منتدى القصة

قاتل مأجور «قصة قصيرة»

قصَّة قصيرة

لم أتردد قط في قتل إنسان مثلما ترددت في قتل _ما يسمونه_ (مقبول) رغم كراهيتي الشديدة له، ورغم توفر كل الظروف المواتية لتشيعه إلى مثواه الأخير غير مأسوف عليه.
البارحة، علمت إنه مدعو لحفل زفاف لقريبه في قاعة بأحد فنادق الخمسة نجوم. ولكوني على معرفة شخصيّة بكثير من أفراد أسرته، فلم أجد حرجًا من حضور المناسبة فلن يعرف المضيفون بأنني لست مدعوا، لأن (فلانهم) يظن أن (علانهم) هو من دعاني.
رأيته هناك في صدر المجلس متعجرفا كعادته، متباهيا ببشته كالح السواد، ومسبحته الصفراء الفاقع لونها. ضحكاته مجلجلة تستفزني إلى أقصى حدِّ. أرى في عينيه بشاعة كفيلة بتبرير ما أنا بصدد الإقدام عليه أيًّا كانت النتائج.
تذكرت قصَّة (آلن بو) الشهيرة: (القلب الفاضح) حيث قتل بطل القصّة رجلا عجوزا بسبب منظر عينه اليمنى، حدَّثت نفسي: “لو أن البطل رأى عيني هذا المسخ لقتله شر قتلة ودون أن يشعر بتأنيب قلبه، ودون أن يفتضح أمره”.
عزمت على تنفيذ المراد وقلت لنفسي:
“هذه المرة . نعم . لن أتردد مثلما ما فعلت في مرات سابقة دونما مبررات مقنعة”.
جلس بجانبي صديق لي من نفس عائلته. عندما رآني أرجع البصر نحو (مقبول)، سألني:
– فيه شيء؟ ليه تطالع فيه بين حين وآخر. تبغي منه شيء. أكلمه لك . ترى ما يقصر. الرجل خدوم ويساعد بماله وجاهه . الله يخليه لنا.
– لا . لا. شكرا لك.
زاد كلام صديقي من حنقي، وعزز من عزمي على إنهاء الأمر. الليلة ستكون ليلة (مقبول). نعم الليلة وليس القابلة.

تذكرت عدّة مواقف حدثت بيننا. منها أنّه ذات مرة كان يقود سيارته مصادفة خلف سيارتي، وكانت أمامي سيارة متعطلة، اضطرتني للتوقف، ولم ينتبه لها. وظل يضغط على زمور / (بوري) سيارته بشكل مزعج ومستفز وغبي.

تذكرت أيضًا أنني رأيته في إحدى المناسبات … يرقص مع مجموعة من المراهقين والمهايطين على إيقاعات شيلة بائسة الكلمات رديئة اللحن.

لم يطل تفكيري حتى دعينا إلى تناول العشاء في قاعة مجاورة. كان العشاء فاخرا. بوفية مفتوح يتضمن كل ما لذ وطاب من المقبلات والوجبات الرئيسة والحلويات.

بالرغم من أنني من محبي البوفيهات المفتوحة وخصوصا حلى (أمُّ علي)، ألا إنني الليلة، في شغل شاغل عن (أم علي) وصويحباتها الحسناوات. الله لا يشغلنا إلا في طاعته.

جلس على طاولة بالجوار، أمامي مباشرةً. رآني أكثر من مرة، وقع نظره عليَّ. لكنّه تجاهلني من السلام والكلام وحتى من الإشارة والابتسام. ألم أقل لكم من البداية أنّه متعجرف ومتكبر ومغرور. فيه من صفات إبليس الكثير. ظللت بين حين وآخر أصوب نظراتي عليه وحده، وكأن ليس في القاعة غيره. لاحظت أنّه يملأ الأطباق بنهم وكأن الطعام على وشك النفاد، ويأكل منه قليلا ويدعه، وينهض ثانية ويملأ أطباقا أخرى ونفس الموال. تساءلت: “إلى متى يظل هذا العَفِن يسرف ويبذر ولا يقدر نعمة الله ناسيا أو متناسيا أن ما تركه على الطاولة يكفي لإعالة ثلاث أسر فقيرة في مخيمات اللاجئين من جراء الحرب في السودان”.
أخيرا. نهض من على الطاولة. تبعته إلى مكان غسيل الأيدي. تحسست مسدسي كاتم الصوت تحت ثوبي.
تملكني شعور بأنني قاب قوسين أو أدنى من نيل أجر عظيم.

خلف سرحان القرشي

مؤلف ومترجم ومدرب في الكاتبة الإبداعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى