المقالات

الحقيقة يجب أن تُقال

كثيرون من المفكرين والصحفيين العرب عبروا عن وجهة نظرهم إزاء الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل على غزة منذ يوم السابع من أكتوبر 2023، على إثر هجوم حماس المفاجئ صباح ذلك اليوم على بلدات غلاف غزة وقتلها ما يربو على 1200 إسرائيلي، وجرح المئات وأسر أكثر من مائتي أسير.

البعض لم يخف امتعاضه من هجوم حماس؛ كونه تسبب في قتل آلاف الفلسطينيين (منهم أكثر من 2500 طفل)، وهدم أكثر من ثلث منازل غزة على رؤوس ساكنيها، وتهجير أكثر من مليون فلسطيني من شمال غزة إلى جنوبها، وقطع إسرائيل الماء والكهرباء والوقود والطعام عن القطاع كعقاب جماعي على سكان القطاع، وهكذا حمل “هذا البعض – مسؤولية الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تشهدها – وما تزال- غزة على حماس. كل زعماء الغرب انبروا للدفاع عن إسرائيل رافعين شعار “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وقام رؤساء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بزيارة إلى إسرائيل للإعراب عن تضامنهم معها، وتوجهت “حاملتا طائرات أمريكيتان” إلى الشواطئ الإسرائيلية للتدخل عند اللزوم، وفتحت واشنطن جسرًا جويًا لإمداد الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل، وتخطى حجم الدمار الذي حل بغزة بعد أسبوعين من القصف المتواصل حجم قنبلة هيروشيما (1200 طن متفجرات)، فيما لا يزال القصف الإسرائيلي الوحشي متواصلًا حتى الآن، بعد أن رفض مجلس الأمن ثلاثة مشاريع قدمتها روسيا والدول العربية لوقف إطلاق النار؛ لإعطاء الفرصة لإسرائيل للإجهاز على المقاومة الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين.

البعض الآخر يرى أن رد الفعل الإسرائيلي الانتقامي جاء بشكل مبالغ فيه، وأن ما قامت به “حماس” يوم السابع من أكتوبر لا يُشكل واحدًا من ألف من الممارسات القمعية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ ثلثي قرن بشكل متواصل، وأن العدوان الإسرائيلي المتواصل والإرهاب الإسرائيلي يمارس ضد الشعب الفلسطيني قبل أن تظهر حماس بسنين طويلة، وأن حرب إسرائيل الراهنة على غزة ليست الأولى، بل الخامسة، وفي الحروب الأربعة السابقة مارست إسرائيل نفس نوع الإرهاب الذي تمارسه الآن، فأبادت أسرًا غزاوية بكاملها، وهدمت آلاف المنازل على رؤوس أهلها، وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ، وقصفت المستشفيات والمدارس والمساجد والمدارس. كما يرى هذا البعض أيضًا أن الدفاع عن النفس هو حق فلسطيني بالدرجة الأولى، وأن ما قامت به حماس يوم السابع من أكتوبر هو حق تتمتع به المقاومة تلقائيًا تحت بند حق مقاومة الاحتلال بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وقبل ذلك بموجب الشرائع السماوية، وأن “ضربة حماس” جاءت بعد نفاد صبر الفلسطينيين إزاء الممارسات اللا إنسانية التي تقوم بها إسرائيل والمستوطنون، واقتحامات المدن والمخيمات والمسجد الأقصى والقتل والاعتقال اليومي الذي تُمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

ربما أن الخطأ الإستراتيجي الوحيد الذي ارتكبته حماس هي أنها راهنت على موقف إيران وحزب الله والحوثيين، لكن خسارة حماس لهذا الرهان لا بد وأنه علمها درسًا ينبغي ألا تنساه.

ثمة ملاحظتين جديرتين بالأخذ في الاعتبار على هامش حرب غزة التي لا بد وأن ينتج عنها واقعًا سياسيًا جديدًا : فشل الإعلام الغربي في تمرير أكاذيب لم تلبث أن اكتشفت وجاءت في صالح الفلسطينيين، مثل ادعاء الرئيس بايدن بأن حماس قطعت رؤوس أطفال إسرائيليين، ثم تراجعه عن هذه الكذبة التي ما زال البعض يروجها، وتشبيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حماس بداعش حتى جاءت تلك المسنة الإسرائيلية (85 سنة) التي أشادت بموقف حماس الإنساني معها، وترافق ذلك مع المظاهرات المليونية التي عمت أرجاء أوروبا والولايات المتحدة انتصارًا للمقاومة الفلسطينية. الملاحظة الأخرى: الموقف العربي الموحد إزاء دعم غزة والفلسطينيين، وهو الموقف الذي قادته وتقوده المملكة العربية السعودية والأردن ومصر، وهو ما تمثل بتصريحات مسؤولي تلك الدول الثلاث وعلى رأسهم سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدءًا من رفض إدانة حماس، ودعم جهود وقف إطلاق النار، والعمل على إيجاد ممرات آمنة، والرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين، ودعم صمود أهالي غزة. كما جاء موقف تلك الدول في الأمم المتحدة والقمم والمؤتمرات الصحفية انتصارًا كبيرًا لقضية الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والحياة والعيش الكريم وإقامته دولته المستقلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com