المقالاتعام

آليات التعليم العالي الناعمة!!

يُعد التعليم العالي من أهم موارد القوة الناعمة للدول المعاصرة، وأداة استراتيجية تعتمد عليها في تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية في إطار العلاقات الدولية القائمة على التفاهم، والتعاون، والصداقة بين الشعوب.

وتتعدد آليات التعليم العالي الناعمة؛ فمنها: المنح والبعثات الدراسية، وبرامج التبادل الأكاديمي والمعرفي، واستقطاب الطلاب الدوليين، وهو ما يُطلق عليه بـ”تدويل التعليم العالي كقوة ناعمة”، والأساتذة الزائرون، والإشراف المشترك، إضافة إلى المشاريع البحثية.

لا يزال في الذاكرة، قبل سنوات، حين التقيت معالي وزير الشؤون الدينية الإندونيسي، وكان مما قاله: «إنني سعيد جدًّا بزيارة المملكة التي تخرج من جامعاتها عدد كبير من علماء إندونيسيا وقادتها».

أخبرني حينها أن سلفه في الوزارة من خريجي جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وأن من خريجيها أيضًا رئيس جمعية نهضة العلماء الإندونيسية، التي ينتمي إليها أربعون مليون مسلم؛ وزاد أن قال: “نحن حريصون أن يتلقى أبناؤنا علوم الشريعة من منبعها الأصلي”.

إن هذه الكلمات هي واحدة من مصاديق دعاء إبراهيم عليه السلام: «فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم».

وهي أيضًا نتيجة لطبيعة هذه البلاد المباركة التي تضم الحرمين الشريفين، حيث تنزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة، وبلَّغ المصطفى صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، وتحرك على أرضها أطهر جيل عرفته البشرية، جيل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

وهي كذلك ثمرة منطقية لما تبذله بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية، بحكم مكانتها، من جهود ريادية في خدمة الإسلام والمسلمين.

ولعل من أبرز هذه الجهود السعودية احتضان المملكة للآلاف من طلاب المنح الدراسية؛ بعضهم يدرس دراسة أكاديمية تامة، وبعضهم يجيء في دورات تدريبية لغوية أو شرعية، تطول أو تقصر.

وهؤلاء الآلاف جميعًا يمكن أن يكونوا رُسُلًا للمملكة في الخارج، وقوة ناعمة لها، يوضحون حقيقتها، وينفون عنها شائعات الحاقدين والكائدين.

لقد استمعت يومًا إلى أحد هؤلاء الطلاب، وهو يقول: «لا أدري أي عملٍ صالح عملت، فجعل الله من جزائي أن أتعلم في بيته الحرام، مكة!».

هذا هو شعورهم الذي يجيئون به: الحب، والولاء، والفرح، بهذه البلاد المباركة، وقيادتها، وأهلها.

فما أجدرنا أن نستغل هذه الفرصة، وأن نستنبت في هذه القلوب الغضة المحبة، المعتقد الصحيح، والعلم المحرر، والولاء لقبلة المسلمين، بلاد الحرمين الشريفين: المملكة العربية السعودية. إنهم سفراؤنا ورسلنا في بلدانهم بعد انتهاء دراستهم.

فعلينا حُسن رعايتهم، والقيام بشؤونهم، وتيسير معاملاتهم، وإجادة تعليمهم وتوجيههم، وتأهيلهم للقيام بالمأمول منهم في بلدانهم بعد انتهاء تعليمهم.

وهذا واجب المؤسسات التعليمية السعودية في ظل الدعم الكامل الذي تتلقاه من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله ورعاهما

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى