المقالات

من عجائب النظام التعليمي لدينا!!

إن النظام التعليمي لدينا به العديد من المفارقات العجيبة والغريبة؛ لا يزال في الذاكرة عندما دخل إلى مكتبي رجل مع ابنه وهو يطالب بصوتٍ عالٍ لإنصاف ابنه الذي ظُلِم، بحجة أن تقدير ابنه في الثانوية يؤهله لأخذ مقعد في كلية الطب، في حين سكن في إحدى الكليات النظرية، متهماً المؤسسة التعليمية بعدم الأمانة والمحسوبية.
وبعد مراجعة مستندات الابن تبيّن أن تقديره فعلاً يؤهله للدخول إلى كلية الطب، غير أنه هو نفسه لا يرغب في الطب، ويرى نفسه في الكلية التي اختارها وأخفى ذلك عن والده، خوفاً وذعراً من ردّة فعله.
معروفٌ أنه عندما يتخرج الأبناء من الثانوية العامة بتفوق وامتياز؛ فإن الأهل والمجتمع والأصدقاء والأقارب ينتظرون منهم أن يكونوا أطباء، أو مهندسين، أو متخصصين في التقنية والذكاء الاصطناعي، ولو فكّر أحدهم غير ذلك، فإنه سيواجهُ صدوداً أو على الأقل تعجّباً واستغراباً، وربما اتّهاماً بقصر النظر!
وتكون النتيجة الطبيعية لهذا الضغط من الأسرة والمجتمع هي:
1- الأوائل من خريجي الثانوية العامة، وهم أصحاب المعدلات المرتفعة – النوابغ والمواهب والأذكياء – يذهبون لكليات الطب والهندسة والحاسب.
2- وأما خريجو الدرجة الثانية في المعدل، فيدرسون في كليات إدارة الأعمال، والاقتصاد، وبعد تخرجهم يصبحون مدراء على الأذكياء والنوابغ.
3- وأما أصحاب المعدلات المتدنية – بدرجة مقبول – فهم من يذهبون إلى كليات التربية وإعداد المعلمين والدراسات النظرية، ويقومون بعد تخرجهم بمهمة تعليم الطلاب؛ والسؤال: كيف سيكون مستوى الخريجين لدينا في النهاية؟
لا شك أن النتيجة النهائية تكون… ضعف مخرجات التعليم العام الذي يقوم عليه معلمون لم يسقهم إليه إلا ضعف مستوياتهم العلمية، وربما العقلية!
بينما المفروض أن الأوائل من خريجي الثانوية العامة هم مدخلات كليات التربية والمعلمين، والفائض منهم يذهبون إلى الكليات الأخرى، وعندها نحصل على مخرجات تعليمية عالية الجودة.
رئيس وزراء سنغافورة عندما سُئل عن السبب في قيام النهضة العلمية الكبيرة في بلاده قال:
رفعتُ رواتب المعلمين، وأعطيتُهم حصانة دبلوماسي، وإجلال إمبراطور، وقلتُ لهم:
أنا أبني الوطن، وأنتم عليكم بناء المواطن.
لذلك تجد أن من أبرز سمات التعليم السنغافوري حالياً هو الشروط القاسية والصعبة لمن يريد الالتحاق بكليات التربية وإعداد المعلمين، وكذلك الشروط الأقسى لمن يرغب في إكمال الدراسات العليا – دكتوراه وماجستير – في مجال التربية والتعليم، حيث يُلزمك لذلك أن تمتلك عشرين عاماً من الخبرة التدريسية المميزة، وأن تقدم نماذج مشرّفة من الطلاب الذين قمت بتدريسهم وتعليمهم وتقلدوا أماكن رفيعة، وأن تحصل على توصيات علمية معتبرة، إضافة إلى أن تكون صاحب سيرة ذاتية متميزة.
كم نحن أحوج إلى هذا الواقع! خاصة وبلادنا تعيش سنوات رؤية ولي العهد يحفظه الله.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى