حوارات خاصة

البسامي لصحيفة “مكة” لا يمكن أن أنسى تنزيل حملة البلك مع مشقة الصيام

رعاية الغنم وحماية المزارع من الطير برنامجي الرمضانى قديمًا

الباحة – تعود صحيفة “مكة الإلكترونية لاستئناف برنامجها السنوي زاوية لقاءات رمضانية للعام الرابع على التوالي، وسعدنا أن يكون ضيفنا في الحلقة الأولى لهذا العام 1444 . سعادة الأستاذ: عوض بن عبد الله البسامي رئيس قسم التوجيه والإرشاد في تعليم سراة عبيدة سابقًا، والمشرف التربوي في عسير (متقاعد حاليًا)

أهلًا وسهلًا فيك ضيفنا الكريم بداية نُبارك لكم بحلول شهر رمضان المبارك

-سلمك الله-، وتقبل الله منا ومنكم صالح العمل.

– كيف استقبلت شهر رمضان هذا العام؟
الحمد لله على نعمة الأمن والأمان والعافية.
استقبلته بسعادة وفرح وشعور بالغبطة أن منّ الله سبحانه وتعالى علينا بلوغ هذا الشهر الكريم، ونحن وإياكم في خير وعافية.

ما هو برنامجك اليومي في رمضان حاليًا؟
كما هي العادة اليومية من بعد صلاة الفجر نعود للراحة حتى يحين موعد اليوم الدراسي أتوجه حيث مدارس بنياتي أقوم بإيصالهن للمدارس والعودة لبعض الأعمال البسيطة المتعلقة بالأسرة، ومن ثم من وإلى المسجد المجاور صلوات ودعوات، وحضور بعض الندوات والدروس، وإن تيسَّر رياضة المشي الخفيف.

– متى كانت بدايتك مع الصيام؟
في قرانا الجميع يعرف ويتفهّم أهمية تشجيع الصغار على الصيام؛ فالعادة أننا نصوم مبكرًا..
وأتذكر بدأت من الصف الرابع تقريبًا، وكانت صعوبة كبيرة في ذلك الوقت؛ لأن كامل اليوم عندنا شغل متواصل؛ حيث نقوم من الصباح الباكر بالرعي، ومساعدة الأهل بعض الأعمال.

– كيف كنتم تستقبلون شهر رمضان قديمًا؟
أتذكر أن والدي قال: كانت إمارة سراة عبيدة ترسل مناديب يخبرون القرى المجاورة عن موعد الصيام، ويتداول الناس الخبر فيما بينهم..
ومن حيث المبدأ الاستقبال واحد قديمًا وحاليًا لكن المشاعر الصادقة والحفاوة الواضحة، كانت قديمًا تتجلى في تصرفاتنا ودعواتنا ومشاركاتنا الاجتماعية والأسرية، وعلى مستوى الجماعة بشكل عام.

– ما هو الفرق بين الأجواء والعادات الرمضانية قديمًا وحاليًا؟
لا يوجد اختلاف جوهري الذي تغيّر بشكل كبير ومتسارع ما يُسمى بالتسارع التقني الهائل، وربما أثر على بعض العادات الجميلة سابقًا كالاجتماعات الحميمية بين الجيران والأقارب؛ إذ نظرنا لبعض العادات القديمة الجميلة ممثلة في اجتماع أهل القرية في المجسد قبل الإفطار من كل يوم على ما تيسر من خبز يسير ” كسرة خبز” وبعض التمرات ورشفات الماء (القهوة للكبار سنًا لقلتها، وعدم وجود ما يكفي الجميع)، ولا أنسى صوت المؤذن دون سماعات لكنه يصدح ويُسمع بوضوح؛ فالكل يترقب والبيوت متقاربة جدًا كما هي القلوب في تلك الأزمنة.
اليوم الكل مشغول بنفسه وقد يفطرون الناس والبعض على جهازه أو نائم.. ولا تثريب لكنها في نظري فروقات جميلة لصالح القديم من الزمن.
يكفي اهتمام الأمهات والبنات بتوفير الماء من الآبار (على ظهورهن يحملن القِرب يوميًا).
والآباء يبذلون كل استطاعتهم؛ لتوفير لقمة العيش لأفراد الأسرة، وهي لا تزيد عن حبوب الذرة وبعض البُر والشعير..
الحمد لله كيف كنا وكيف أصبحنا.

– كيف كنت تقضي يومك في شهر رمضان في بداية صيامك؟
نساعد الوالدين في أعمال هامة في ذلك الوقت مثل رعي الغنم، وكما قلت في الجواب السابق في حماية المزارع من الطير وهذه المهمة تحديدًا شاقة جدًا (تذبل الشفاة وتتشقق ضماء وتعبًا)، ويبلغ منا الجوع مبلغه..
كما نعيد إصلاح بعض الجدران (الفرَاض) عمل متواصل.. لم يكن هناك وقت فراغ كبير كما هو حاصل الآن ..
نصلي العشاء والتراويح، ونتجه للنوم لما بُذل طوال اليوم من تعب، وهكذا باقي الأيام.
وقت الفراغ -إن وجد- نجتمع مع بعض كبار الجماعة فيما يسمى (بالمَسْمَر)؛ لسماع حكايات ونكت وبعض القفشات المتنوعة.. ومنافسات لعبة “القَطّار” .. بساطة ممزوجة بالتعب لكن الأحوال واحدة ومتقاربة.

– حدثنا عن المُعاناة التي كان يعيشها الآباء والأجداد في شهر رمضان؟
سابقًا ..قلة ذات اليد وشظف العيش وكثرة العمل اليومي المتعب جدًا، ولا بديل عن تلك المعاناة إلا بمزيد من الجهد ومواصلة المسير، ولا شك أنهم تحملوا وصبروا، وأسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، ويعوضهم خيرًا على كل ما واجهوه من صعوبات حياتية آنذاك.
ولدي قصة عن ذهاب مجموعة من الجماعة للاحتطاب في الخَنَقَة حتى كاد أحدهم أن يهلك من شدة الجوع والعطش لا يتسع المجال لذكرها.

– كيف كنتم تتلقون تعليمكم الشرعي في شهر رمضان؟
لم تكن المعلومات متوافرة كما هي عليه اليوم ..
خصوصًا أننا في قرى لا يوجد فيها متعلمون كُثر في ذلك الوقت..
لكن الناس على الفطرة السليمة؛ فالمسجد يؤدي دوره المعقول من خلال الصلوات والحرص عليها، والآباء والأمهات كلهم حريصون على الأبناء والبنات، والتعريف بأهمية الصيام وحثهم عليه وهكذا باقي العبادات..
كما أن للمدرسة دورًا كبيرًا في التعلّم والتعليم وزرع القيم.

– شخص تعتاد على زيارته في شهر رمضان ؟
في السابق جدي لأمي -رحمه الله- رحمة واسعة، وقد كان يصلي بنا بعض الصلوات فهو حافظ للقرآن أو معظمه بالأحرى.
وقد كان يطلب مني أتوجه معه لمنزله أتبّع له (أسمّع) القرآن؛ حيث أمسك بيدي مصحفه المغلف بقماش أبيض ويسمون المصحف (الختمة).
وإذا رديت عليه قال: أبو قذلة (أمي رحمها الله) تحسرًا على نسيانه، وتفلت بعض الآيات منه -رحمه الله- رحمة واسعة.
ثم زيارة جدتي زينة بنت عبدالله من بعده لا يمكن أن يمر معظم رمضان دون المرور عليها أو هي تأتي إلينا (لي فيها مقالة كتبها يوم وفاتها).
الوقت الحالي نكتفي برسائل عبر وسائل التواصل (بدون مشاعر دافئة) تصل منا وإلينا.

ضيفنا يوقع على الكورة في إحدى الدورات الرمضانية عام 1415

– ما هي أبرز المواقف التي عشتها في رمضان؟
في المرحلة الثانوية بدأت تتغيَّر الظروف للأحسن، وكنا نسهر لمزاولة كرة القدم إلى قبيل وقت السحور وفي أحد الأيام دعانا الوالد الساعة السابعة صباحًا ما نمنا ساعتين وربما أقل (وطبيعي سمعًا وطاعةً)؛ لنساعد الوالد مسفر بن سعد بن شيبان في بيته -رحمه الله- لتنزيل سيارة نقل كبيرة “مرسيدس أبو ثمان كفرات خلفية” صندوق خشبي محمل بلك ثقيل (مليان)، وننزل بأيدينا بلكة بلكة ومن السابعة إلى بعد صلاة الظهر بلغ منا التعب والعطش مبلغه، ومع ذلك تمسكنا بصوم اليوم لكن بحلوق جافة تمامًا وكدنا نفطر أكثر من مرّة لكن الله يسر وسلّم. لا أنسى ذلك اليوم ماحييت.
المواقف الأخرى التحقت بأرامكو عام ١٤٠٣هـ بعد المرحلة الثانوية، وحلَّ علينا رمضان ودرجة الحرارة تصل الخمسين درجة، وكنت في عز الظهيرة، أقف على قارعة الطريق للبحث عمن يوصلني معه من الجعيمة إلى رحيمة كانت تمر الساعة وأكثر أحيانًا ولا أجد أحدًا يوصلني (أعزكم الله تغرق الفنيلة وتغسلني الرطوبة يوميًا) وعلى هذا الحال ..
أحمد الله على النعمة التي نعيشها الآن.

– موقف لا تنساه؟                                                   هو موقف طريف وقديم جدًا.. في أحد الأيام جانا (سَبر) غيم كثيف من بعد صلاة العصر وتواصل حتى ظننا أن وقت المغرب أوشك من شدة السواد؛ فمشينا من مزارعنا في أسفل الوادي (قرية أهل الحصن) باتجاه قريتنا (هَل العجمة) طبعًا صيام وفينا ما الله به عليم من التعب طوال اليوم صياح على الطير، وركض على (الحَوَار) الجدران نحمي..
المهم وصلنا مصلى العيد في بداية قريتنا من الشرق، وإذا بالشمس تظهر رويدًا رويدًا بعدما زالت الغيوم، ونركض مرة أخرى للشغل والصياح من جديد خوفًا على المزارع من الطير؛ وخوفًا من أبوي الله يعافيه، وأتذكر أختي ما عاد قدرت تمشي من كثرة العناء.

– ما الذي يغضبك في شهر رمضان؟
السرعة الزائدة أثناء القيادة (تهور) قبل الغروب من معظم الناس كبارًا وصغارًا، وكذلك الوقوف بالسيارات خلف سيارات أخرى بحجة شراء بعض الأغراض.. ويتكرر المشهد مع الأسف..!!

– ما هي العادة التي افتقدها ضيفنا في رمضان بين الماضي والحاضر؟
في الماضي كانت الاجتماعات في البيوت على ما تيسر وإذا ما فيه شيء من المأكل والمشرب فليس أقل من وجود التراحيب والبشاشة، وبعض الألعاب الشعبية المضحكة مثل (الصفقة ولعبة القرش)، وكلها ألعاب فيها ضرب على اليد وأحيانًا (توجع) لكن تُعاد ليليًا لسلامة القلوب ومحبة الاجتماع ..
اليوم راحت..!
ولكن ما يمنع أن لكل زمن دولة ورجال. فالاستراحات المجهزة سهلت للناس بعض أمورهم..وأتمنى على الأندية الرياضية أن تقوم بدور واضح وتوفير مناشط متنوعة وللصغار تحديدًا.

– ما هي اللعبة التي كنت تزاولها أنت وأقرانك في زمنكم الجميل خلاف ما نشاهده الوقت الحاضر؟
بخلاف الألعاب التي ذكرتها مسبقًا، تطور الأمر وتحوَّلت الوجهة نحو ألعاب أكثر جاذبية مثل دورات كرة القدم الرمضانية ..
ثم تكونت مجموعات لمزاولة كرة الطائرة والجميع يلعب ويتحرك حتى والغبار يكسونا لكون الملاعب ترابية لكن السعادة غامرة والفرح يعم الجمع (الله ياوقت مضى.).

– ما رأيك فيما يُعرض على الشاشة من برامج ومسلسلات في شهر رمضان؟
فيها السمين وفيها الهزيل، ومن فترة ليست بالقصيرة لم أعد أهتم بالمسلسلات ولا بالبرامج المقدمة، وبالتالي لا أستطيع إبداء وجهة نظري كمتلقٍ..
بينما تستهويني البرامج الحوارية بأنواعها وخصوصًا الهادفة منها..
ماعدا ما يخص الرياضة فالبرامج ونوع الطرح في بعضها بحاجة لإعادة تقييم؛ حيث تُزرع خلالها التعصب الكروي مما يؤثر على سلوك المشجع بشكل عام.

– ما هو البرنامج الإذاعي أو التلفزيوني الذي تحرص على متابعته في شهر رمضان؟
لا يوجد لديّ برنامج بعينه لكن أحب البرامج التي تهتم بنا، وبقضايا المجتمع بشكل عام، وكما قلت أجد نفسي في البرامج الحوارية كمستمع.

– ماذا تقول لجيلنا في الوقت الحاضر من خلال معايشتك لأنواع الأجواء الرمضانية المختلفة؟
ليسوا بحاجة لنصائح؛ فهم في نظري على دراية كافية بالمفيد، وبالذي قد يأتي منه الضرر – لا سمح الله- لكن أجدها فرصة لأقول للآباء والأمهات كونوا قدوة حسنة قدر المستطاع، واسألوا عن الأبناء ولو بعدت المسافة، تواصلوا بالسلام والدعاء فالله خير حافظًا.

– كيف كان يؤدي الآباء والأجداد مناسك العمرة في رمضان رغم المعاناة من مشقة السفر خلاف ما نحن الآن من تسهيلات؟
كما سمعت من والدي كانوا يمشون على أقدامهم من القرى في أقصى الجنوب إلى مكة المكرمة ومن نافلة القول ..إنها مشقة ما بعدها مشقة..
ثم تطورت الأمور فأصبحت وسائل نقل عامة قديمة ليس فيها من مقومات الراحة أي شيء يركبون فيما يسمى بالصندوق، ويجلسون طوال الرحلة على الخشب وفي الشمس والبرد والغبار، والطرق وعرة وترابية “مشقة كبيرة”، ومع ذلك هم حريصون على تأدية المناسك حسب استطاعتهم وفوق استطاعتهم أحيانًا ..
اليوم تطور هائل ونعم تجد طرقًا مسفلتة، ووسائل نقل متعددة، ومتطورة ومتنوعة.

– لديك ثلاث باقات من الورود لمن تهديها بمناسبة شهر رمضان؟
الأولى: لوالدي الحبيب، جعل الله كل ما أصابه في موازين حسناته.

الثانية: لمن أسدى إليّ معروفًا، ولمن أهدى إليّ عيوبي.

الثالة: لكل من أخطأت بحقه راجيًا أن يعذرني.

– بعد أن حدثتنا عن شهر رمضان نريد أن تُحدثنا عن مظاهر العيد في الماضي.. وكيف كان يستقبله الأهالي؟
بدون تحيز العيد سابقًا حكاية جميلة لا تنتهي ..
كنا نطوف البيوت صباح العيد بيتًا بيتًا وروائع الدخون (الجاوي)، والطيب والشبّة (الصلل مليان جمر)، والبراريد والدلال تحوطه وريحها يفوح، والتجهيز لوجبات الإفطار وجمال المشاعر. فرح غامر شامل.
وعلى قلة الأدوات وعدم وجود جديد الملابس في تلك الأيام إلَّا أن العنوان الأبرز هو: السعادة
حتى إنهم كانوا يرمون بعض الطلقات النارية ليلة العيد تعبيرًا عن الفرح.. ويلبس بعض الشياب ثياب المفَرّج والمسبت.. وتخضيب الكفوف عادة لدى النساء ليالي العيد.
بالمناسبة كان جدي لأمي أول من وفر بعض الحلوى “المكشوفة ذات الألوان”، ويوزعها علينا وعلى الجميع من زواره رغم أن عمره ذلك الوقت تجاوز (١٠٠) سنة في دلالة على عُمق فهمه لقيمة العيد وإظهار الفرح، ويعتبر حدثًا جميلًا وخارجًا عن المألوف.

بماذا تريد أن تختم هذا اللقاء؟
أختم هذا اللقاء ؟

 أشكرك أخي حسن على حُسن ظنك بي وأعتذر للإطالة، والشكر موصول لصحيفتكم الغراء مع دعائي لكم بمزيد من التوفيق والعطاء.
كما أسأل الله أن يحفظ لنا نعمة الأمن والأمان ورغد العيش في هذا البلد الكريم في ظل القيادة الحكيمة.. وكل عام والجميع بخير.

حسن الصغير

مدير التحرير - منطقة الباحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى