في كتابه بعنوان “شعراء سفراء”، الذي صدر عن مجلة دبي الثقافية في العام 2016م، يقول الكاتب والروائي السعودي إبراهيم بن مضواح الألمعي: “تمنيت لو أن السلك الدبلوماسي كله أُسنِد إلى رجال فكر وأدب وشعراء؛ لأنهم أقدر من سواهم على تقديم القيم الروحية الأصيلة التي توثق الصلات بين الشعوب، وتعين على تحقيق التفاهم العميق بين الثقافات والحضارات”.
في العادة هناك صفات مشتركة بين الشاعر والسفير، منها: الحكمة، وسرعة البديهة، والمعرفة بثقافة الشعوب المختلفة، واتساع الرؤية، بالإضافة إلى اختيار المفردة، فالشاعر دبلوماسي وسفير بطبعه، ففي الجاهلية كان للشاعر مكانة بين أفراد قبيلته لدرجة أنه يعد الناطق الرسمي للقبيلة.
لذلك نجد أن الدبلوماسية والشعر تتقاطع فيها مسارات الفكر السياسي والإبداع الأدبي، فهناك العديد من الشخصيات التي تركت بصمتها في الأدب والشعر معاً، كما في العمل الدبلوماسي والسياسي؛ من غازي القصيبي، وعبد العزيز خوجة، ونزار قباني، إلى عمر أبو ريشة، وصلاح ستيتية، وغيرهم.
فالدكتور غازي القصيبي شاعر وأديب ورجل دولة، تقلد عدة مناصب وزارية منها الصناعة، والكهرباء، والصحة، والعمل، كما عُيِّن سفيراً للمملكة لدى البحرين، ثم سفيراً لدى المملكة المتحدة، وامتد حضوره من الكتابة والأدب والشعر إلى العمل السياسي والدبلوماسي بتأثير لافت.
والدكتور عبد العزيز خوجة؛ على الرغم من تخصصه في الكيمياء والجيولوجيا، إلا أنه كان دبلوماسياً، وشاعراً، وكان وزيراً للثقافة والإعلام، ألّف العديد من الدواوين والقصائد الشعرية، وكان سفيراً للمملكة العربية السعودية في كل من تركيا، ولبنان، والمغرب، وأول سفير للمملكة في روسيا الإتحادية، وكان له تأثير واضح في العمل السياسي والأدبي.
والشاعر السوري فؤاد الخطيب، كان يعد فارساً من فرسان اللغة، وفي الصف الأول من شعراء عصره؛ عمل مستشاراً للملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- عام 1945م، ثم وزيراً مفوضاً للملك في أفغانستان، فسفيراً فيها، وأمضى بها عشر سنوات حتى وفاته عام 1957م.
نزار بن توفيق قباني سوري، كان دبلوماسياً وشاعراً معاصراً التحق بوزارة الخارجية السورية بعد تخرجه في كلية الحقوق من الجامعة السورية، وانخرط في السلك الدبلوماسي متنقلاً بين عواصم مختلفة، من أبرزها بريطانيا، وتركيا، والصين.
قدم استقالته في عام 1966م، وأصدر أولى دواوينه عام 1944م، بعنوان “قالت لي السمراء”، وتابع التأليف والكتابة والنشر التي بلغت 35 ديواناً، وكان لدمشق حيز خاص في أشعاره لعل أبرزها “القصيدة الدمشقية”.
عمر أبو ريشة، شاعر سوري بارز، بدأ مسيرته الدبلوماسية كملحق ثقافي لسوريا في جامعة الدول العربية، ثم عُيِّن بعدها وزيراً مفوضاً في البرازيل، وعمل لاحقاً سفيراً لبلاده سوريا في الهند، والنمسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكان جامعاً بين الأدب والشعر والدبلوماسية بخبرة لافتة.
وأختم بالشاعر والكاتب اللبناني صلاح ستيتية، عمل طويلاً في السلك الدبلوماسي، فكان سفيراً لبلده لبنان في هولندا والمملكة المغربية، ومندوباً دائماً في منظمة اليونيسكو، كما شغل منصب مدير الشؤون السياسية وأمين عام وزارة الخارجية اللبنانية، جامعاً بذلك بين الفكر والسياسة.