المقالات

العرض العسكري يُجسّد شرف الخدمة وأمان الرسالة

منذ فجر التاريخ الحديث للمملكة العربية السعودية، لم تكن خدمة الحجاج مجرد واجب موسمي، بل كانت وما زالت هوية راسخة للقيادة، ومصدر فخر لكل فرد يعمل في منظومة الحج، من رجال الأمن إلى الكوادر الفنية والخدمية. هذا الالتزام العميق لا ينبع من اعتبارات تنظيمية فحسب، بل من إيمان ديني ووطني بأن خدمة ضيوف الرحمن هي أعظم المهمات وأشرف المقامات. وما أبلغ ما يعبّر عن هذه العقيدة الراسخة من لقب “خادم الحرمين الشريفين”، الذي يتشرف به ملك المملكة العربية السعودية، ويُعد عنوانًا لسيادة تُبنى على الرعاية لا السلطان.

  في ميدان العرض العسكري بمشعر عرفات، وتحت أعين العالم المتطلعة إلى موسم الحج، رعى وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز، الحفل السنوي لقوات أمن الحج، في مشهد يتكرر كل عام لكنه لا يفقد وهجه، بل يزداد دلالةً وتأثيرًا، ويؤكد أن الاستعداد لخدمة ضيوف الرحمن ليس إجراءً شكليًا، بل مسؤولية وطنية تُدار باحتراف وتُنفذ بإيمان.

هذا الحفل، الذي يسبق مباشرة ذروة موسم الحج، ليس مجرد استعراض عسكري تقليدي، بل منصة وطنية تعرض من خلالها المملكة الجاهزية الشاملة لقواتها الأمنية والعسكرية المشاركة في تأمين الحجاج، وتبعث برسائل ضمنية تؤكد أن أمن ضيوف الله هو أولوية عليا تُبنى على التخطيط الدقيق والانضباط الميداني والتنسيق الكامل بين القطاعات.

  فمن خلال المشاهد الميدانية والانضباط الذي ظهر خلال الاستعراض، يتجلى عمق التكامل بين الرؤية السياسية للقيادة والجاهزية التنفيذية للمؤسسات، وهو ما يعكس فلسفة المملكة الحديثة في إدارة الشعائر الكبرى: مزج الإيمان بالتقنية، والرمزية بالاحتراف.

  وقد عُرض خلال الحفل حجم الجهود المبذولة من مختلف قطاعات قوات أمن الحج، التي باشرت تنفيذ مهامها وفق خطط أمنية ووقائية معدّة مسبقًا، تُراعي أعداد الحجاج الضخمة، وتستوعب التعقيدات اللوجستية والتنظيمية المتزايدة كل عام. هذه الخطط لم تُصمم داخل مكاتب مغلقة، بل انطلقت من إدراك مؤسسي واعٍ لحجم المسؤولية، وامتثال مباشر لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وبإشراف ميداني مباشر من وزير الداخلية، ما يعكس أن إدارة الحج لا تنفصل عن مركز القرار السياسي في الدولة.

وجاءت الرسالة المركزية لهذا الحفل واضحة: أن أمن الحجاج وسلامتهم “خط أحمر” لا يُسمح بتجاوزه. فالقوات مستعدة للتعامل مع كل طارئ، بأقصى درجات الحزم، ووفق أعلى معايير الكفاءة، لضمان موسم حج يمرّ بسلاسة، ويُجسّد المعنى الحقيقي للسكينة والطمأنينة التي يجب أن تظلّ سمة المكان.

وفي خلفية العرض، تتجلّى رسالة أعمق: أن المملكة لا تنظر للحج كموسم ديني فحسب، بل كمؤشر حضاري تُقاس من خلاله كفاءة الدولة، وتُعرض فيه قدرتها على إدارة ملايين البشر بتوازن بين الأمن والخدمة، بين السيطرة والضيافة. ولهذا، تحوّل هذا الحفل إلى لحظة رمزية تختصر فلسفة الدولة الحديثة، التي تجعل من خدمة الحجاج شرفًا تُنافس عليه مؤسساتها، وتُوظّف لأجله كل إمكاناتها البشرية والتقنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى