في قاعةٍ احتشد فيها صنّاع القرار وأضواءُ الإعلام العالمي، خُطَّت ملامحُ مشهدٍ سيبقى تاريخياً: وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان يبتسم بثقة، يضع يديه على قلبه في إيماءة خالصة، بينما يصدح التصفيق عقب إعلان الرئيس الأميركي رفع العقوبات عن سوريا استجابةً لمسعى سعوديٍ حثيث. لم تكن اللحظة مجرّد تعبيرٍ وجداني، بل تجلِّياً مكثَّفاً للقوة الناعمة التي باتت المملكة توظّفها بعناية لتحريك خرائط النفوذ وتعديل موازين الملفات الشائكة في الإقليم.
قبل هذا الإعلان بوقت قصير، كانت الدبلوماسية السعودية قد نسجت خيطاً طويلاً من الاتصالات المكوكية بين العواصم الفاعلة، مستثمرةً ثقلها الاقتصادي والتحوّل في سياساتها الخارجية من موقع «الوسيط» إلى دور «المهندس» الذي يبلور حلولاً ويضع الأطراف أمام حقائق جديدة. قرار واشنطن لم يأتِ نتاج زخم ضغطٍ تشريعي داخلي، بقدر ما كان تتويجاً لاقتراح سعودي بُني على رؤية تعتبر ¬— من منظور الأمن الإقليمي ¬— أنّ رفع القيود الاقتصادية يُمهِّد لاستقرارٍ قابلٍ للحياة في سوريا، ويُغلق ثغراتٍ لطالما تغذّت عليها الجماعات المتطرِّفة.
رمزيةُ حركة اليد على القلب أخذت بعداً شعبياً تجاوز القاعات الرسمية؛ إذ اجتاحت منصات التواصل مقاطع سوريين يقلِّدون إيماءة الأمير، في محاولة جماعية لالتقاط لحظة «عودة الأمل». التفاعل لم يكن عاطفياً فحسب، بل جسَّد قناعةً بأن الجبهة الإنسانية باتت على قدم المساواة مع حسابات الجغرافيا السياسية، وأن الترابط بين الرخاء الاقتصادي والاستقرار الأمني لم يعُد شعاراً بقدر ما صار وصفةً عملية تُختبر على الأرض.
من دمشق، عبّر وزير الخارجية عن امتنانٍ صريح للمملكة، مؤكداً أن بلاده «تدخل مرحلة الترميم الشامل» بفضل مبادرات الرياض. غير أنّ التحدي الفعلي يبدأ الآن: اقتصادٌ أنهكته سنوات الحرب يحتاج إلى مئات المليارات لإعادة بناء شبكات الطاقة والمياه والطرق، واستثماراتٍ كبرى لاستعادة عجلة الإنتاج. وهنا تتجلّى براعة الرياض في استحضار أدواتها المالية — من صناديق سيادية إلى شراكات القطاع الخاص — لصوغ منظومة تمويلٍ توازن بين الربحية السريعة والتنمية طويلة الأجل.
على المستوى الاستراتيجي الأوسع، يرسِّخ هذا التطور مكانة المملكة بوصفها فاعلاً قادراً على تحويل رأس المال السياسي والاقتصادي إلى مبادراتٍ تحقق أثراً ملموساً في ساحاتٍ كانت حبيسة التعطيل الدولي. وهو أيضاً تجسيدٌ لروح “رؤية 2030” التي تُعيد تعريف دور السعودية في عالمٍ ما بعد النفط، عبر تصدير نموذجٍ للدبلوماسية التنموية يجمع بين إحلال الاستقرار وتوسيع الفرص الاستثمارية.
في النهاية، قد تُختزل لحظة الابتسامة واليدين على القلب في لقطةٍ فوتوغرافية، غير أنها عملياً تُعبِّر عن فلسفة سياسة خارجية ترى أنّ الحسم لا يحدث فقط في الجلسات المغلقة ولا البيانات المكتوبة، بل في القدرة على إضفاء بُعدٍ إنساني على القرارات الصعبة. هكذا تُبنى التحولات الكبرى: بمزيج فريد من رمزيةٍ تلامس القلوب وقراراتٍ تحرّك الاقتصادات، فيتشكّل مشهدٌ جديدٌ تُسطِّره المملكة وتبني عليه شعوبٌ أنهكتها الأزمات، منتظرةً خيوط فجرٍ يتقدّم بثبات نحو مستقبلٍ أكثر استقراراً وازدهاراً.

0