المقالات

الإرجاف والمرجفون

الإرجاف سلاح فتّاك مدمر للأمن ومنافٍ للنظام، يقوم على نشر الشائعات وإثارة اللغط وبث الذعر والخوف في المجتمع ليجد الإرهاب فرصته وتتشكّل خلاياه. وهو أشد فتكًا من الإشاعة؛ لأن الإشاعة عامة تشمل نقل جميع الأخبار، حسنها وسيئها، أما الإرجاف فهو يهدف إلى نقل الأخبار السيئة فقط.

وعادةً ما يكون هناك أتباع ناقلون ومروّجون واهمون يتبعون كل ناعق، ويروّجون لكل شائعة، مما يؤدي إلى إثارة الفتن والاضطرابات ونشر الفوضى، بدواعي ظاهرها الشفقة على المجتمع وباطنها الدعوة إلى التمرد والعصيان بحجة ضعف الدولة والخوف من المستقبل.

وفي المقابل، يقوم هؤلاء بتعزيز قوة العدو وإمكانياته وتمكينه، في سعيٍ منهم إلى إشعال «الحرب النفسية» التي تبدأ بنقل الإشاعات دون تثبت، ومحاولة إسقاط الرموز وعدم توقير العلماء، والتخلي عن القيم، واستخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في غير مواضعها، وتشويه سمعة الأجهزة الأمنية.

ثم يتعمدون الحديث بكثرة عن الفساد والفاسدين والانحراف والمنحرفين، ليوهموا السامعين بأن الثابتين على الحق قليلون، وأن الانهيار قريب. مع أنهم دائمًا يتحدثون بما لا يعرفون، ويخطئون في تحليل الأحداث، ويشوّهون قراءة الواقع، ويتعمدون تزوير التاريخ.

لذلك، فإن المرجف يتفنن في تضخيم الأخطاء وتعظيم الزلات، ويبدع في وصف الداء، لكنه لا يبالي بوصف الدواء. يركز على السلبيات ويتجاهل الإيجابيات، ويتعمد تجييش المجتمع والإخلال بالأمن وتفتيت اللحمة الوطنية.

ويهدف الإرجاف إلى هدم أسس السلطة، بدءًا بالقضاء، ثم المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والتنظيمية والتعليمية، والجيوش والأمن، وصولاً إلى النخب والمفكرين والاختصاصيين، وانتهاءً بالتجارة والاقتصاد، بهدف فقدان الثقة في الحكومة وأصحاب القرار.

كما يهدف إلى اختراق البعد الاجتماعي والثوابت والقيم، وصولاً إلى الدائرة الأقرب، وهي الأسرة والعلاقة بين الزوجين وأبنائهم. وهذا يؤدي إلى اختراق العمق الاجتماعي، وتحول الشك إلى أحاديث في الشوارع والمجالس، ولدى الصغار والمراهقين، حتى يتضخم الإرجاف ويكتسب امتدادًا واسعًا في المجتمع.

والمعروف والمؤكد أن الإرجاف ينتهج الكذب والافتراء على ولي الأمر، وتهميش وتسطيح العلماء، والتحقير من الإنجازات والمكاسب الثقافية والحضارية، في محاولة قذرة من المرجفين لزعزعة ثقة المواطن في وطنه وولاة أمره. وهذا يؤدي إلى التأثير على المواطن والمقيم والمستثمر والسائح والمتعاقد، بهدف انتشار الفوضى والإخلال بالأمن.

ترى المرجفين يحتفلون بأدنى نجاح للآخرين، ويتغافلون عمدًا عن كل نجاح تحققه دولتهم ورجالها. يصدرون الإشاعات والأكاذيب، ويرددون ما يأتي منها من الخارج بحماسة منقطعة النظير، ثم ينشرونها على طريقة: “إذا سمعوا أمرًا من الخوف أذاعوا به”.

ختامًا، يجب الحذر من هؤلاء المرجفين، خونة الأوطان وشذاذ الآفاق، الذين يتلذذون بمصيبة مجتمعهم وأهلهم وذويهم. كما يجب الإبلاغ عنهم والتوعية بخطرهم، وسيبقون مثالاً للخيانة وأضحوكة للأجيال.

وسيبقى الوطن شامخًا في ظل قيادته الحكيمة، واقتصاده المزدهر، ومجتمعه الحيوي، وشعبه الوفي، متفقين جميعًا على عظمته وإجلاله والحفاظ عليه.

• كاتب رأي ومستشار أمني

عبدالله سالم المالكي

كاتب رأي - مستشار أمني

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كما عهدنا الاخ الكريم عبدالله يتحفنا بكل جديد ويصب في خدمة بلاد الحرمين أعزها الله وأدامها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى