الحماقة تعني التصرف الأخرق الناتج عن ضعف العقل وقلة التمييز بعيدًا عن الحكمة، الذي يصل بصاحبه إلى سوء التصرف. ومن خلال هذا يحضرني سوء التصرف من حماس يوم السابع من أكتوبر قبل ما يزيد على خمسة عشر شهرًا، عندما لعب القط في شنبات الأسد وحصل ما حصل طيلة هذه الفترة من دمار في المكان وقتل في السكان، حتى وصلوا إلى النصر المزعوم عبر اتفاق مشؤوم. وإن فرح به الأبرياء، فقد غفل عن مخرجاته الأغبياء الذين تحدث باسمهم خليل الحيّة، رئيس حركة حماس في غزة ورئيس الوفد المفاوض، الذي خرج من جحره وألقى كلمة أمام شاشات القنوات الفضائية والفضائحية، وهو يتشدق بما يراه نصرًا لحركة حماس في هذه الحرب غير المتكافئة بأي حال من الأحوال.
يمتدح فيها من دفعهم لهذه الحرب وتخلى عنهم من البداية، ممثلة بإيران، ويشكر الحيّة أذرعها المشلولة حاليًا، والمتمثلة في حزب الله، إن صحت التسمية، والجهاد والكتائب وغيرها من الحركات المصنفة دوليًا بالإرهاب. وتغافل عن الدول التي تدعو للسلم ولقيام الدولتين، وتدعم ماديًا ومعنويًا كل الجهود الدولية عبر مجلس الأمن وجميع المنظمات الدولية المعتمدة لأن ترفع إسرائيل يدها عن كل شبر من الأراضي، سواء في فلسطين أو سوريا، وتعود لحدود ما قبل عام 1967م، وعلى رأسها السعودية العظمى بأفعالها واهتماماتها بالقضية الفلسطينية من عام 1948 وحتى اليوم وغدًا، ولن تتوقف عن دعم إعادة الحق وفق الشرعية الدولية. ولكن الحيّة، الذي له من اسمه نصيب، لم ينطق ببنت شفة تشفع له ليذكر بها فيشكر، بل كان حديثه منصة جديدة لانطلاق آلة الحرب من جديد. وهو وأمثاله يغردون كالعادة خارج السرب الفلسطيني الذي يتلقى الويلات، وهم ينعمون بكل وسائل الحياة والرفاهية خارج فلسطين.
وهذا ما حدث ليلة عرس الاتفاق، حيث سارعت إسرائيل بعودة غاراتها لتقتل المئات، ومثلهم من المصابين، كمقبلات للاتفاق الذي يبدأ حسب خطته الثلاثية في أول مرحلة منه يوم الأحد القادم بتاريخ التاسع عشر من يناير 2025م، بعد تصفية ما تبقى بالقصف.
وكما ورد في الاتفاق، سيبدأ بتبادل الأسرى، والحظوظ ستكون لأول خمس مجندات إسرائيليات وفق برنامج التبادل بالأحياء والرفات. وبالتأكيد هنا نحسب المكاسب بالأرقام، فقد تطلق إسرائيل ألفًا أو أكثر من الأسرى الفلسطينيين مقابل العشرات لديها. ويتناسى الحمساويون أن في سجون العدو آلاف الأسرى، بعضهم قضى عشرات السنين. وأن من ستطلقهم إسرائيل في الصفقة هم من أسرى هذه الحرب، وإن أطلقتهم اليوم فسوف تعود لما بدأت به.
الاتفاق الذي حدث لن يبلغ مدته مدة الحرب نفسها، وأجزم بأن هذا الاتفاق لن يصل أرنبة أنف ما قد يراه الفلسطينيون الأبرياء الذين تجرعوا مرارة هذه الحرب، التي لم تتوقف نارها حتى والوسطاء يقومون بمهمتهم. لأن نتنياهو يريد الخروج بأقل الخسائر السياسية، وقد لا يوقف آلة الحرب حتى لا تتحقق دعوة محاسبته.
أما بايدن وترامب، وهما يتنافسان على كعكة الفضل في إنجاز الصفقة، فلن يستطيعا حمايته من الغضب البرلماني الإسرائيلي، بسبب الإخفاق الذي منيت به استخباراتهم وقوة الردع التي باءت بالفشل، وإن كانت قد أعملت آلة حربهم في الفلسطينيين الذين ذهب ضحية هذه الزعرنة الحمقاوية الحمساوية عشرات الآلاف، ومثلهم من المصابين، وأضعافهم من المشردين والنازحين.
فضلًا عن تدمير ما يزيد على 80% من غزة المنكوبة، التي تحولت إلى مقابر جماعية بمن داخل مبانيها المدمرة بالكامل، وتحولت إلى مدينة أشباح تحتاج إلى تجريف كامل وبناء لبنيتها التحتية التي تنعدم فيها جميع مقومات الحياة والبناء. بل ودمرت فيها المستشفيات والمدارس وجميع ما يتعلق بخدمة المجتمع، الذي قد يعود لها وكأنها من كوكب ثانٍ غير الأرض.
أعتقد، بل أجزم، أن إسرائيل ستلتفت بعد غزة إلى الضفة الغربية، وأنها ستفصل غزة بجدار ومنطقة حامية تقضم جزءًا منها. وأن إسرائيل، ومن خلال دعوات المتطرفين بها، ينادون باستمرار الحرب ضد الفلسطينيين، وأن التضييق سيكون أكثر من ذي قبل على الفلسطينيين في جميع مناحي حياتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وجميع مقومات الدولة العصرية لن تكون في ظل هذه النوايا السيئة من العدو وفي ظل هذه القيادات الحمساوية التي تصرح بالنصر زعمًا، مما يحرض البسطاء على القيام بمناوشات قد تلتهم ما تبقى من ماء وجه من يقف وراء هذه الحروب بالوكالة، ويغرق فلسطين وسكانها في أتون حرب لا تكافؤ فيها، لا بشريًا ولا عسكريًا. ومع أنهم يعلمون، لكنهم لا ينتهون، وهم يعلمون أن الحرب لن تنهي القضية بقدر ما تكون الحلول السياسية السلمية أفضل.
ولو تذكرنا ما قبل السابع من أكتوبر، حينها كان الجميع يعيشون بدون منغصات، رغم ما يحصل بين إسرائيل وحماس وبعض الأذرع الإيرانية من مناوشات.
والعالم يعلم علم اليقين أن الأيدي تتصافح تحت الطاولات في الخفاء وتتعارك في الظاهر، إلا أن هناك خطوطًا صفراء تمنع إسرائيل من بتر اليد التي تناوش، كما هو الحال مع إيران ومفاعلاتها النووية، قياسًا بما حصل للعراق عندما نسفت مفاعلاتها النووية بأمر من الغرب وتنفيذ من إسرائيل.
انعطاف قلم:
لن يكون هناك سلم دائم، ولن يتحقق النجاح لهذا الاتفاق، لأن هدف إسرائيل واضح وأهداف حماس مبهمة. لأن طوفان الأقصى لن يتكرر، وأن إسرائيل ترى الصفقة فقط لعودة أسراها، ومن ثم ستعود لما بدأت به واستمرأته بدعم الغرب وخونة من بقي من الفلسطينيين من بني جلدتهم، أمثال الحيّة.