المقالات

الحراك الثقافي في العهد السلماني

تعيش المملكة عصرها الثقافي الذهبي في وقتنا هذا، تمامًا مثلما كان الحال في مصر وفرنسا في عقد الستينيات، وحيث تميَّزت في رقيها الثقافي الذي تعددت أوجهه ومظاهره؛ ليصبح حقيقة عبرت عن نفسها في كثير من المظاهر.
ولا شك أن رؤية 2030 فتحت آفاقًا جديدة ومهدت الطريق أمام التفكير الجاد والخلاق في النهوض ببلادنا في كافة المجالات؛ لذا فلم يكن مستغربًا أن تشهد السنوات الأخيرة الماضية طفرة غير مسبوقة في الحراك الثقافي والفني السعودي الذي يتوافق مع استراتيجية الرؤية التي ستجعل من الثقافة والفنون أسلوب حياة ورافدًا مهمًا في الاقتصاد الوطني، وتوفير منتج ثقافي وفني مميز يساعد في رفع مستوى جودة الحياة؛ حيث تنص رؤية المملكة 2030 على أن الثقافة من مقومات جودة الحياة، ومن الملاحظ أن الثقافة حاضرة بقوة في رؤية المملكة 2030، فبعد أيام قليلة فقط من إطلاقها أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حزمة من الأوامر الملكية، منها إنشاء هيئة عامة للثقافة، كخطوة جديدة نحو آفاق أشمل لحراك ثقافي يواكب الرؤية الوطنية، وهو ما يؤكد أن العمل الثقافي، يحظى باهتمام كبير من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولى عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، ولعل من أبرز ملامح التطور الثقافي في السعودية، صدور الموافقة الملكية بإنشاء الأكاديمية الملكية للفنون والتي تضم المسرح الوطني، وذلك كجزء من الاستراتيجية السعودية للتحول الوطني، كما تشرف الدولة على برنامج وطني شامل لإعادة استكشاف التراث الوطني وترميمه وتطويره، وجعله جزءًا من حياة المواطن والاقتصاد الوطني المحلى، وما يؤكد ذلك أن الدولة استثمرت مبالغ طائلة في تطوير المواقع الأثرية والتراثية، وهى مستمرة في ذلك بشكل أكبر في المستقبل، خصوصًا مع تأكيد الدولة المحافظة على الموارد التراثية وتنميتها باعتبارها جزءًا أساسيًا مكونًا للتنمية المستدامة. كما يبدي خادم الحرمين الشريفين أيضًا، اهتمامًا كبيرًا منذ أن كان أميرًا لمنطقة الرياض، بالثقافة والمحافظة على التـراث من خلال رئاسته للعديد من المؤسسات والهيئات الثقافية والتراثية وأيضًا تبنيه للعديد من الجوائز والكراسي الثقافية والتراثية التي تحمل اسمه في هذا المجال، فضلًا عن اهتمامه برعاية الفعاليات الثقافية، وبتطوير علاقات المملكة الثقافية مع العالم، وقد بدأت الانطلاقة الحقيقية للحراك الثقافي السعودي الجديد في الثاني من يونيو عام 2018 بميلاد وزارة الثقافة بأمر ملكي ليترأسها صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان كأول وزير لها؛ بحيث تعنى بالمشهد الثقافي على الصعيدين المحلي والدولي، وتحرص على الحفاظ على التراث التاريخي للمملكة مع السعي لبناء مستقبل ثقافي غنيّ تزدهر فيه مختلف أنواع الثقافة والفنون، وبعد عشرة أشهر من التأسيس أطلقت وزارة الثقافة الاستراتيجية الخاصة بها، وحددت ضمن رؤيتها وتوجهاتها 16 قطاعًا فرعيًا تتركز عليها جهودها وأنشطتها، وهي: التراث، المتاحف، المواقع الثقافية والأثرية، المسرح والفنون الأدائية، المهرجانات والفعاليات الثقافية، الكتب والنشر، فنون العمارة والتصميم، التراث الطبيعي، الأفلام، الأزياء، اللغة والترجمة، فنون الطهي، الأدب، المكتبات، الفنون البصرية، الموسيقى. ومن خلال حزمة أولى مكونة من 27 مبادرة، عكست وزارة الثقافة دورها وشكل حضورها، وترجمت استراتيجيتها عبر خطوات عملية وخطة شمولية تمثلت في: مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، صندوق “نمو” الثقافي، مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، برنامج الابتعاث الثقافي، بينالي الدرعية، الفرقة الوطنية للمسرح، الفرقة الوطنية للموسيقى، مركز موحد للخدمات والتراخيص الثقافية، بيوت الثقافة، أكاديميات الفنون، مبادرة الكتاب للجميع، الجوائز الثقافية، مجلات الآداب والفنون، المتاحف المختصة، الأرشيف الوطني للأفلام، برنامج التفرغ الثقافي، برنامج ترجم، المهرجانات الثقافية، برنامج ثقافة الطفل، توثيق التراث الشفهي وغير المادي، معرض الفن المعاصر السنوي، تطوير المكتبات العامة، أسابيع الأزياء، مهرجان الطهي الوطني، الفن في الأماكن العامة، إقامة الفنان، مدينة الثقافة السعودية، إلى جانب رعاية المهرجان الوطني للتراث والثقافة “الجنادرية”، وتمثلت أحدث الفعاليات التي عبرت عن الحراك الثقافي السعودي النشط من خلال معرض الكتاب الدولي الذي أقيم هذا العام في كلٍّ من المدينة المنورة والجبيل والرياض وجدة، والذي يعتبر ملتقى ثقافي واجتماعي يعبَّر أصدق تعبير عن هذا الحراك المفعم بالحيوية والنشاط الثقافي، والأمل معقود في تسيير قوافل لمعارض الكتب المتنقلة عبر المناطق والمحافظات في سيارات تجوب الأحياء وتقف عند المتنزهات، وإنشاء مكتبة عامة في كل حي لتعزيز الثقافة لدى النشء والكبار، وإقامة معرض مصغر دائم للكتب في المدن، لتشجيع القراءة، حيث ما زال الكتاب المورد الأساس للثقافة والمعلوماتية، وقد أثبتت هذا الحراك الثقافي المتميز نمو الوعي الثقافي المتزايد لدى قطاعات الشعب السعودي، وما يشكله الكتاب من أهمية قصوى في حياته الثقافية، كما أن إنشاء دار أوبرا وفرقة أوركسترا وطنية سعودية في جدة بمساعدة فرنسا ضمن هذا الحراك يعتبر خطوة مهمة على طريق ترسيخ النهضة السعودية الثقافية في هذا العهد السعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى