اقتصادالمجتمعالمحلية

” الريثي ” زارع البن .. قصة إرث تحول إلى شغف

 

جيزان – في الوقت الذي تشهد فيه مهنة الزراعة عزوفاً من قبل الشباب ، كونها من المهن الشاقة وتحتاج إلى الكثير من الصبر والمثابرة ، والكلفة الباهظة ، وكونها ذات مردود اقتصادي طويل الأمد، إلا أن المحفزات والدعم اللذين وجدهما شباب القطاع الجبلي بمنطقة جازان استنهضت الهمم وشجعت على إحياء مزارعهم التي توارثوها عن الأجداد.

هكذا بدأ الشاب فيصل الريثي يحكي قصة شغفه بالزراعة لوكالة الأنباء السعودية التي رافقته عدستها داخل مزرعته العضوية المجاورة لوادي “لجب” الشهير بجبال “القهر” في محافظة الريث ، وذلك في ختام جني محصوله من “البن الخولاني” الذي تشتهر بزراعته محافظات القطاع الجبلي ويحظى بسمعة جيدة لجودته الفاخرة ومذاقه الفريد وازدياد الطلب عليه من داخل المملكة وخارجها.
وبالملابس التقليدية لسكان القطاع الجبلي وعصابة الرأس المصنوعة من النباتات العطرية التي يشتهر بها أهالي تلك المناطق ، استقبل فيصل فريق ” واس ” بحماسة وترحيب حار ليبوح ببعض أسرار هذا المنتج العالمي ، من مرحلة القطاف إلى مراحل تجفيفه وتغليفه وتحميصه وطحنه وتقديمه للمستهلك في فنجان القهوة ذي المذاق الرفيع والذي لا يوجد له مثيلاً بين أنواع البن في العالم .
واستهل فيصل حديثه بقوله : في البداية ” تحتاج التربة الجيرية في الجبال وقبل زراعة شتلات البن إلى ثلاث سنوات من زراعة القمح ومحاصيل أخرى من أجل تخصيبها وتعديل درجة حموضتها لتكون جاهزة وملائمة لشتلات البن، وأكثر من ثلاث سنوات أخرى لتصير شجرة مثمرة”.

وأشار إلى أن تقييم جودة البن يبدأ من إنتاج السنة الثالثة ، حيث تتأثر ثمار البن بعوامل ومؤثرات عديدة في بيئتها المحيطة لا سيما مياه الأمطار ونسب حموضة وملوحة التربة، وكلها أشياء لا يدركها المزارع بالبديهة بل أن تفاصيلها تجيئ ضمن ما يتوارثونه جيلاً بعد جيل، بدءاً من العناية بالشجرة إلى جني الثمار وطريقة القطاف، فكلما كان احمرار الثمر داكناً كلما كانت نسبة السكريات به عالية وكان وزنه أفضل، مروراً بمرحلة التشريق الجزئي -التختيم- لعدة أيام لإغلاق مسام حبيبات البن وحمايتها من العفن ، ومرحلة التجفيف الكامل في الظلال وتقليبها من 10 أيام إلى 20 يوماً وإلى مدة قد تصل لـ 27 يوماً لتصبح جاهزة للبيع، لافتاً إلى أن ذلك كله يخضع لتقدير المزارع ، وكلها تفاصيل عميقة تحدث فرقاً في مذاق مشروب القهوة .
وعرّج الريثي على عادات وتقاليد أهالي القطاع الجبلي في شرب القهوة، والتي يجهلها الكثير ، مبيناً أن حمصة الصباح لحبوب البن تختلف درجتها عن حمصة المساء والتي عادة ما تكون شديدة التحميص لتخفيف نسبة الكافيين ، وشراب القشرة -قشرة البن- بمنطقة جازان عموماً بعكس الكثير من البلدان التي تزرع البن حيث يتم التخلص منها، معللاً ذلك بأن الألياف والسكريات تكون مركز في القشرة الخارجية ما يجعلها مفضلة لدى الكثير في المنطقة، إضافة لفوائدها الطبية، وكذلك شرب ما يسمى في المنطقة بـ”المردومه” وهي مزيج من القشرة وبذرة البن وبعض التوابل الحلوة التي تضفي مذاقاً لذيذاً ورائحة منعشة على المشروب.
وخلص فيصل إلى الإشادة بما تقدمه حكومتنا الرشيدة ممثلة في إمارة منطقة جازان، ووزارة البيئة والزراعة والمياه ، وهيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان ، وشركة أرامكو السعودية ، من دعم كبير لمزارعي البن في المنطقة ، تمخض عنه تأسيس أول جمعية تعاونية زراعية بالمملكة تهتم بمزارعي البن وتطوير الممارسات الزراعية ورفع جودة المنتج وكفاءة التسويق، معتبراً في هذا الصدد مهرجان البن الخولاني السعودي الذي ستنطلق نسخته العاشرة في الأيام القليلة القادمة ، هدية غالية لمزارعي البن بالمنطقة ومنصة تسويقية رائدة لدعم وتشجيع المزارعين على توسيع رقعة الزراعة ورفع نسبة إنتاج هذا المحصول الاقتصادي المهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى