المحليةحوارات خاصة

الدكتور عبدالرحمن العرابي في حوار لـ”مكة” الإلكترونية: وسائل التواصل تحولت لسوق وفوضى.. والنماذج المشوهة ستندثر مع الزمن

(مكة) – حوار- عبدالرحمن الأحمدي

أيام عظيمة هلت علينا بقدوم شهر رمضان المبارك، والذي دائما ما تكون أجوائه مختلفة عن باقي أيام العام، ولذلك حرصت “مكة الإلكترونية” على أن يكون محتواها مختلفا، حيث نلتقي على مدار الأيام المباركة مع عدد من الشخصيات العامة والرموز داخل المملكة على مستوى كافة المجالات، لمعرفة نشاطهم في الفترة الحالية، وأبرز الطقوس التي يحرصون عليها خلال أيام وليالي رمضان.
في اليوم الثاني من الشهر المبارك سيكون اللقاء مع الدكتور عبد الرحمن سعد العرابي الإعلامي والأكاديمي، لمعرفة طقوسه وخواطره خلال رمضان، والاطمئنان على أحواله في الفترة الأخيرة، فكان الحوار التالي:

لمن يسأل عنكم، أين تتواجدون في رحاب هذه الدنيا؟ وكيف تقضون أوقاتكم؟
-من فضل الله وكرمه على خَلقِه أن منحهم ميزة التفكير والاختيار، وأنا بحمد الله متواجد في مجتمعه وبين أفراده، أُمارس حياتي الطبيعية كما كتبها الله، في حياتي المهنية أمارس عملي كأستاذ للتاريخ والعلاقات الدولية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز، كما أنني مستشار في مركز تاريخ البحر الأحمر وغرب المملكة العربية السعودية في جدة التابع لدارة الملك عبد العزيز، وعضو الهيئة الاستشارية لمركز برؤوة للدراسات التاريخية في بورتسودان بجمهورية السودان، وفيما يتعلق بحياتي الاجتماعية أتواصل مع أصدقاء ومنتديات عدة أستفيد منها معرفةً وتقارباً مع ذوي عِلم وفكر، ولدي أسرتي وعائلتي أتواجد معهم وهم معي.

ما الذي يشغل اهتمامكم في الوقت الحاضر؟
-اهتماماتي متعددة ومتنوعة، منها العملي ومنها الاجتماعي ومنها الفكري، فمن الناحية العملية تركيزي منصب حول محاضراتي في الجامعة وإشرافي على طلاب وطالبات الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراة، إضافةً إلى أبحاثي وتقييمي لأبحاث علمية؛ للنشر في مجلات علمية ودوريات مُحكَمة وتحكيم كُتب تُرسل إليً من مؤسسات أكاديمية وبحثية من داخل المملكة وخارجها، وليً بحمد الله حتى اللحظة أربعة كُتب منشورة، وآخر في طور النشر، وكلها كتب في تخصصي العلمي، وهو التاريخ والعلاقات الدولية، أمًا اهتماماتي الفكرية فأنا أستمتع بالقراءة سواءً في مجال التاريخ والرحلات أو الروايات المحلية والعالمية والتي تستهويني كثيراً، وبالنسبة لاهتماماتي الاجتماعية فتتركز حول توثيق علاقاتي بالأهل والأسرة والأصدقاء.

الحكمة خير من الله يؤتها من يشاء.. كيف تُعرفون الحكمة من وجهة نظركم؟
-يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم لِماَ وهب نبيه داوود عليه السلام: “وشددنا ملكهُ وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب”، قال المفسرون عن ذلك بأن المقصود بالحكمة هنا النبوة، وآخرون قالوا إنها عِلمُ السنين أي التاريخ، وفريق ثالث ذهبوا إلى أنها السنة، وفي موضع آخر من القرآن يقول الحق سبحانه وتعالى: “يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً”، وفسرها البعض بأنها الإصابة في القول والفعل، وآخرون قالوا إنها المعرفة بالقرآن، وفريق ثالث يرى أنها الفِهمَ، وهذه كلها بالفعل تؤدي إلى هبة للإنسان متى منحه الله إياها فقد أصابه خير كثير، وعسى أن أكون ممن أفاض الله عليه بها وأكرمه بأن يكون من أهل الفهم والمعرفة والتفكر.

الفارق بين حكمة الشيوخ وهمة الشباب.. هل ترى ثمة اتفاق أم فجوة اختلاف؟
-سؤال كهذا يشغلُ المجتمعات منذ الأزل، كما يشغلُ علماء النفس والاجتماع وكل من له اهتمام بتطور المجتمعات، ويندرج ضمن ما يُسمى “صراع الأجيال”، وإن كنتُ أعده طبيعياً ضمن الحراك الثقافي للتكوين البشري، فالشيوخ وبعد طول عمر قضوه في مكابدة الحياة تكونت لديهم خبرات وتجارب نَمت فيهم معرفةً وكونت لديهم دراية بكثير من الحلول، لتخطي مصاعب ومشكلات تعترض سبيل المجتمع أفراداً وجماعات ومؤسسات، أمًا الشباب فطراوة أعمارهم وتكوينهم الفيسيولوجي البدني بقدر ما يزودهم بحيوية الحركة يُحفزًهم للاندفاع وربما العنف عند مواجهة معوقات أو مشكلات حياتية تعترض سبيلهم، والمجتمع البشري الطبيعي كما أرى يحتاج الى الإثنين، الحكمة أي الخبرة، والهمة أي الحيوية، لتطوره ونمائه بيسر وطبيعية تُحقق لأفراده ومؤسساته طموحاتهم وتطلعاتهم.

هل الإنسان في هذا العالم ضل الطريق للحكمة أو ينقصه قدر منها؟
-الإنسان بطبعه وكما خلقه الله يميل إلى البحث والتقصي، فمن يتتبع الحياة البشرية منذ نشأتها يُدرك أن كل المخترعات والتطورات التي شهدها العالم إنما هي نتيجة تجارب لما واجهه الإنسان ولمتطلباته واحتياجاته، ولهذا أحسب بيقين أن الحكمة لا تنقطع عن المجتمع السوي، وأنها باقية ما أراد الله للحياة أن تستمر، ولا أظن أنها سوف تنقص الإنسان الباحث والمتحرك، فحراكه وبحثه عن أجوبة وحلول لما تمر به حياته يتطلب الفكر والعقل اللذان هما مداخل للحكمة النهائية.

في حياتنا مراحل إنسانية مختلفة من الضعف إلى القوة.. ماذا تتذكرون من وقائع في ثنايا المراحل؟
-مراحل عمري تنوعت وتبدلت وتغيرت مع تغير الأزمنة والأمكنة، فولادتي كانت في حارة السليمانية أحد أشهر ثلاث حارات في مدينة الطائف، وبها كانت طفولتي، وفي حي الشهداء كانت مرحلة الشباب، ودراستي تنوعت بين المدرسة السعودية في المرحلة الابتدائية ومدرسة دار التوحيد في مرحلتي المتوسط والثانوي، وكانت الطائف حينها مصيف المملكة الأوحد، وإليها تنتقل الحكومة في فصل الصيف وتزهو بها اللقاءات والمنتديات الاجتماعية والرياضية والفنية، ولهذا تشكل لديً مخزون حياتي ضخم أفادني في مراحل عمري التالية، وإن كانت وفاة والدي _رحمه الله_ وأنا في نهاية مرحلة الابتدائي أخذت مني رعاية الأبوة وتوجيهها وإرشاداتها، لكن الله عوضني بأم منحتني وأخوتي من عمرها وجهدها ما لم يُشعرنا بغربة، وكانت لمشاركاتي الرياضية والكشفية في المدارس والرياضة في نادي عكاظ أدوارا في تزويدي بتجارب وخبرات صقلت معرفتي وشخصيتي بالكثير من الفهم والإدراك، ثم مثلت مرحلة انتقالي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة دراساتي العليا لمرحلتي الماجستير والدكتوراة انتقالة هائلة في تكويني المعرفي والنفسي والشخصي واطلاعي على ثقافة شعب وأمة مختلفةً عنًا تماما، وعند عودتي للمملكة وعملي في الجامعة ثم في جريدة الندوة ومشاركاتي الإعلامية والثقافية مع إذاعة جدة وجريدة المدينة طور آخر من القوة أفادني كثيراً، كل تلك التجارب كانت مصادر قوة أفادتني في مسيرتي الحياتية، وأتذكرها باعتزاز أحمد الله على أن منحنيً إياها.

ما بين الربح والخسارة كيف تصف أصعب المشاعر وأجملها؟
-الحياة بشكل عام مراحل مختلفة ومتنوعة من مشاعر وأحاسيس تختلف معها استجابات البشر، فمن متفائل إلى متشائم إلى محبط إلى مقاتل وهكذا، وفي رؤيتي أصعب مراحل العمر تكمن في الفَقد للأحبة والأهل، وقد عايشت ذلك طفلاً لم يبلغ الثانية عشر بعد من عمره عندما توفى والدي في مدينة الطائف، وعندما توفت والدتي قبل عامين، وكذلك عندما توفي أخي الأكبر ورفيق العمر العميد محمد قبل ثمانية عشر عاماً، شعرت في كل تلك المواقف بأني فقدتُ جزءً من روحي، فقد كانت علاقتي بأبي وثيقة أذهب معه وهو مقاول ومعلم بناء إلى كل مكان يرتاده لأنه كان يسعى إلى تعليمي وبناء شخصيتي كرجل يعتمدُ على ذاته في كل شؤون حياته، أما أخي محمد فقد عايشنا معاً المُر والحلو، وكان بالفعل يمثل الأخ الأكبر الذي يود أن يرى أخيه الأصغر وعوده قد اشتد لمغالبة الحياة وتقلباتها، ووالدتي كانت الأب والأم والمرشد والموجه بعد وفاة أبي ولم تبخل عليً وعلى إخوتي ذكوراً وإناثاً بشيء من صحتها وعمرها.
ومواقف الربح بحمد الله في حياتي كثيرة، لكن من أجملها يوم تعييني معيداً في كلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز، ثم ابتعاثي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراساتي العليا، ويوم حصولي على درجة الدكتوراة من جامعة ولاية يوتا، كما أن ولادة أبنائي جومانة ومحمد وعفراء وغيداء، وزواج أبنائي جومانة ومحمد كانت لحظات فرح وربح في حياتي أحمد الله كثيراً عليها.

الحزن سمة إنسانية ثابتة.. ما هي أقسى لحظات الحزن التي مرت بكم؟
-بكل تأكيد مرت بيً لحظات حزن كثيرة، فمن منًا لا تمر به تلك اللحظات، ولكن من أقسى تلك اللحظات وفاة والدي ووالدتي وأخي محمد، كذلك حزنتً جداً عندما تدخلت قوى الإحباط لتوقف جريدة الندوة عن الصدور، مستغلين انشغالي بحالة أخي محمد الذي كان يرقد في غيبوبة نتيجة جلطة دماغية، وعندما تركتها وتم تغيير مسماها وتحويلها إلى جريدة بمسمىً ومؤسسةً أخرى، ليلغوا بذلك تاريخاً متجذراً لواحدة من صحفنا الوطنية الكبرى.

التوفيق والسداد هبة من الله تعالى.. ماهي أكثر المواقف التي مرت بك توفيقاً في مسيرتك؟
-نِعم الله سبحانه وتعالى على عباده لا تُعدُ ولا تُحصى، وأنا بفضل الله لا يمكن أن أُحصي ما تفضل به الله عليً منذ أن وعيتُ الحياة، فقد تقلبت في نِعمِ وخيرات من نجاحاتي الدراسية عبر مراحل امتدت لعشرين عاماً، وبين عملي في الجامعة كأستاذ للتاريخ والعلاقات الدولية، ورئاستي لتحرير جريدة الندوة، وكمدير عام لمؤسسة مكة للطباعة والإعلام، وعملي كمستشار لجريدة المدينة قرابة عقد من الزمان، إضافة إلى ما أقوم به الآن من أعمال، كما أن من هبات الله ليً أبنائي وأخوتي وأخواتي وحفيدي يوسف ومعارفي وأصدقائي الذين أعتز بهم، وكذلك كُتبي التي نشرتها وبعضها كمقررات لمواد في الجامعة، وأبحاثي التي ترقيت بها وحصلت من خلالها على درجة الأستاذية (بروفيسور).

كيف نصل إلى الحياة السعيدة من وجهة نظركم الشخصية؟
-أولاً السعادة كما أحسب تختلف من شخص لأخر في حجمها وتأثيراتها وقيمتها وماهيتها، ولكني أؤمن بيقين بأن من أكرمه الله بالسكينة الروحية يرى السعادة في كل شيء حوله حتى في لحظات الألم لأن ذلك من مشيئة الله، وأنا بكرم الله وفضله أحسب نفسي من المتفائلين والمؤمنين، كما في توجيه النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام لعبد الله بن عباس وهو يردفه خلفه بقوله له: “يا بُنيً إنك لن تجد حلاوة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك”.

هل نستطيع أن نعتبر أن السعادة هي أسلوب حياة؟
-السعادة لها تفسيرات متنوعة بين البشر بحسب تجاربهم وخبراتهم، فمنهم من يراها في أبسط الأشياء مثل ضحكة طفل أو ابتسامة مريض أو حنو مُسنِ، ومنهم من يراها في تحقيق هدف أو مال أو منصب، ولكن رغم كل ذلك فالسعادة هي جزء من الحياة في تقلباتها، تمر بالفرد في لحظات تجعله متفائلاً وإن لم تطول في زمنها، ولهذا فهي بكل تأكيد ليست أسلوب حياة بقدر كونها جزءا من حالة نفسية تفرضها ظروف الحياة.

متى يصل الإنسان إلى محطات النجاح؟
-يتفاوت الوصول إلى محطات النجاح ما بين شخص وآخر، فالبعض قد يصلها بسرعة تثير الاستغراب، وآخر قد يستغرقه زمن طويل حتى يصل إليها، لكن المؤكد أن النجاح له شروطه ومتطلباته مثل الجد والمثابرة والاستمرارية والتخطيط، ومَنْ منحه الله ذلك سيصل إلى محطة نجاح تُحقق له أهدافه وما كان يطمح له.

متى تتوقف تطلعات الشخص في الحياة؟
-مع توقف الحياة ذاتها للفرد.

في الأغلب ننصف الإنسان بعد رحيله من دنيانا.. كيف يحصل الإنسان على قدره من الإنصاف قبل أن يرحل؟
-من المؤسف أن هذه حالة عربية خالصة كما أحسب، فعندنا لا نتذكر الإنجازات والنجاحات إلا بعد وفاة أصحابها، هذا إن تذكرناها، بينما مجتمعات بشرية أخرى تتواصل فيها مناسبات التكريم بمجرد تحقيق الإنجاز أو النجاح، مثل إصدار كتاب أو إنتاج فيلم سينمائي أو تحقيق هدف مجتمعي يخدم الوطن وأهله، ولهذا فكل مؤسساتنا الأكاديمية والثقافية والرياضية والمجتمعية رسمية وأهلية مُطالبة وبقوة بضرورة الاهتمام ضمن أجندتها السنوية بجدولة مناسبات التكريم للناجحين عند تحقق نجاحاتهم وليس بعد مماتهم.

من تستشير في مواقفك الحياتية المختلفة ولماذا؟ وما هي أهم استشارة حصلت ليها؟
-القرآن الكريم يحثُ الإنسان على الاستشارة من أهل الخبرة والتجربة، فكم من آياته وقَصَصِه عن الُرسل والأنبياء حث على الاستشارة، كما أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان دائماً ما يستشيره أصحابه حتى في أعقد اللحظات وأحرجها كما في غزوة بدر وغزوة الخندق، وطبيعي أن أستشير من أحسب أنه سيفيدني فيما أنا قادم عليه، وكانت والدتي قبل رحيلها ممن ألجأ إليهم عندما أود أن اُقدم على أمر هام، وكذلك كان أخي الأكبر محمد في حياته من مصادر الاستشارة في بعض القضايا، وأنا من طبعي رغم كوني كتوماً لحاجاتي كثيراً ما ألجأُ لمن أتوسم فيه الفائدة بتقديم معلومة أو رأي قد يكون طريقي لتحقيق ما أوده بغض النظر عن السن والنوع، بما فيهم طلبتي ولا أتحرج أبداً من ذلك، أما أهم استشارة مضت في حياتي فهي كثيرة، منها سفري لإكمال دراساتي العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها تولي منصب رئاسة تحرير جريدة الندوة، ومنها أيضا كُتُبي وأبحاثي وغيرها من الأمور.

هل تذكر بعض المواقف التي تغاضيت فيها عن بعض الأمور؟
-غض النظر في كثير من المواقف يكون إلزامياُ للراحة النفسية للفرد، وهو ما يحثُ عليه علماء التربية وعلم النفس تحت مُسمى “التغافل”، وبالنسبة ليً ومع تقدم العُمرِ أسعى دائماً إلى غض النظر والتغافل عن كثير من المواقف ليس تهيباً ولا خوفاً، بل من أجل أن أنعم بهدوء نفسي وراحة لا يجعلاني أعيش كدراً وألماً يُعكر علي حياتي، وما أذكره من مواقف كثيرة، لكن أصعبها ما واجهته من تصدي لما كنت أسعى لتحقيقه في جريدة الندوة ومن أشخاص كنتُ أعزهم، كذلك من المواقف التي تغافلت عنها ونسيتها طريقة خروجي من جريدة المدينة بعد استشارة بلغت 12 عاماً.

هل ندمت على السكوت يوماً؟ ومتى شعرت بالندم بسبب الكلام؟
-نعم ندمت كثيراً وفي كلتا الحالتين السكوت والكلام، فمحطات حياتي مليئة بالأحداث وبعضها كنت أحسبُ أن السكوت أفضل فاتضح لي بعد ذلك خطأي، كما أن مواقف أخرى كانت تتطلب الرأي أو الحديث ثم تبينُ أن كلامي لم يكن مناسباُ مما أوقعني في حرج اعتذرت عنه بكل وضوح.

في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أحاديث تختلف عن واقعنا.. إلى أي مدى تؤيد صحة هذه الجملة؟
-للأسف وسائل التواصل الاجتماعي بكل أشكالها وأنواعها تحولت لسوق ومسارح فوضوية لكل من هب ودب لبساطة وسهولة استخدامها، حيث لا رقيب ولا حسيب بخلاف وسائل الإعلام التقليدية، فالعامي يستخدمها مثله مثل المتعلم والمثقف، وكذلك صغير السن وقليل الخبرة والمعرفة، ولهذا تأتي إفرازاتها في الغالب بغير ما يمثل واقعنا الحقيقي، بل ربما يكون متنافراً ومتضاداً معه بالكلية، وهو ما يستدعي وعياً أكبر من كل المؤسسات التعليمية والمجتمعية بما فيها الأسرية إلى ضرورة إيجاد توعية فكرية ومعرفية تدفع من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لاستشعار أهمية القيم والمبادئ والأعراف العامة.

هل افتقدنا نموذج “القدوة” في حياتنا اليومية؟
-وجود القدوة مهم جداً في مسيرة أي مجتمع بشري سوي، وهو ما تتحدث عنه وبالتفصيل الدراسات التربوية والنفسية، والقدوة تتنوع منها التاريخي ومنها الحي، وتاريخنا الإسلامي والوطني يزخر بقدوات تتمثل فيها قيم إنسانية رفيعة، مثل سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، وكذلك الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية والملك عبد العزيز موحد المملكة العربية السعودية، وأيضا كان في زمن سابق كبير العائلة وعمدة الحارة وشيخ القبيلة قدوات حيًة لما حباهم به الله من قدرات خاصة يسعى الفتية والشباب للاقتداء بها، غير أن تسارع الحياة والتطور التقني وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي وبكثرة خلق نماذج مشوهة دفع الفتية والشباب من الجنسين إلى الاقتداء بهم وجعلهم أيقونات حياتية، وما يُخفف عنًا كما أرى أن هذه النماذج المشوهة ستندثر بكل تأكيد مع الزمن ولا يذكرها التاريخ بشيء.

هل ترى أن الأبناء في الوقت الحالي يحتاجون إلى الرأي والمشورة؟ وهل بعدت المسافات بيننا وبينهم؟
ج: في زمننا هذا الأبناء هم أحوج ما يكون للرأي والمشورة في ظل تسارع حياتي غير طبيعي، وفي ظل ما تنفثه وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام العالمي من قيم وأعراف لا علاقة لها بقيمنا ومبادئنا الدينية والمجتمعية، وهو ما يتطلب منا جميعاً آباءً وأسراً ومؤسسات الاهتمام والتخطيط لكيفية مواجهة كل هذا الغزو المدمر، وبالفعل المسافات تباعدت بصور غير معتادة بين الأجيال، فلم يعد مفهوم الجيل كما كان سابقاً يتراوح ما بين الآباء والأبناء والأحفاد بعقود من الزمن، فاليوم هذه المسافات لم تعد موجودة، حيث أصبحت أصغر وأقل، فالأبناء يشكلون أجيالاً عدة وكذلك الأحفاد، وهو مما يزيد في التباعد بينهم جميعاُ.

الدنيا طويت على غرور.. متى وجدتم هذه العبارة ماثلة أمامكم؟
-إن سمحت ليً أرى أن العبارة خاطئة، فالدنيا لم تُطو على غرور، بل على تفاهم وتعاون، ومع ذلك فالغرور صفة ذميمة والعياذ بالله لا يتمثلها إلاً من أعمى الله بصيرتهم فظنوا بجهل أنه لا يعيش في هذه الدنيا سواهم، وأن لهم هم فقط دون غيرهم التمتع بكل شيء، حتى وإن كان على حساب الآخرين، وأنا مثل كثيرين لا شك واجهت حالات لبشر أعماهم الغرور عن رؤية الحق والصواب ولم أملك أمام ذلك سوى الدعاء للمولى بأن يشفيهم مما هم فيه.

من أنبل الناس في رأيكم؟
-النًبِيلة فضيلة من الفضائل الإنسانية ومن يمتلكها فقد أُوتِيَ خيراً كبيراً، النبيل من البشر هو من يرى أنه جزء من كل، وأن كما له حقوق فعليه واجبات تجاه مجتمعه والآخرين، فلا يصح أبداً أن يتجاوز بحجة حماية حقوقه ولا يصح كذلك بخس الآخرين حقوقهم والتعامل الفظ معهم، والخُلق الحسن للإنسان ميزة ترفعه بين الناس، وقد امتدح الحق سبحانه وتعالى نبينا محمد صلً الله عليه وسلم بقوله: “وإنك لعلى خُلقِ عظيم”، وهو ما يجب علينا جميعاً التمسك والاقتداء به.

المحبطون هم أشد الناس تعاسة.. هل صادفتم هذه الفئة؟ وكيف تعاملتم معها؟
-بكل تأكيد واجهت “مُحِبِطون” فهم حولنا شئنا أم أبينا، وهم جزء من المكون المجتمعي، لكن تعاملنا معهم هو الفيصل في سيادة تأثيراتهم من عدمها، فكلما كان التعامل الإيجابي معهم هو السائد كلما نجحنا في التخفيف من تأثيراتهم، إلا بالطبع على أنفسهم، وفي يقيني أن الإنسان المتفائل والإيجابي مهما صادف من أصحاب هذه الفئة فلن يُغير ذلك من شيء في مسيرته الحياتية وتحقيق أهدافه، وتعاملي مع هؤلاء الأشخاص يكون بالتجاهل وعدم الإنصات.

هل ندمت يوماً في النقاش مع أصحاب الوعي والإدراك؟ وهل شعرت بالندم بسبب النقاش مع غيرهم؟ ولماذا؟
-النقاش إن كان جزءً من حوار هادف مع صاحب وعي أو إدراك أو غيره فهو نقاش إيجابي ونتائجه على المتحاورين مميزة، أما إن كان للاستعراض والمفاخرة والمباهاة بغض النظر عن نوعية وطبيعة المتحاورين فهو كما يُقال حوار “طرشان” لا فائدة منه، بل هو مُضر على الصحة النفسية للفرد، والندم يأتي حين يشعر المرء بأنه كان جزءً من تلك الحوارات.

هل لديك كلمة أخيرة تود إضافتها؟
ج: بعد كل هذه الأسئلة العميقة الثرية، أقول: شكراً لكم على الاستضافة، وموفقين على الدوام في جريدة مكة الإلكترونية التي أصبحت واحدة من وسائل إعلامنا السعودي الناجحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com