظيم عند الله، ويشكك في الثوابت والعقيدة، يحرش بين المسلمين، يتلمس نقاط الضعف ولا يألو جهداً لاتخاذ وسائل الإغواء كل بحسبه، وغايته من ذلك (لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا) فالمعصية تنتهك ستر ما بين الله وعبده، واذا ذهب الستر انكشفت السوأة، وهذه الخطوة الأولى التي تسهل لما بعدها من النظر المحرم ثم الفاحشة ثم الفوضى الأخلاقية.

وأضاف فضيلته: وقد بلغ الشيطان مبلغه حين زرع في ذهن أقوام أن كشف العورات وخاصة من النساء
تحضر وتقدمية، وما عدا ذلك تخلف ورجعية !! قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ)

وقال : ترتب على المخالفة بالأكل من الشجرة هذه (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ).، فنتيجة المخالفة وقوع المرء في الخزي بعد الرفعة، وفي الذل بعد العزة، وفي الوحشة بعد الأنس.

وبيّن د.الثبيتي: إن وقع ابن آدم في الذنب ثم تاب، تاب الله عليه وقبل منه، فالله الرؤوف الرحيم، والغفور الودود؛ يفتح الباب لمن تسبب في إغلاقه على نفسه؛ فرحمته وسعت كل شيء.

وقال : هذا هو الدرس المستفاد من حال الأبوين عندما اعترفا بالذنب، نتعلم منهما المبادرة إلى التوبة، والاعتراف بالخطأ، والندم والتذلل بين يدي الخالق سبحانه، والله يتوب على من تاب، ومن رسخ في الدين قدمه كثر على يسير الزلل ندمه.

واختتم الشيخ الثبيتي الخطبة بقوله: ما أحلاها من كلمات تلقاها آدم من ربه، علمه الله كيف يتوب ليتوب عليه قال تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com