كثيرة هي المواقف الانسانية التي يتعرض لها الفرد بنفسه منفردا، أو مع غيره مشاركة، ومنها موقفا تعرضت له عند عودتي من المملكة بزيارة قصيرة قضيتها مع الأهل منتصف رمضان وفترة العيد، وعند سلم الطائرة تذكرت والحزن يعصرني أغنية طلال مداح في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت على محبين قلبي عندما ودعوني، وعلى متن الطائرة بعد دعاء السفر، وعند النظر في وجوه ركاب الطائرة بمنظور وجداني اجتماعي وجدت أن كل راكب في الطائرة يحمل حكاية وهما خاصا به، وترى في الطائرة الأضواء الخافتة، وهمسات الركاب السائدة، بملامح الوجوه التي تجمع بين التعب والحزن والتفكير، وفي المقابل عندما تنظر إلى السماء تجد سكون في الخارج بعكس داخل الطائرة. ثم تظهر الحيرة التساؤل بماذا يفكّر كل واحد منهم؟ ثم تأتي الإجابة بسلسلة من الأفكار: الوداع وألم الفراق، الحنين للأهل، ثقل العودة للغربة والالتزامات الكثيرة، وجميعهم يشتركون في التفكير في ذلك رغم أنهم من طبقات اجتماعية وجنسيات متنوعة وهموم مختلفة، تجمعهم الطائرة كوطن عابر للزمان والمكان، ومنهم من هو مشغول بذلك داخل الطائرة، هناك من ينظر إلى السماء خارج الطائرة لتفتح له بابًا للتفكير العميق بما كان فيه مع الأهل وما هو ذاهب إليه في الغربة. والركاب بين من هو نائم وأخر صاحي وثالث يصلي خاصة أن طائرة الخطوط الجوية السعودية فيها مصلى صغير للركاب، والأطفال يغطون في نوم عميق في أحضان أمهاتهم جزاهن الله خيرا على رعايتهن رغم ما لديهن من هموم. وتخيم على الجميع مشاعر الحنين في الأجواء. ويسود الحديث الصامت بين الركاب، تبادل النظرات، كل راكب يقرأ في ملامح الآخر قصة تشبهه، حيث أن الغربة أصبحت جزءًا من الهوية. وتستمر هموم الركاب أيضا مع هبوط الطائرة في مطار JFK في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، للانتقال برحلة جديدة للبحث عن وطن صغير في الغربة الكبيرة. وظهور تساؤل آخر هل الغربة مكان؟ أم شعور؟
وأختم فأقول لمن هو في وطنه أحمد الله أنك في وطنك بين أهلك وعملك وتنعم بالأمن والأمان، والمحافظة على ذلك بالطاعات، لأن المعاصي تزيل النعم. وعندما ترى الوافدين في بلدك استشعر معاناتهم لفراق أسرهم، وأن لديهم هموم أخرى غير هموم العمل، لتنال أجر جبر الخاطر أو أجرتفريج كرب بعضهم.
• عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية