دخل النادي الأدبي بمحافظة جدة النصف الثاني من القرن باعتباره أقدم نادٍ أدبي رسمي في المملكة، بعد احتفائه العام الماضي بمرور خمسين عامًا، وافتتاحه لملتقى النص في نسخته العشرين بالتعاون مع جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة، التي استعرض فيها الباحثون المشاركون موضوعًا ذا صلة تمثل في “الخطاب الأدبي والنقدي في النادي وقراءات ومراجعات في منجز المرحلة”. وفي تلك النسخة تم تكريم شخصية بارزة في مكانتها وموقعها على خارطة الثقافة والتعليم الأكاديمي، وهو المغفور له بإذن الله الدكتور عبد الله المعطاني، نظير إسهاماته الثقافية والأدبية وعلو كعبه على الساحة الاجتماعية والرسمية، والذي أجمع السواد الأعظم على أن تكريمه كان بعناية فائقة، ولم يمضِ طويلًا حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى – يرحمه الله. وكان ذلك الملتقى، حسب كلمة رئيس النادي سعادة الدكتور عبد الله السلمي، يمثل ثلاثة محاور تشمل الاحتفال باليوبيل الذهبي، واستمرارية إقامة الملتقى عشرين عامًا، إلى جانب تكريم الرموز الوطنية الذين كان لهم إسهاماتهم في إثراء الحركة الثقافية في المملكة.
وبالرغم من الصعوبات المادية التي واجهت النادي الأدبي الثقافي بجدة كغيره من الأندية الأدبية، التي تحولت ملتقياتها من الحضوري إلى التقني الافتراضي عبر التواصل المرئي، إلا أن سعادة الدكتور عبد الله عويقل السلمي، رئيس النادي، استطاع التغلب على هذه الصعوبات التي تذللت بعلاقاته الشخصية. وجعل الرقم “21” الذي يحمله هذا الملتقى حضوريًا، إذ قد يكون الرقم الصعب في الأعوام القادمة. فضلًا عن أن اختيار موضوع الملتقى يشكل نقلة نوعية لمسيرته التي حفلت بمئات أوراق العمل والدراسات البحثية والعناوين الجاذبة التي شارك فيها نخب من المتخصصين، الذين أثروا المشهد الأدبي والثقافي بوجه عام بالمفيد والمزيد. وكان الملتقى طيلة سنوات نضجه يحتفل برموز نحسبهم ممن كان لهم بصمات واضحة على الساحة الأدبية المحلية والإقليمية والعربية، وهو أمر يحسب للنادي، حيث يحتفي بهؤلاء الرموز على هامش الملتقى، كما هو هذا العام الذي سيكون تاج الرمز الأدبي فيه الأديب محمد القشعمي، بما يحمل من سمات الوصف للسيرة والمسيرة التي ستظهر خلال الافتتاح بالصوت والكلمة والصورة.
إن اختيار النادي، من خلال اللجنة العلمية، لموضوع هذا الملتقى بعنوان “التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية”، يعتبر أيضًا تميزًا في نسق أدبي غير مطروق على الأقل في مضمار الأندية الأدبية. ربما لأن العملية التبادلية بين التاريخين لم تنفك عن بعضهما البعض، بقدر ما أن استلال خيوط المعرفة من أفواه الرواة القدامى والمعاصرين وخلق فضاءات بينهما تاريخًا وعمرًا يعطي السرد مصداقية أكثر. باعتبار هؤلاء المتحدثين شفاهية هم شهود مرحلة وأكثر شفافية لنقل ما هو محور الحديث عنه في جميع الأنساق الأدبية. شهود الساحة، وأن الاستعانة بهم يعتبر أمرًا يمد جسور التعاطي مع الماضي والحاضر لخلق أجواء من القراءات النقدية من جهة، والسردية من جهة أخرى. ولعل هذا التجسير يؤصل للكتابة وفقًا للتعزيز الذي يبعد الشكوك عن مصادر هذه النقولات التي وصلت للقارئ عن طريق النصوص الناضجة.
تسعة محاور سيتناولها الباحثون المشاركون في هذا الملتقى، كلها تصب في اعتماد الشفاهية كمصدر يُعَوَّل عليه في كتابة التاريخ الأدبي. ولم يغفل الملتقى عن الربط بين النص الأدبي والحرف اليدوية، وهو ربط غير مسبوق. نتمنى لهذا الملتقى كل التوفيق والشكر للراعي الرسمي، رجل الأعمال الشيخ سعيد العنقري، الذي سهل مهمة انعقاده حيًا حضوريًا بعيدًا عن الزوم المشؤوم ثقافيًا.
انعطاف قلم:
الأربعاء القادم سينطلق مهرجان ذي المجاز الشعري بنادي مكة الأدبي الثقافي بحضور سيكون لافتًا. نتمنى له التوفيق والنجاح في ظل جهود القائمين عليه، وعلى رأسهم سعادة الدكتور حامد الربيعي، رئيس النادي، ومعاونيه.
قرأت نصا راقيا من إعلامي بارز له اليد الطولى في النوادي الأدبية الدكتور عبدالله غريب وهو هامة شامخة في سماء ثقافتنا الراقية .