المقالات

التعدد.. والتحديث الأخير!

منذ زمن، وفكرة التعدد تلوّح لي من بعيد، تهمس، تغازل، ثم تختفي. خاصة بعد أن رفض أحدزملائي المعددين أن يفتح لي باب الحديث عن هذه الحياة الغامضة، حياة “المعددين”، ومافيها من متعة وسرور، وقال لي برحمة غريبة:
“لو تدري يا أبا أحمد عن فوائد التعدد، ما تأخرت ساعة! لكن ما أبي أشغلك… خلك موحّد”.

امتناع زميلي عن الحديث عن فوائد التعدد، ذكرني ببيت ساخر للشاعر الدكتور ناصر الزهراني،من قصيدة يدعو فيها للتعدد ويصف حال “الموحدين” بأسلوب فكاهي يقول فيه:

“إن حاضت فأنت تحيض معها
وإن نفست فأنت أخو النفاسي!”

هذا البيت وحده كان كافيًا ليزيد فضولي ويشعل رغبتي في كشف غموض حياة المعددين،وكيف يتقنون التوازن في عالم يبدو من الخارج معقدًا ومليئًا بالألغام.

فأخذت أتخيل: كيف يوفّق المعدد بين بيتين؟ كيف يوزّع مشاعره، مصروفه، أعصابه؟ كيف يتابع أبناءه دون أن يُصاب بانهيار عصبي؟ أسئلة كثيرة استدعتها الذاكرة، لكنه رفض الإجابة،وقال بخبث:
“بالنسبة لي؟ ولا وحدة تشعر إني طالع من عند الثانية. أروح من البيت للدوام، ومن الدوام لللبيت الثاني. طوالي. انطلاقتي دايم من العمل”.

قلت له ممازحًا: “يعني تحب الدوام عشان التعدد؟” ضحك ثم قال:: “وهذا سر من أسرار النجاح يا طويل العمر”.

قلت في نفسي: هذه بسيطة… ومقدور عليها.

مرت عشر سنوات، وأنا أعد العدة. أؤجل، أتردد، أتحجج. أخاف من الدخول في نفق مظلم بلا إنارة.

لكن قبل فترة، ظهرت في حياتي أخت فاضلة، وقالت:
“سمعت إنك ناوي تعدد يا وحش؟”

لا أدري لماذا تمططت مثل أسد مصحصح، وشعرت بقشعريرة لم أعهدها من قبل. كانت تبتسم بانتظار الرد.

فقلت لها بثقة: “بكرة وأنا طالع من الدوام أرد عليك”.

قالت ضاحكة: “منظّم من يومك يا وحش”.

في اليوم التالي، قررت أن أبدأ من حيث بدأ صديقي المعدد: من العمل!

لكن قبل الانطلاقة، قمت بتحديث النظام في جوالاتي. وبما أنني من المبتلين بحمل جهازين طوال الوقت، كنت أضعهما معًا في الجيب أو أمسكهما بيد واحدة.

بعد التحديث، لاحظت أمرًا غريبًا:

الجوالان لم يعودا يتفقان كلما اقتربا من بعضهما، وكأن بينهما موجات نفور إلكترونية!، أصوات تنبيهات متضاربة، اهتزازات مزعجة، بل وحتى شحنهما صار يحتاج جدولًا خاصًا.

اضطررت إلى حمل كل واحد في يد… أو واحد في الجيب والثاني في اليد!

هنا وقفت، تأملت الوضع.
هل هذه إشارة؟
هل النظام الجديد يرفض حتى تقارب الأجهزة، فكيف بالبشر؟

تذكرت جملتها “يا وحش”…
ثم تثاءبت مثل الأسد…
ونمت.

مقالات ذات صلة

‫9 تعليقات

  1. السلام عليكم طيب تداركت الامر قبل أن يتطور الى حرب نفسية طاحنه الخاسر الاوحد انت ومن تعول قبل الاقدام على هذه الخطوة فلله الحمد على ادراك هذا
    تحياتي يا وحش

  2. عشر سنوات يا “وحش”؟ أليست كثيرة على من يلتقط اللحظة؟
    يبدو أن الوحوش الحقيقية اليوم ليست في الغابة… بل في اختياراتهم.
    فالزمن لم يعد زمن المخالب، بل زمن العقول الهادئة .

  3. شاعر بمشاعر وموسيقار تعزف على اوتار الحياة بايقاعاتها، بلحن “لا احبك ولا اقدر على بعدك”، فالتعدد ضرورة لحل مشكلة اجتماعية تحل ازمة العنوسة وتزيد في النسل، ولاحظ ان التعدد يحدث بالحديث عنه ثم الميل اليه، وحبه ثم الوقوع فيه. وانتبه ان ترى ام احمد المقال، فالنساء لا يقبلون ان الصحفي كالشاعر ” الم تر انهم يهيمون وانهم يقولون ما يفعلون.

  4. لفت انتباهي عنوان مقالك عن التعدد وتصورت ان الموضوع يدور حول تعدد الاحزاب او الانتماءات او غير ذلك في امور السياسة فانت من حين لاخر تجود علينا برأي مفاجئ كان اخرها ما كتبته عن الرياضة وفوز الاتحاد … شدني العنوان وما ان بدأت اقرا حتى زاد فضولي … هذا هو موسيقار الصحافة الخليجية يكتب عن تعدد الزوجات هذا الموضوع الحساس الذي يتحدث عنه كل الرجال في مجالسهم ولكن بعد ان يتأكدوا ان هواتفهم مغلقه لكي لا يصل الحديث الى مسامع الزوجات … وهنا تذكرت الكاتب العربي العظيم انيس منصور في كل كتاباته .. فهناك تشابه في الاسلوب وكذلك في جرأة الطرح فقد عرفنا انيس منصور انه كان يتحدث في كل الموضوعات من السياسة الى السياحة باسلوب مميز يجمع بين البساطة وخفة الظل … كم انت رائع اخي ابا أحمد … وقلمك يزداد حسنا وتألقا كل يوم ..

  5. الكاتب الإعلامي إذا لم يمتلك هذه المهارة لا يلقى لكتاباته واطروحاته الاهتمام ، فالقارئ المتمكن هو الحكم ، وهو من يحكم على جودة النص وعمقه أو سطحيته وعدم جودته.
    بالرغم من ردة الفعل العنيفة التي يحدثها المقال في نفوس القوارير من بدايته ؛ إلا أنه سرعان ما يزرع الطمأنينة في نفوسهن في نهايته عندما علمن أنه مجرد أضغاث أحلام .
    أنت كاتب مبدع زادك الله توفيقاً وسدادا أبا أحمد..

  6. المؤيد الأول لفكرة التعدد وعدم حيض الرجال

    انا حتى مش قادر احيض معها😁

  7. التعدد… وتحديثٌ ذكيّ في نظام الطرح!

    تحية للكاتب الجريء الذي أهدانا هذا المقال اللطيف، الذي نُسج بخفة ظل وذكاء أسلوبي، وعُبّئ بتساؤلات عميقة مغلّفة بطرافة سردية آسرة. لا شك أن التطرّق لموضوع مثل “التعدد” في زمن باتت فيه بعض المواضيع تُخشى لا تُناقش، هو خطوة تستحق التقدير.

    لقد استطاع الكاتب أن يُحيي فكرة اجتماعية قديمة – حديثة، بأدوات معاصرة، فجعل من التحديثات البرمجية مدخلاً ساخرًا لفهم “تحديثات العلاقات”، متخذًا من التجربة الشخصية بابًا لمقارعة هذا الملف الإشكالي دون أن يقع في فخ الوعظ أو التبشير.

    ما يثير الإعجاب في هذا المقال ليس مجرد الطرح الطريف، بل الفكرة المبتكرة التي استمدّ منها الكاتب جمال نصّه: الموازاة بين إدارة الأجهزة الإلكترونية وإدارة العلاقات الإنسانية. إنها استعارة فكرية ذكية أضفت على المقال بُعدًا فلسفيًا وإن بقي في ثوب أدبي خفيف الظل.

    الأدب الساخر في هذا النص لا يكتفي بإضحاك القارئ، بل يدعوه للتأمل: هل نحن نُحسن “شحن” مشاعرنا وتوزيعها بعدل؟ هل نعيش وفق “تحديثات” تواكب واقعنا؟ أم نظل نتعثّر بين “جهاز في الجيب وآخر في اليد”؟!

    كل التقدير للكاتب ” الوحش ” على هذا الطرح الشجاع، الذي يستحق أن يُقرأ أكثر من مرة، لا من باب الفضول، بل لفهم الرسائل المختبئة خلف الضحكة

    تقبل مروري بخالص الود
    جمعان البشيري

  8. أدهشتني الفكرة وطريقة الربط، والحقيقة لائق عليك لقب “الكاتب الوحش” فأنت كاتب يُتقن الكتابة بقوة وتأثير استثنائي، تجمع بين الفكرة العميقة، والأسلوب الساحر، والحضور الطاغي في كل سطر تكتبه. لقد أفترست القارئ بكلماتك، ولم تترك له خيارًا إلا أن يكمل حتى النهاية.

  9. قرأت المقال اخوي عبدالله
    التعدد مثل الأمارة لا تصلح لكل الرجال بل الأماره في ذاتها قد لا تكون يسيرة على كل من يتولاها إذا اراد من يتولاها ان يقوم بحقها …

    لذلك يصعب بالخروج بقواعد ثابتة تطبق على الجميع من جهة وعلى كل من يكون لها أهل من جهة اخرى …

    بالنسبة لي لو لم يكن في التعدد سوى فائدة واحدة، وهي كثرة الذرية لكفاه فضل وكرما ورفعة بين العباد … لكن جبلت الأنفس على الشح حتى نال ومنع تكاثر الذرية لاجل ارضاء زوجة وخوف زوج وهكذا … وصدق رسول الله حين قال

    تزوجوا فإِنَّي مُكاثِرٌ بكم الأُمَمَ ، ولَا تكونوا كرهبانِيَّةِ النصارى

    الراوي : أبو أمامة الباهلي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى