
المجتمع السعودي نسيج قوي لن ينجح الضالون في تمزيقه.. ومنظومة الفنادق ستعود لسابق عهدها بالمملكة
وسائل التواصل زادت المشاكل وهدمت بيوت عامرة.. والمجتمع يعاني أزمة ثقة
(مكة)- حوار- عبدالرحمن الأحمدي
يعتبر الدكتور إسماعيل بن أحمد العبيدي أحد الشخصيات المميزة التي تتصل بأكثر من مجال، فهو حاصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة في تخصص العلاقات الدولية، كما عمل باحثا سياسيا بمركز دراسات الشرق الأوسط، فضلا عن عمله الحالي في إدارة وتشغيل الفنادق والاستشارات القانونية، بخلاف تجربته في الملاعب الرياضية مع فريقي الأهلي والوحدة لكرة القدم، ما يجعل تجربته ومسيرته ثرية بالعديد من المواقف والخبرات التي تحتاج للظهور، والتي نرصدها عبر الحوار التالي:
** لمن يسال عنكم ضيفا الكريم.. أين تتواجدون في رحاب هذه الدنيا؟ وكيف تقضون أوقاتكم؟
_كنت خلال الخمسة عشر سنة الماضية أعيش وأنزل في مصر منازل العلم، أنهل منها المعرفة والعلم، حتى بلغت درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، ثمّ عملت في أحد مراكز البحث العلمي التابعة لجامعة الدول العربية، وقضيت أجمل أيام حياتي في المحروسة، حتى جاء الوقت الذي عدت فيه إلى البلاد قبل عام جائحة كورونا، وحالياً لدي مشروع إدارة أعمالي الخاصة أمارس فيه خدمة ضيوف الرحمن وحجاج بيت الله الحرام، وأقضي يومي بين العمل والمنزل باستثناء يوم الثلاثاء أقضيه مع زملائي لاعبي نادي الوحدة القدامى لكرة القدم في ممارسة لعبتي المفضلة، نركلها كما أول مرة ثم نستريح قليلاً نتذكر الأيام الجميلة وذكريات الصبى وريعان الشباب.
** ما الذي يشغل اهتمامكم في هذا الوقت؟
_على المستوى المهني أتابع طبعاً الموقف السياسي العربي والدولي وكيف أصبح تواجد المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية فعال ومؤثر ومواقفها ثابتة وراسخة في كل القضايا الدولية، ومساهماتها في كل المؤتمرات والندوات والمنظمات، كما أتابع بحرص التطورات التي تشهدها بلادي من خلال المشاريع التنموية والتجارية والاقتصادية وإنجازات الرؤية والتحولات الوطنية على كافة المستويات، ومجمل الحقوق والحريات وتفعيل دور المرأة في الحياة المجتمعية والوظيفية ومنحها مزيد من الفرص والثقة، بالإضافة إلى البرنامج الوطني في توطين الوظائف، فنحن نعيش مرحلة متطورة ونشهد جهود رامية وسامية نحو آفاق مستقبل واضح والسعي لجودة حياة أفضل بسواعد سعودية بكل كفاءة ومسؤولية وجدارة، وهذا فخر واعتزاز يعظم حقيقة فكرة بناء الإنسان.
على المستوى الشخصي في الوقت الحالي أركز في المشاريع التجارية التي تحقق عائدات وأرباح جيدة، وأتوسع في دائرة عملي في تشغيل الفنادق وخدمات العمرة، خصوصاً أن منظومة الفنادق ستعود لسابق عهدها ومجدها فيما لو فتحت جميع الأبواب لزيارة المملكة وارتفعت نسبة قدوم المعتمرين لمستوى توقعات وأهداف الرؤية، كما أخصص لنفسي فسحة من الوقت لأهتم بالقراءات والمطالعات وكتابة المقالات لبعض الموضوعات التي تشغل المجتمع والرأي العام من حين لآخر، وأتمنى أن يأتي الوقت الذي أتفرغ فية لتأليف كتاب باسم (وحي الفكر)، فأنا أشعر بأن الكتابة متعتي وأجمل ما يشعر به الإنسان لإسعاد نفسه ومن حوله وينفع به الناس، لأن مهارة تدوين ما يجول في عقل وفكر الإنسان ليس بالأمر البسيط والسهل والهين، خصوصاً لو كانت هذه الهواية تمارس بشكل دوري ومنتظم، كما أن ممارسة الرياضة تقوي العقل وتحسن الصحة الجسدية.
** الحكمة خير من الله يؤتيها من يشاء.. كيف تعرفون الحكمة؟
_الحكمة هي مقدرتك على معالجة المشاكل واكتشاف الأخطاء واحتواء الآخرين وتفهمك لقضاياهم والإصغاء لهمومهم، فالحكمة في مقتضاها العميق ترمز للصبر وفي مكنونها اكتشاف حقيقة من حولك، وقراءة أفكار الآخرين ومعرفة خصائص وسلوك البشر، الحكمة هي البصيرة والتأمل والعقلانية، الحكمة نور وصاحبها هو الرجل الرشيد.
** ما بين حكمة الشيوخ وهمة الشباب.. أيهما أقرب برأيك ثمة اتفاق أو فجوة اختلاف؟
_في تقديري ليس هناك اتفاق أو اختلاف، ولكن هناك ثمة شعرة فاصلة بينهما؛ لأن الحكمة تحتاج إلى بصيرة، والبصيرة عند الشيوخ، والشيوخ في حاجة إلى إرادة وتطلعات وحماس وطاقة الشباب، فالحكمة تقف على أرض الشباب وتدار بعقول الشيوخ، فالشيوخ لديهم الصبر والرؤية، والشباب يمتلكون الحماس والطاقة وفي اتحادهم يتحقق النصر والنجاح والأمجاد والإنجازات.
** هل الإنسان في هذا العالم ضل طريق الحكمة؟ وهل بالجملة تنقصه الحكمة؟
_نحن في عالم صغير ومتطور، فنحن نعيش في حقيقة الأمر في قرية صغيرة أغلب مخرجاتها تعكس حقيقة التفوق العلمي والتقني، فالمستقبل يقف على مدى قدرته على الهيمنة على إمبراطوريات العقل، ولكن الخوف من غرور الهيمنة والصراع المحتوم لهذا العالم الذي يتمحور حول البحت عن النور، والشعب الذي يعرف طريق الحكمة هو الذي يسود، فالحكمة نور وطريقها العلم ونحن نعيش بين ثنايا علم الافتراضيات بضغطة زر نكتشف العالم ونتعلم منه في وقت بسيط، بينما سابقا لم يكن الأمر سهلاً ومتاحا.
** في حياتنا مراحل إنسانية مختلفة من الضعف إلى القوة وهكذا.. ماذا تتذكرون من وقائع في ثنايا المراحل؟
_ يعيش الإنسان مراحل في حياته ينتقل فيها من منطقة إلى أخرى يتذكر فيها العديد من المواقف والظروف والصعاب التي لازمته وسايرته، خصوصاً في مرحلة الطفولة والتكوين والوعي والإدراك، وفي كل مرحلة من المراحل تجد فيها مواطن ضعف وقوة وثبات، أذكر في مرحلة الطفولة كنت أعيش موقف لا أنساه حيث كانت مدرستي بعيدة عن منزلنا وكنت أضطر للسير بأقدامي مسافة طويلة في أغلب الأحيان ذهاباً وإياباً، وهذا يجعلني أتأخر عن الطابور الصباحي، وكان هناك وكيل مدرسة -سامحه الله- يعاقبني بشدة دون رحمة وبالضرب بالعصى على يدي أربع جلدات مؤلمة، وهذا الموقف أثر في نفسيتي كثيراً وجعلني في موضع للضرب يومياً، وكنت يومها كابتن منتخب المدرسة في كرة القدم، ورفضت اللعب والمشاركة في مباريات دوري المدارس، وحاول الجميع إثنائي عن القرار ولكني رفضت حتى نقل ذاك الوكيل الفظ، غليظ القلب، والمضحك في الأمر أن وكيل المدرسة كان من أبناء حارتي (أجياد السد)، وكل صباح يمر بجواري وأنا أمشي على الطريق دون أن يبالي ويحملني معه للمدرسة، هذا الموقف ترك أثرا في مخزون ذاكرتي وخفايا وجداني.
**ما بين الربح والخسارة أو الخسارة والربح.. كيف تصفون أصعب المشاعر وأجملها؟
_ يتوقف الموضوع حيال فهمك لمفهوم الربح والخسائر، فبعض الناس عندهم الربح والخسارة مجرد مال، والآخر يجدها في فقدان صديق أو رفيق عمر، وآخرون في رحيل قرة عين أو والديهم وأهلهم، فإن كانت الأخيرة فإن رحيل والدتي -رحمها الله- كانت أكبر خسارة وألم يعصرني حتى اليوم، ووجود والدي – حفظه الله- في حياتي أكبر ربح، ولو كان الربح والخسارة يقاس بمعايير التجارة والأعمال فأنا تعرضت للعديد من الخسائر والنكسات التي أثرت بي وفي نفسي، ولكن أكسبتني مزيداً من المهارة في التعامل والصبر في المحن والثبات عند الشدة والقدرة على العودة من تحت أنقاض الركام، وماكانت تلك الخسائر و الأزمات إلا طبقات يصقل بها العقل لتكتمل دائرة النضج، حتى يكون أكثر وعياً ونضجاً وفهماً ومعرفة، فنحن ندخل الحياة التجارية من خلال الحماس؛ لأننا لا نتعلم أصول المعرفة التجارية في حياتنا العلمية ونتجاهل الموروث، لذلك الدخول في التجارة يتطلب المعرفة والمعرفة لا تأتي إلا من خلال الخبرات المكتسبة والأزمات المتداعية، لذلك السعيد من يكون لديه تاريخ عائلي في التجارة يتعلم من هذا الإرث ولا يرتكب الأخطاء أو يكرر الخسائر والعثرات.
** الحزن سمة إنسانية ثابتة.. هل احتجتم له يوماً ما؟ وما هي أقسى لحظات الحزن التي مرت بكم؟
_الإنسان مفطور بالحزن، والحزن جزء من تركيبته والجروح أحزان، والناس نوعان في الحزن: إنسان يظهر الحزن في خارجه من خلال البؤس والدموع والبكاء والتذمر والتنديد والسخط واللوم، وإنسان يخفي الحزن في داخل أعماقه بسبب موقف أو فقدان أو جرح من غالي يلتزم الصمت والهجر والوحدة، وأنا أصنف من هذا النوع وأعشق الوحدة، ووفاة والدتي_ رحمها الله_ خلق في نفسي حزن عميق جعلني أعتزل الحياة وأبتعد عن الناس فترة تجاوزت السنتين، كذلك الحزن في فقدان الثقة والخيانة، وهذا النوع يعيش في مجتمعنا وتنتشر هذه الحالة بيننا لذلك لاعجب لو عرفت أننا نعيش حياة في مجتمع يعيش أزمة ثقة، نحن في زمن الفرص الضائعة.
** التوفيق والسداد هبة من الله تعالى.. ما هي أكثر المواقف التي مرت بكم توفيقاً وسداداً؟
_المواقف التي أعتبرها من التحديات في حياتي بمجال الاستثمار في أحد الدول العربية المجاورة لنا، وكانت الظروف تعكس فشل الفكرة والتجربة والمشروع، إلا أنني تحملت المسؤولية والخوض بروح المغامرة والتحدي وهذة من خصائصي، أقبل التحديات وأركب الصعاب وأصبر على حمل الأحمال الثقيلة وولوج المحن وأحب أن أخوض في غمار التحديات والصعوبات والمسؤوليات، رغم أن المشروع استغرق ثلاث سنوات من أجل بناءه، وإلى صبر وكفاح واحتمال الخسارة وتداعيات الإحباط ووقف السيولة والإمداد وتراكم الديون، إلا أنه في السنة الأخيرة أثمرت الجهود وحقق كل التطلعات والآمال والأرباح وعادت الثقة بنفسي.

** بماذا نربط الحياة السعيدة من وجهة نظركم الشخصية؟
_بتقوى الله، من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، والمخرجات عادة ما تكون سعادة ونور وحق وعدل، والسعادة تمثل لي شخصياً منطقة التنوير، والمستنير هو من يمنح الضياء والنور، والسعادة موطنها القلوب المطمئنة والتسليم، وهي الضمير والعدل والأمانة.
** هل نستطيع أن نعتبر أن السعادة أسلوب حياة؟
_السعادة هي الأمان ومنهج التفكير السليم للحياة وقلب مطمئن سليم، السعادة في تأدية الأمانة، في العطاء وقضاء حوائج الناس، في الشعور بالآخرين قبل أن يبوحوا بالمعاناة وإرضاء الأهل وتلبية متطلبات الوالدين والبر فيهم، السعادة في صديق تشعر بأنه رفيق العمر وثمرة السنين، السعادة في الزوجة الصالحة التي تشعرك بأنك مبلغ عالمها، السعادة أن تقول الحق وترشد الناس إلى الفضيلة وتقول ما ينفعهم وليس فيما يعجبهم ويضللهم.
** متى يصل الإنسان إلى محطات النجاح؟
_مع كل محطة نجاح تبدأ محطة جديدة، وهذه من سنن الله في الحياة وخلقه، لا يمكن أن يتوقف الإنسان عن العطاء إلا بعد فراق الروح من الجسد، ولكن هناك اختلاف نسبي بين كل شخص وآخر، وهو يعود إلى أمرين، ثقافة الشخص وحالته الصحية، والإنسان الذي يجد في نفسة القدرة على الاستمرار عليه ألا يتوقف عن العطاء ولوكان العمل تطوعي وإنساني، ولو كان العمل في إنشاء مشتل زراعي بالمنزل يتولى الاهتمام به بدلاً من مرارة الجلوس والعزلة وانتطار الأسوأ والقدر المحتوم ومراجعة الأطباء، وأنا هكذا لا أحب الجلوس والركود بل تجدني أمارس جميع الأعمال المنزلية في أوقات الفراغ؛ لأن الفراغ بالنسبة لي محطة جحيم، لذلك أنا أجد نفسي ناجحاً حتى في غسيل سيارتي بنفسي وغسيل ملابسي وترتيب مكتبتي، هذا هو المفكر، يجد في كل محطة بالنسبة له منطقة عمل وعالم من التفكير المتقد، ويجب أن يتقن كل ما يقع تحت يده من أعمال ويحقق النجاح وإثبات الذات.
** ومتى تتوقف تطلعاتنا في الحياة؟
_حينما يطرق المرض أبوابنا ويأتي بعده الخذلان، وحينما يعجز الجسم عن القيام بمهامه ودوره، وحينما يبدأ الإنسان دورة حياته وينتهي من حيث بدأ ينتظر المساعدة، هنا تتوقف التطلعات والطموح ويبدأ العجز يدب في الجسم النحيل ويحل الصمت وتدق الساعة البيولوجية.
** في الأغلب ننصف الإنسان بعد رحيله من دنيانا.. متى ينصف هذا الإنسان قبل أن يرحل؟
_هذه عادة البشر، لا يشعر الإنسان بقيمته في ظل الضوضاء والصراعات المجتمعية والبحث عن الذات، فما تتألم بسببه كون المجتمع لم ينصفك تأكد بأنك في ذات يوم تجاهلت غيرك و لم تنصفه، يوم مكثت مكانة ويوم رحل دون أن تبالي به أو تعره اهتماماً، فنحن نسقي بعضنا البعض كأس عدم الوفاء، للأسف هذه عادة موروثة فينا لا نتذكر الإنسان إلا بعد رحيله، وأكثر من يتجاهلهم الناس هم الفلاسفة والمفكرين، ففي حياتهم يتجاهلهم البشر وبعد مماتهم يذكرهم ويأخدوا أقوالهم ويتناقلون حكمهم بل ويسرقونها.
** في الاستشارة.. من يستشير ضيفنا الكريم في مواقفه الحياتية المختلفة؟ ولماذا؟ وما هي أهم استشارة مضت؟
_ ليس لي شخص معين أستشيره في حياتي، لأن في أغلب الأحيان أستشير المعنى والخبير بالاستشارة، فالطبيب أحياناً مستشاراً بالنسبة لي في تخصصه، والمحامي مستشاراً لي في مجاله، ولكن في أغلب الأمور زوجتي هي المستشار الخاص لي في مجمل حياتي، ليس لأي أمر كان ولكن لأنها تمتلك قدرات ومقومات المستشار الأمين والدليل الرشيد وصندوقي الخفي.
** متى غض النظر ضيفنا في المواقف المصاحبة له؟ وهل تذكرون بعض هذه المواقف؟
_أنا كثير الغض في العديد من المواقف والأحداث التي تحدث بين إخواتي وأصدقائي ولا أحمل معها أبعادا أخرى، ولا أخزن في ذاكرة الحزن بل تجاوزها وأعتبرها من علامات الغفران، والصبر والتغافل والتسامح عوارض من الضروري أن تحدث، لذلك تجدني بين أصدقائي قليل الرد عليهم والدفاع عن نفسي وذلك من باب الاحترام والتقدير وعدم خسارة ما لا تستطيع إعادته، وعدم تصعيد الموقف والعفو عند المقدرة لأن البعض يعتقد أنه لو دافعت عن نفسك وناقشته في الكلام يظن أن هذا غرور وكبر وتعالي واتهمك بالعنصرية والاستعلاء، لذا تجدني أتراجع عن مناقشة أصدقائي والتزم الصمت لتمرير الموقف دون تصعيده لهذا السبب، وأحياناً لأنهم لايفهمون مني فكرتي ووجهة نظري، ولا أستطيع إفهامهم أو توضيح فكرتي لظروف فارق التوقيت وعدم الاستيعاب، ولكن أحياناً اختلف معهم في الآراء والأفكار خصوصاً إذا كانت الأفكار المطروحة سابقة زمنها وقابلة الطرح.
** هل ندمتم على سكوتكم يوماً؟ ومتى ندمتم على بعض كلامكم؟
_لم أندم على الصمت لأن في الصمت وقار واحترام وشعور بعدم الفقدان، بينما السكوت عادة ما يفسر بالخوف أو الخشية من العقاب، ولم يمر بحياتي من جاء يسكتني ويلجمني الحمد لله، ولكن أندم في بعض كلامي حينما أستعرض وأسترسل الأفكار أمام الآخرين ويتحول النقاش والكلام إلى اتهام وانطباع ونشر شائعات وتصور ليس لي فيه غير الرأى وهذا يحزنني ويؤسفني.
** في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أحاديثنا تختلف عن واقعنا.. إلى أي مدى ترى صحة هذه الجملة؟
_أتصور أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت فينا عالم افتراضي ليس له وجود، وجعلتنا نصدق بعضنا البعض، وفي حقيقة الأمر نحن نعاني من الشقاق والنفاق والتشرذم وهدم البيوت وتصدع العلاقات، ورغم أن الميديا سهلت علينا أمورا كثيرة، إلا أنها خلقت لنا مشاكل أكبر وهدمت بيوتا عامرة، وإحصائيات وزارة العدل ومعدلات الطلاق والخلع أكبر برهان ودليل على مخضبات الميديا، ناهيك عن ظاهرة النصب والاحتيال التي شاعت وانتشرت بيننا، وكذلك التخبيب والابتزاز، كل هذا وأكثر نشعر به وتجده في القرارات والعقوبات التي تصدرها النيابة العامة بين حين وآخر.
** في حياتنا اليومية هل افتقدنا حقيقة إلى الإنسان القدوة؟
_نحن أصحاب الجيل الجميل مازالت لدينا القدرة ونحمل في أسبار وأغوار أنفسنا القدوة والمثل الأعلى، ولكن الخوف كل الخوف من الأجيال الصاعدة والمتلاحقة والمتعاقبة هي التي ستحرم من نعمة الإسوة والقدوة والموجه، والقدوة في تقديري تكون في دائرة البيت ثم المدرسة، الأب قدوة والمعلم قدوة ومتى غاب الإثنان ضاع ميراث القدوة، وموروث الأسوة الحسنة، وفقدنا المثل العليا، وعاش الجيل على حس التنظيمات ورهن المصالح المشتركة والمنافع المعروضة، وفقد بذلك العرف والمرجعيات والكبير ودوره، وهذه إشكاليات مجتمعية خطيرة سيترتب عليها ثقافات متنافرة ومتباينة لا تعرف التوازن والتناغمات.
** الأبناء في الوقت الحالي هل يحتاجون إلى الرأي والمشورة منا؟ وهل المسافات بعدت بيننا وبينهم؟
_ في تقديري أن الموضوع يتباين بين شخص وآخر وإن كان في ظاهره حقيقة ولكن مع الأيام والوقائع يظهر عكس ذلك، فنحن نشاهد أن الأبناء والحمد لله مازالوا ملتفين ومجتمعين حول آبائهم وأمهاتهم، ومازالت دور العبادة مرجعية قوية لهم وتؤثر فيهم، وهذا من فضل الله علينا، فهناك قرارات يجد الأبناء أنها ملك الوالدين وهذا جيد، ومازال الابن يجد أن الوالدين رضاهم قيمة ويمنحه الفضيلة والفلاح والتوفيق والبركة، وكل ما هو موجود ويمر بأبنائنا في حقيقة الأمر لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من المجتمع المحافظ، وشخصياً أعتبر المجتمع نسيج وطني قوي ولم ولن يفلح الضالون في تمزيقه وتفكيكه واللعب فيه حتى الوقت الراهن.
وصحيح أن المسافات والمفارقات بين الأجيال موجودة وتتسع يوماً بعد يوم، فنحن أبناء جيلنا نختلف عن جيل من سبقنا وكان يسخط وينفر منا ويتهمنا بالحداثة، ولكن مع الوقت تقاربت الفجوات واقتربت المسافات وتعايشنا مع بعض، أما جيل اليوم يعاني معنا نفس الأزمة ولكن على قدر وعزم نحو تقريب المسافات والتعايش مع عالمهم الجديد وكل المصطلحات التي تقال لنا منهم لا نفهمها ولن نفهمها.
**الدنيا طويت على غرور.. متى وجدتم هذه العبارة ماثلة أمامكم؟
_ مع كل جنازة أسير فيها أو عند كل قبر أقف أمامه، وعند زيارة كل مريض أسمع شكواه وأشعر بضعفه وقلة حيلته، في كل هذه الحالات أشعر بالبكاء في داخلي ويعتصرني ألم وتمتلكني حسرة ومهابة حينها أقر بأن لكل شيء آفة ولكل نعمة عاهة ولا سبيل غير السبيل إلى خير العباد والاعتصام بالله تعالى، وما الغرور إلا مضغة استقرت في القلب الظالم والنفس الطماعة.
** من أنبل الناس في رأيكم؟
_من لا ينكر المعروف هم الأوفياء الذين تعرفهم في الشدة والمحن والأزمات، ولو كانت بينك وبينهم خصومة وخلافات، أنبل الناس من يخلق في روحك أثر ويزرع في نفسك فضيلة وشرف وسلوك مستقيم، النبيل هو من لا تغيره الحياة ولم تجد سبيل إلى قلبه.
** المحبطون هم أشد الناس تعاسة هل صادفتم هذه الفئة؟ وكيف تعاملتم معها؟
_المحبطون في حقيقتهم هم الحساد، والحاسد حسبك أن يغم حينما يجدك مسروراً سعيداً، وإذا أردت أن تعرف من حولك هل هم حساد أو محبين حدثهم في لحوم الناس وشكك في إنجازاتهم وقلل من قيمتهم واسخر منهم، حينها سينكشف لك حقيقة مضغته وسواد قلوبهم، ونعم في حياتي وجدت هؤلاء وقيل عني لا يمكن تحمله، وكنت أتجاهلهم عن طريق المثابرة في العمل والتعامل معهم على قدر فهمهم ولؤم أنفسهم وسخط ألسنتهم، والعاقل منا من وجد هؤلاء في طريق قدرا فلا يجاريهم، بل لا يثق فيهم ولا يقربهم ولا يضعهم مستقر أسرار حياته وخزائن أفكاره وطريق نجاحه، وإذا وضعهم الله في طريقك ليس أمامك غير الصبر وإخفاء السرور والنجاحات عنهم فهؤلاء غير مؤتمنين على أي شيء.

** هل ندمتم يوماً في النقاش مع أصحاب الوعي والإدراك؟ وهل ندمتم في النقاش مع غيرهم؟ ولماذا؟
_حينما نتحدث مع أصحاب الوعي والإدراك لابد أن يكون معك سلاح المعرفة والحجة والمنطق الصحيح وإلا فإنك ستضيع بينهم؛ لأن أفكارهم تتخطى المجال الجوي لفكر المرحلة، ففي العادة يسافروا بك إلى مناطق بعيدة ووعرة فهم يجدوا في النقاش سياحة فكرية، وعلى النقيض منهم الحديث مع مغلقي التفكير ومحدودي الرأي، تجد أنك مكبل بالأغلال مصفدا بالسلاسل لا تستطيع أن تبرح من زنزانتك الفكرية، ولو حاولت ستجد الجلاد جاهزا لضربك وتكميم فيك، لذلك حاول ألا تناقشهم ولا تزاورهم في زنزانتهم، ففي حقيقة الأمر حينما كنت في مصر فترة العلم والدراسة جلست مع شخصيات فكرية من خلال الصالونات الثقافية سعدت بالحديث والنقاش وغمرتني بفيض المعلومات والآراء حتى ساعات متأخرة من الصباح، ولكن البعض منهم يعيش حالة نفسية بين الإيمانية واللإيمانية، بينما جلست مع الفئة الأخرى وهربت سريعاً بسبب السواط الذي لمحت بريقة على جلدي وجسدي..!!.
** لكم ذكرى رياضية مع النجم الأرجنتيني دييجو مارادونا هل تطلعنا عليها؟
_حكايتي مع أسطورة كرة القدم وأسطورة التانجو مارادونا تعود لعام 1987م، حينما جاء إلى ناد الأهلي؛ لمشاركتنا احتفالية اليوبيل الفضي بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس نادي الأهلي الرياضي، وكنت يومها لاعباً في (فريق شباب النادي) وأقيمت مناورة بين الشباب والفريق الأول للاستفادة من حضوره وقدومه، ولعب الأسطورة معنا في فريق الشباب، حينها فزنا على الفريق الأول ولم يقبل هذا الفوز!، ولعبنا في اليوم التالي مناورة تحدي استطعنا التغلب على الفريق الأول المدجج بالنجوم الكبار، وكانت مناورة ساخنة لا يمكن لأحد من جيلي أن ينساها، فأنت تلعب مع أسطورة كرة القدم، وأذكر يومها قال لنا ماردونا بلسان المترجم: “حينما تصلكم الكرة كل ما عليكم فعله ركل وتمرير الكرة نحوي، ثم دعوا الأمور تسير من تحت أقدامي”، فكانت أقدامه أفضل من تصنع الأهداف والهجمات، مارادونا حالة كروية عالمية لا تتكرر، حقيقة تشعر وأنت تلعب مع هذا النجم بأنك ذو ثقة وتميز داخل الملعب، ويحسب لك الخصم ألف حساب، وهذا شعور يتوغل في النفس لا يعرفه ولا يشعر به إلا كل لاعب لازم ولعب مع نجم عالمي، ولا أنسى في تلك الزيارة أن مارادونا منحني قميصه في المباراة، وكنت سعيداً وفخوراً بهذا القميص، وفي اليوم التالي من المباراة الودية التي ضجت بها أرجاء الوطن مع الفريق الدنماركي بروندبي، والتي انتهت بفوز فريقنا بنتيجة (5-2).
وأتذكر أيضاً في اليوم الثاني مباشرة صادف أن هناك مباراة في دوري داخلي بالمدرسة، وأنا في الصف الأول الثانوي، وكنت حينها مرتديا قميص مارادونا، فكان كل من في المدرسة حضر المباراة من مدرسين وطلاب، واختلط فيها الحماس والتشجيع والمنافسة وصفق الجميع لفريقي، وكنت أسمع أصوات وصراخ الطلاب “مارادونا..مارادونا..مارادونا”، حينها أنتابني شعور بالفخر وتوغل في ذهني وكأني أنا النجم الأسطورة وأنا أسمع ترديد الطلاب الصاخب والصراخ والكل يحاول أن يصافحني ويهنئني بالفوز، كنت بهذا القميص حديث المدرسة والطالب المدلل المشهور، واشتهرت بهذا القميص التاريخي وجعلني نجم وحديث المدرسة برمتها.
ومن المواقف الطريفة التي لا يمكن أن أنساها بسبب هذا القميص أنني لم أحتفظ بالقميص من بعد ذلك اليوم، فبعض أصدقائي طلبوا مني استعارة القميص وارتداؤه حتى جاب مكة ومدن المملكة، ولم يرجع لي القميص، فقد اختفى وضاع وسلب مني..!!
وإضافة إلى المواقف الجميلة والرائعة والطريفة مع الأسطورة مارادونا أنه منحني حذائه في آخر مناورة بالنادي، ولكن بكل براءة وسذاجة وقلة خبرة ومعرفة أعدت له حذائه وأخبرته بأنه ليس على قياس قدمي..!، فضحك الأسطورة ولم يعلق، ولم أفهم حينها بأنه منحني كنز ثمين؛ لأن ثقافة الاحتفاظ بمقتنيات النجوم تكون بعد مرور الزمن ذات قيمة وتجارة رابحة تدر لك الثراء والغناء والثروة..!!.
** لعبت مع فريقي الأهلى والوحدة.. ما الفرق بين التجربتين؟
_تجربتي مع نادي الأهلي لا يمكن قياسها ومقارنتها بأي تجربة، فحينما تلعب في نادي مثل الأهلي في ذاك الزمن فأنت لاعب تفخر بنفسك وتعتز بها وتتشرف بأنك ضمن هذه الكوكبة من النجوم التي تحصد البطولات وتمتلك هذا الموروث التاريخي للبطولات والإنجازات، حتى ولو كنت لاعباً في الفئات السنية، فأنت قريب جداً من هذه الكوكبة فتأخذ منهم النصيحة والخبرة والتجربة وتسمع أصوات الجماهير تذكر اسمك ويحفزونك والكل يتمنى لك التوفيق في ظل هذه البيئة الرياضية الإيجابية، في نادي الأهلي كل شيء نطلبه مستجاب من ملابس وأطقم وأحذية، وكان جميع اللاعبين يرتدون زي موحد أثناء التمرين، ولم يكن هذا التقليد متعارف عليه في ذاك الوقت، فالأهلي سبق عصره ويظل الأول في كل شيء مع احترامي للجميع.
أما عن تجربتي في الوحدة فرسان مكة، فكانت الحكاية والبداية من دورة المصيف في الطائف، فهي النواة الحقيقية للتجربة، فقد كنت مشاركا في البطولة مع فريق الأهلي حينها بفئة الشباب وكانت البطولة مغلقة أو مجمعة فجميع الفرق في معسكر واحد بمدينة الملك فهد الرياضية، وخلال المعسكر تعرفت على العديد من لاعبي الأندية المشاركة، وبحكم إقامتي في مكة المكرمة كنت ميال لمجالسة لاعبي الوحدة كوننا ننتمي إلى ثقافة واحدة، ومن كثرة الجلوس معهم لأننا في بطولة ومنافسة، من هنا بدأت علاقتي الأولى بالكابتن عبدالله خوقير وبعض نجوم الوحدة، أذكر يومها طلب مني خوقير أن ألعب في النادي وكأنه وضع البذرة في قلبي، وبالفعل بعد التنسيق اتصلت على الكابتن عبدالله خوقير وأبديت رغبتي باللعب معهم ورحب بي، وبالفعل ذهبت للوحدة وأستقبلني الأستاذ دخيل عواد الأحمدي مدير الفريق_ آنذاك _، وقال لي يومها: أنت الآن في بيتك الأول، ولعبت معهم ولكن للأسف ظهرت لي إصابة في العضلة الضامة أجلستني شهرين وحرمتني من ممارسة الكرة، ثم خضعت للعلاج الطبيعي في نادي الوحدة وعدت بعدها للفريق، وإن كانت الفترة قصيرة ولكن كانت فترة عميقة تركت أثراً في قلبي لليوم، اكتسبت منها تجربة الروح، فكان الجميع يعيش أجواء الأسرة الوحدة والقلب الواحد، لذلك اندمجت في الفريق سريعاً وكأني معهم من سنين،ومازلت أعيش معهم العلاقة الأخوية حتى اليوم، عكس النادي الأهلي فقد كنت أعيش في عزلة ومنفرد وكأني غريب بينهم لا أعلم سر وسبب هذا…!؟، وأؤكد لك أن فترة تعايشي ولعبي مع نجوم الوحدة كانت ولازالت جذورها باقية حتى اليوم، فنحن نلتقي بشكل مستمر ودائم رغم ابتعادي بسبب الدراسة خارج الوطن.
ولا يفوتني هنا ان أشكر رابطة قدامى الوحدة وعلى رأسهم الأستاذ دخيل عواد الأحمدي رئيس الرابطة على الاحترام والتقدير الذي أحظى بهما وضمي في الرابطة، رغم أن تاريخي في النادي محدود وقصير، إلا أنهم يغدقوا لي بفضلهم وأخلاقهم الرفيعة وسعة قلوبهم ورحابة نفوسهم، فأنا ممنون لهم بالشكر والوفاء والعرفان وأعبر عن سعادتي بهم على الدوام.
** هل من كلمة أخيرة لضيفنا الفاضل؟
_كلمتي في هذا المقام أشكر جزيل الشكر فضيل تفضلكم بطرح هذه الأسئلة التي تشعر بأنها سهلة ورشيقة، ولكن حينما تبدأ وتفتش عنها تجدها صعبة وعميقة وتحتاج للتدبر والتركيز، وهذا يدل على عمق المحاور وتمكنه وقدرته على استخراج مكنونات ظلت حبيسة الأعماق، وسعدت جداً بهذا الحوار الشيق، وفي الختام أقول كل عام وأنتم بخير ووطننا في خير وأمن وأمان ويكفينا شر الأعداء ورمضان كريم.







السلام عليكم ورحمة الله وبركاته-
كالعادة … محاور رائع ينتقي اسئلته لتحقيق اكبر استفادة يستسقي منها القارئ عصارة تجارب الضيف ، وضيفكم الراقي افاض على القارئ من تجارب الحياة وفلسفته لها.
دمتم بكل خير وادام عليكم الله توفيقه🌹