في العِقْد الأخير من القرن العشرين، نشطت الدراسات التي تكشف الارتباط العضوي بين العقل والدماغ حتى سُمِّي (عِقد الدماغ)، وتم عقد مؤتمر يضم مختلف التخصصات العلمية التي لها علاقة بالعقل أو بالدماغ البشري، وقد ضم المؤتمر متخصصين في الفلسفة وعلماء من علم النفس ومن الطب النفسي، ومن علم الأعصاب ومن علم الرياضيات ومن علم اللغة، ومن علم الكومبيوتر، ومن علم الوراثة ومن علم الاجتماع، ومن علوم معرفية أخرى ذات علاقة بالنفس البشرية أو بالدماغ أو بالعقل.
وقد تباينت تعريفاتهم للعقل بمقدار تباين التخصصات؛ فمنهم من اعتبر العقل نظام تشغيل، ومنهم من اعتبر العقل نشاط الدماغ إلى غير ذلك من التعريفات ثم اتفقوا على تعريف العقل بأنه: (عملية مُجسدة وارتباطية تضبط تدفق الطاقة والمعلومات).
مع تعريف الطاقة بأنها القدرة على تنفيذ حركةٍ ما…. أما المعلومات فهي أي شيء يرمز إلى شيءٍ غير نفسه.
يقول الطبيب النفسي دانيال سيغل:
(إن معرفتنا بأن عقولنا تضبط تدفُّق كل من الطاقة والمعلومات: تُمَكِّننا من إدراك حقيقة هذين الشكلين من التجربة العقلية)، وهذا التصور يُتيح التعامل ببصيرة مع ظواهر العقل ونشاط الدماغ.
وبعد هذا المؤتمر الذي ضم مختلف فروع العلم التي لها علاقة بالدماغ وبالعقل أنشأ الدكتور سيغل (معهد التبصر العقلي).
كما أصدر عددًا من الكتب للتوعية بطبيعة العقل وآخر كتبه، وأهمها هو كتاب (عقلك طبيبك)، وهو مترجم إلى اللغة العربية.
الشيء المفاجئ ما صرح به في كتابه؛ فهو يُحاضر على مستوى العالم عن العقل والدماغ، وقد فوجئ بأن المتخصصين في علم النفس وفي علم الأعصاب، وكذلك الأطباء النفسيين لم يتناولوا بالدراسة طبيعة العقل الذي هو محور اختصاصهم.
فخلال ثلاثة أرباع القرن العشرين، كان الاتجاه السلوكي مهيمنًا على الجامعات ومجال الدراسات النفسية؛ فكان التركيز فقط على السلوك؛ لأنه قابلٌ للقياس أما العقل ذاته؛ فكان خارج مجال الاهتمام.
إن هذا التحوَّل الجذري نحو التركيز على دراسة العقل بعد أن كان مهملًا تمامًا يؤكد بعض نقائص التعليم كما يُبين تقلبات الاتجاهات العلمية ونقائص المعرفة البشرية حتى بعد كل الاكتشافات العظيمة التي زودت الإنسان بالبصيرة والمعرفة الموضوعية.
