عام

ليتك كنت مكاني

يوم الجمعة 15 شعبان الجاري، دُعيتُ إلى المشاركة في حفل تكريم أقامه اللواء الطبيب عطية الزهراني في ديوانيته بالطائف، شمل بعض رموز قبيلته، وهم أعلام وطن.

وكان من المكرَّمين المؤرخ والجغرافي الأستاذ علي حسن السلوك، مؤلف العديد من الكتب، التي يأتي في مقدمتها كتابه “المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران”، فضلًا عن كتاباته التاريخية والجغرافية في زمن قَلَّت فيه المواصلات وندرت به الاتصالات. وقد ألقى ابنه المهندس زهران كلمة تعريفية به، كانت مؤثرة، بل مؤلمة، عندما قال: “كنتُ أتمنى ألا أكون هنا، وكان أبي مكاني، ليرى ما أرى!”

ثم جاء تكريم الشاعر المعروف، بحتري هذا العصر كما يحلو لمحبيه تسميته، الأستاذ حسن محمد الزهراني، رئيس النادي الأدبي بالباحة، والشاعر الذي فاق أبناء جيله من الشعراء. وقد أناخ لنا الشعر في تلك الأمسية، ليقول لنا: “اركبوا!” ثم حملنا على جناح الشعر والشاعرية، وحلَّق بنا في سماء الإبداع والإمتاع، كعادته.

وقد شارك الشيخ عبد العزيز بن رقوش، شيخ قبيلة بني عامر الأزدية، في تكريم المحتفى بهم، وألقى كلمة لا يقولها إلا الشيوخ، ولا يتقنها إلا الحكماء، وكأنها تفوح شعرًا! ولا غرابة، فهو من سلالة شيوخ يسكنون بني سار، ولهم تاريخ عريق سُجِّل لهم فيه مواقف ذهبية مع الدولة السعودية في جميع مراحلها.

أما مداخلات شيخ قبيلة هذيل، الدكتور والشاعر فهد المعطاني، فكانت ذات بصمات تنشيطية، إذ أضفى بأسلوبه الجذاب، الذي يخرج على النص بسلاسة، أجواءً من المرح والدعابة نالت استحسان الجميع. وقد ساعده في ذلك ما يملكه من ثروة شعرية وثقافية، يتنقل بنا بينها، تارةً عبر الحكم والأمثال، وتارةً عبر الشعر والذكريات، لا سيما مع رفيق دربه في الإصلاح، الشيخ ابن رقوش، وشقيقه معالي الدكتور جمعان، رئيس جامعة نايف للعلوم الأمنية سابقًا.

ولن نتعدى الصواب إذا قلنا إن التكريم من السنن الحميدة، وضرب من ضروب الوفاء لمن يقدم مساهمات إبداعية أو نجاحات استثنائية، طالما ترك أثرًا أو سطَّر خبرًا. وإن كان التكريم غايةً حضارية، فهو أيضًا وسيلة إنسانية، وكل من سار مع الحق وصل.

إن الوطن كرَّم الكثيرين، ولا يزال هناك أعداد كبيرة في طابور الانتظار من مشايخ ومثقفين وعلماء وعسكريين وأساتذة وإعلاميين، الأحياء منهم والمميزين، سواء في مجتمعاتهم أو على مستوى الوطن، ولكنهم منسيون!

ولا أعلم، هل تكريم هؤلاء بعد مفارقتهم الحياة تكريمٌ، أم إحساسٌ بتأنيب الضمير؟! إن للحظات التكريم نشوة لا يستطيع أي أحد وصفها، ولهذا، فمن أصدق الأمنيات ألا يُخصَّص التكريم فقط للأسماء التي تلاصقها عبارة “يرحمه الله”، لأن وردةً تهديها للإنسان في حياته خيرٌ من باقة تضعها على قبره، كما يقول جبران خليل جبران…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى