
كتب: أحمد كمال
من بلدة صغيرة تُدعى “مالجرات دي مار”، الواقعة على بُعد 30 دقيقة فقط من برشلونة، وُلِد أوناي هيرنانديز في 14 ديسمبر 2004، لأسرة كتالونية بسيطة، والده جوزيب ووالدته راكيل لورينزو. هناك، بدأت أولى ملامح الحلم في التشكل، حين كان طفلًا في الخامسة من عمره يركل الكرة في أزقة البلدة، غير مدرك أن تلك الركلات الصغيرة ستقوده يومًا إلى أحد أعرق الأندية في العالم، برشلونة، ثم لاحقًا إلى الملاعب العربية عبر بوابة الاتحاد.
البداية من مالجرات.. وملامح الحلم الأولى
في سن الحادية عشرة، انضم أوناي إلى نادي جيرونا، حيث شق طريقه الأول في عالم الاحتراف برفقة شقيقه الأصغر أوناكس، الذي يسير على خُطاه اليوم. فلم يكن التوفيق وحده حليف هذا الفتى، بل اجتمع لديه الطموح، والانضباط، والدعم العائلي الكبير، حيث واصل دراسته في مدرسة “فيديرونا” في نفس الوقت الذي كان يطور فيه مهاراته الكروية في أكاديمية جيرونا.
وجاء موسم 2021 ليشكل نقطة التحول في حياته. ففي مباراة لفرق الناشئين بين جيرونا وبرشلونة، لفت أوناي الأنظار بهدف استثنائي، دفع برشلونة إلى مراقبته عن كثب، قبل أن يقرر النادي الكتالوني شراء ما تبقى من عقده مع جيرونا، ويضمه رفقة شقيقه. في 21 يونيو 2022، وقع أوناي عقده مع برشلونة، وفي ظرف أشهر قليلة، وجد نفسه يتدرب مع الفريق الأول تحت إشراف تشافي هيرنانديز.
لم يكن مجرد لاعب شاب آخر يمر من “لاماسيا”، بل قائدًا لفريق “بارسا أتلتيك”، وهدافه الأول بتسعة أهداف وصناعة ثلاثة أخرى في عشرين مباراة فقط، خلال موسم 2023-2024. أرقامه في مجمل مشواره مع شباب برشلونة بلغت 21 هدفًا و12 تمريرة حاسمة في 65 مباراة، حيث أظهر مرونة فنية لافتة، بين أدوار الجناح وصناعة اللعب والتمركز في خط الوسط.

لحظة التحول.. من جيرونا إلى برشلونة
وكانت اللحظة الأجمل في مشواره مع برشلونة حين سافر إلى طوكيو صيف 2023، وشارك في مباراة ودية ضد فيسيل كوبي الياباني، الفريق الذي كان يضم مثله الأعلى منذ الطفولة: أندريس إنييستا. دموع الفرح التي ذرفتها أسرته حينها كانت كافية لتلخيص حجم الإنجاز.
وفي يناير 2025، قرر نادي الاتحاد الاستثمار في الموهبة الإسبانية الواعدة، وضمه إلى صفوفه في انتقال يُظهر رؤية جديدة لدى إدارة “النمور”، بالجمع بين الخبرة العالمية والدماء الشابة. وعلى الرغم من مشاركة أوناي في خمس مباريات فقط حتى الآن، إلا أن حضوره كان لافتًا، بل أثار إعجاب الجماهير والنقاد، الذين رأوا فيه لاعبًا قادرًا على إحداث الفرق.
أرقام واعدة.. ورسالة إلى لوران بلان
أول ظهور له كان في 2 مارس 2025 أمام الأخدود، في مباراة انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق. ثم غاب أمام القادسية، قبل أن يعود إلى القائمة في مواجهة الرياض، ليُعتمد عليه لاحقًا كأساسي في الكلاسيكو أمام الأهلي يوم 5 أبريل، حيث قدم واحدة من أفضل مبارياته بقميص الاتحاد، في لقاء انتهى بتعادل مثير 2-2. وتوّج مشاركته بهدف رائع ضد العروبة، بتسديدة يسارية قوية من خارج منطقة الجزاء، عكست موهبته وثقته بنفسه، ليقود “العميد” إلى فوز مهم بهدفين دون رد.
أوناي، الذي يبلغ من العمر 20 عامًا، يتميز بقدرته على اللعب بالقدمين بنفس الكفاءة، رغم اعتماده الأساسي على اليمنى، ويزن 69 كيلوجرامًا بطول 171 سم، وهو ما يمنحه خفة حركة وسرعة استجابة مثالية في مواقف الضغط. في مشاركاته الخمس مع الاتحاد، لعب 312 دقيقة، بمعدل 62 دقيقة للمباراة، لمس الكرة بمعدل 45 مرة في اللقاء الواحد، وبلغت دقة تمريراته 88%، ونجح في قطع 81% من تمريرات المنافسين، وهي أرقام تؤكد على ثقة زملائه في التمرير له لقدرته على حسن التصرف بالكرة.
ورغم قصر قامته، أظهر شجاعة في الالتحامات الأرضية بنسبة نجاح بلغت 39%، وفي الكرات الهوائية بنسبة 29%. أما على صعيد المهارات الفردية، فمعدل نجاح مراوغاته وصل إلى 29%، وهو رقم مبشر للاعب في مركزه.
اللافت أن لوران بلان، مدرب الاتحاد، لا يزال يحاول اكتشاف النسخة الكاملة من أوناي، الذي برز الموسم الماضي مع شباب برشلونة كجناح هجومي قادر على إحداث الفارق، مسجلًا 9 أهداف وصانعًا لـ3، في 29 مباراة. وهو ما يُشير إلى أن لديه إمكانيات لم تُستغل بعد بالشكل الأمثل.
وتُقدَّر قيمة أوناي السوقية بمليون يورو تقريبًا، لكنها، وبشهادة الكثيرين، مجرد بداية لسقف أعلى بكثير ينتظر هذا الشاب الطموح. وبين خبرات فابينيو وكانتي، يثبت أوناي يومًا بعد يوم، أن المستقبل في جدة قد يُكتب بأقدام شابة، وبلغة إسبانية، بإيقاع كتالوني، ونبض اتحادي لا يهدأ.. فهل يفهم لوران بلان اللغة الإسبانية ويكتشف الجانب الخفي في إمكانيات أوناي؟






