المقالات

حج 1446هـ: نجاح استثنائي في التنظيم والخدمات يعكس رؤية المملكة المستقبلية

“نظرًا لأهمية الحج في حياة المسلمين، تتوق له أعداد كبيرة منهم، وكان مما يعيقهم المصاعب الكبيرة لرحلة الحج ومشاق أدائه. وعند النظر في أول موسم حج في المملكة العربية السعودية بعد تأسيسها عام 1932م / 1351هـ، نجد أن الأعداد كانت بسيطة، بسبب بساطة التسهيلات والخدمات المقدمة في حينه، إذ كان الحج يتم بجهود رسمية وشعبية، مع بعض المبادرات الأهلية. فكان الحج بسيطًا وتقليديًا في تنظيمه، محدودًا في بنيته التحتية، بتقنيات معدومة، وإدارة حشود غير مركزية، وجهود صحية أولية.

أما اليوم، ومع نجاح حج هذا العام 1446هـ، فنجد أنه حج تم في ظل ظروف متطورة تقنيًا وتنظيميًا، مما يؤكد نجاح المملكة في تحويل الحج من رحلة شاقة إلى تجربة روحانية آمنة وسهلة ومواكبة للعصر. فقد تميز التنظيم بجهود وزارة الحج والعمرة والجهات الأمنية والصحية، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التوجيه والإرشاد، وإدارة الحشود بسلاسة رغم الكثافة العددية.

كما شملت الخدمات الذكية تطبيقات إلكترونية لتسهيل التنقل والخدمات مثل “نسك”، وخرائط ذكية، وروبوتات إرشادية، وتحليلات لحظية للحركة والحشود، وأنظمة تبريد ذكية في المشاعر المقدسة. ونجحت الخطط الصحية دون تسجيل حالات وبائية مقلقة، مع توفير عيادات متنقلة وخدمات طبية متقدمة، والاستجابة الفورية لأي طارئ.

وصاحبت هذه الجهود مبادرات إنسانية واجتماعية مثل “حج بلا حقيبة” و”ضيف الرحمن أولاً”، وتوزيع المياه والغذاء والمظلات مجانًا، مع حسن استقبال الحجاج من جميع الجنسيات. وساهمت المبادرات التطوعية ومشاركة المجتمع السعودي في إبراز روح الضيافة والتعامل الراقي، وقد عزز من هذا النجاح الانطباعات الإيجابية للحجاج والتقارير الإعلامية العالمية التي أشادت بالتنظيم الشامل والبنية التحتية المتكاملة.

لقد أصبح حج 1446هـ ليس مجرد إنجاز سنوي، بل تأكيدًا على التزام المملكة برؤية 2030. وتم تحقيق هذا النجاح نتيجة التخطيط المبكر والاستراتيجي، والجاهزية الأمنية والتنظيمية من وزارة الداخلية، ورئاسة أمن الدولة، والقوات الخاصة، لضمان أمن الحجيج في جميع المشاعر، باستخدام تقنيات متقدمة في إدارة الحشود، ومراقبة المواقع عبر كاميرات ذكية وطائرات مسيّرة، مما يعكس تطور البنية التحتية في المشاعر المقدسة.

كما تحقق تكامل الجهود بين الجهات الحكومية، مدعومًا بالتقنية والتحول الرقمي، وتوفير الخدمات الصحية والوقائية من خلال أكثر من 25 مستشفى و100 مركز صحي في مكة والمشاعر، إضافة إلى التوعية والإرشاد بعدة لغات.

وقد جاء هذا النجاح بمتابعة حثيثة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، لكافة تفاصيل الحج، وبإشراف مباشر من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، رئيس لجنة الحج المركزية.

وكان لالتزام الحجاج بالتعليمات دور مهم في تحقيق النجاح، كما ساهم الإعلام السعودي بدور فاعل من خلال تغطيته الواسعة ونقله للصورة الحقيقية، وتعزيز وعي الحجاج.

إن نجاح موسم حج 1446هـ كان نتاج رؤية واضحة، وإرادة قيادية، وتكامل مؤسسي، ووعي مجتمعي، مما جعل المملكة تقدم نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود وتنظيم الشعائر في أجواء يسودها الأمن والسكينة.

ومن مميزات حج هذا العام أيضًا التوسع في الطاقة الاستيعابية لوسائل التنقل، واستخدام تقنيات متقدمة في خدمة الحجاج، مثل:

  • “تاكسي الحرم الطائر” لنقل الحجاج داخل الحرم.
  • روبوتات متعددة الوظائف لتقديم خدمات الإفتاء والترجمة الفورية بـ 11 لغة، وتوفير الاستشارات الطبية الأولية.
  • السوار الذكي للحاج بمعلوماته الشخصية.
  • مركز عمليات مكة الذكية باستخدام الذكاء الاصطناعي لمتابعة سير عمل المنصات الرقمية.
  • فرض الضوابط التنظيمية لضمان السلامة، وتنفيذ حملة “لا حج إلا بتصريح”.
  • شراكات التعاون الدولي لتنظيم الحج في إطار التعاون مع بعض الدول.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

• عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

• مقيم في الولايات المتحدة الأمريكي

د. فيصل أحمد الشميري

عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بجامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى