همس الحقيقة
بعد مشاهدتي للحفل العالمي “جوي أوورد” الذي أقامته الهيئة العامة للترفيه مساء يوم السبت الماضي، وذلك للسنة الثانية على التوالي، تداعت إلى ذاكرتي مجموعة من الذكريات الصحفية التي صاحبت مشواري الصحفي، حينما كانت اهتماماتي تدور في عالم الفن والفنانين منذ عام 1979، أي قبل موعد ميلاد معالي رئيس هيئة الترفيه المستشار تركي آل الشيخ بسنتين أو ثلاث.
دامت هذه العلاقة حتى عام 1993، ثم انتقلت إلى المجال الرياضي مشرفًا على صفحات “رياضي” في ملحق الأربعاء الذي تصدره جريدة “المدينة المنورة”. بعدها تم انتخابي بالتزكية رئيسًا للقسم الرياضي بجريدة “المدينة”. وهذه المرة الثانية التي يحدث فيها ذلك معي؛ فعندما تم تعييني مشرفًا عامًا على الصفحات الفنية بنفس الجريدة، تم انتخابي غيابًا من مجلس إدارة المؤسسة بالتوافق مع مجلس إدارة التحرير.
مع بدايتي الصحفية في عام 1979، كنت محررًا ومديرًا لمكتب جريدة “البلاد” بمدينة الطائف. ومن بين ذكريات تلك المرحلة الجميلة، استثمرت وجودي بالقاهرة لأجري عدة حوارات مع بعض الفنانين، يأتي في مقدمتهم عميد المسرح العربي يوسف وهبي، الذي استقبلني في قصره الفخم.
ومن بين جزيئات ذلك الحوار، الذي نشر على صفحتين وأعجب به الزميل هشام عرب، المشرف العام على صفحات الفن بجريدة “البلاد”، سؤال وجهته للباشا يوسف وهبي عن رأيه في الفن السعودي ونظرته المستقبلية. فأجاب قائلًا إنه مطلع على التطور الذي شهدته الأغنية السعودية، وأبدى إعجابه بالفنانين طلال مداح ومحمد عبده، وأثنى على الحفلات التي يشاركون فيها في مصر. كما أبدى إعجابه بالدراما السعودية، وتحديدًا الفنانين حسن دردير ولطفي زيني، وما يقدمانه من مسلسلات ستساهم في انتشار الدراما السعودية عربيًا.
أما توقعاته المستقبلية، فأكد حينها أن الفن السعودي على مستوى الموسيقى والمسرح والدراما عمومًا سيكون هناك نقلة نوعية مستقبلًا، حيث تنبأ باهتمام أكبر بالمسرح وإنشاء معاهد متخصصة للموسيقى والمسرح. في تلك اللحظة، اعتبرت هذا الرأي من باب المجاملة، وفقًا للواقع الذي كنا نعيشه تحت قيود دينية تمنع تحقيق ذلك. ولم يدر بخلدي أن تنبؤات يوسف وهبي سوف تتحقق يومًا ما، فلقد كان – يرحمه الله – قارئًا جيدًا للمستقبل، حيث أصبح المستحيل حقيقة بعد نصف قرن.
وفي جعبة ذكريات الفن والصحافة، لن أنسى بأي حال من الأحوال أستاذي جلال أبو زيد (مصري الجنسية)، متزوج من امرأة سعودية رزق منها بأبناء سعوديين وبنات. حينما التحقت بالعمل تحت قيادته في صفحة الفنون بجريدة “المدينة”، كانت له مقالات تدعم الفنان السعودي والمواهب الشابة في كافة مجالات الفنون.
في بعض تلك المقالات، كان يحمل آراء جريئة جدًا عبر مطالبات أشبه بالخيال أو الحلم الذي كان من المستحيل بلوغه. كنت أشاركه في عموده اليومي “صباح الخير” تلك الأحلام التي كانت أقرب إلى أحلام اليقظة. كنا آنذاك نجد اتصالات هاتفية وردود أفعال من القراء تشجب وتستنكر ما جاء في تلك المقالات. والأستاذ جلال كان لا يمانع في نشر بعض تلك الردود رغم قسوتها، من منطلق أن من حق القارئ أن يعبر عن رأيه حتى لو كان مخالفًا لآرائنا. وللحديث بقية.