المقالات

أشياء صغيرة ولكن…

لكل إنسان في حياته مساحات تحتمل كل أحداث مسيرة العمر من الطفولة إلى الشباب والكهولة. واقع.. أماني.. صدف.. حظوظ.. إلى ما إلى هناك من قائمة أرشيف العمر. ومنها مكامن فرح قد تكون صغيرة ولكنها في حياتنا إعلان سعادة، وخاصة إذا كانت عوامل الفرح أحياناً صعبة ولا تأتي إلا بشق الأنفس.

وأنت رضيع، رشفة حليب تسعدك من صدر أمك. ولا شيء مثل أمك. تحبو، تمشي، تأتي لك أمك بقطعة حلوى، يا لها من فرحة! هي كما حلاوة تلك القطعة، وزادها حلا أنها من ست الحبايب.

تكبر حبّة، تذهب إلى المدرسة، تريد جوالاً للتواصل مع الأصدقاء، تغلف الأمنية بأنها للاتصال مع الأهل وقت الحاجة، يقول الأب: أبشر، شرط ما يشغلك عن دراستك. تسعد بحصولك على الجوال، ولو كان “مشي حالك”، المهم تقدر تتواصل مع من يعزون عليك.

تشجع الاتحاد، تشاهده عن بعد على التلفاز. تشعر بأن ذلك لا يشبع نهمك، تطلب من الوالد أن يعطيك ثمن التذكرة لمشاهدة المباراة في الملعب، ما يخيب ظنك، فتمرح، وكيف لا، والاتحاد أحد شرايين الحياة.

تكبر حبّتين، يفاجئك الوالد وهو خارج من البيت: “تعال يا غالي معي”.
ـ “لوين يا والدي؟”
ـ “اليوم بنخرج إلى مكان فسيح وأعلمك سياقة السيارة”.

تطير من الفرح، فقد كانت أمنية، وكأن والدي يترجم إحدى أمانيه عندما كان في عمرنا.

معشوقك الاتحاد يسير في اتجاه بطولة الدوري، ومن محطة إلى محطة كان “الإتي” يتخطى، وأنت معه من خطوة إلى أخرى. وجاءت لحظة تجتمع فيها كل الأماني في 90 دقيقة. الاتحاد سيلعب في بريدة، وآه من بريدة! لو استعصت على أمانينا وأحلامنا، أم سيكون لنا من اسمها نصيب، فتكون تلك اللحظات برداً وسلاماً على مشاعرنا التي هي الآن مشتعلة حباً مشوباً بقلق لذيذ، فأحياناً يحب أحدنا أن يتغلى عليه من يحب. والاتحاد يا كثر تغليه!

هل تتجرأ وتطلب من والدك الذهاب إلى هناك؟ هذه ما هي تذكرة أبو 30 ريالا! هذه رحلة إلى مدينة أخرى، تحتاج تذكرة طائرة وتذكرة ملعب، يا لها من ميزانية، وخاصة لمن دخله “حق الناس للناس”، وعلى قدر لحافك مد رجليك. ولكن هي مرة في العمر.

تذهب للوالد، رجل قدام وأخرى وراء:
ـ “يا أبي…” ووجهك به علامات الخجل، وبه بعض التخوف، وتخرج الكلمات مبعثرة من فمك: “أنت تعرف أن الاتحاد…” وتتعثّر الحروف.
يناظر فيك ويقاطعك:
ـ “لا تكمّل…”
تنتابك الرهبة وتقول: “ليتني لم أخاطر”، وتصمت، لا تستطيع الرد.
يقول لك الوالد: “أنا عارف إيش في خاطرك، خذ هذا الظرف”.

تفتح الظرف، وإذا هي تذكرة سفر لبريدة، تطير زي العصافير من السعادة التي ليس لها نظير. تنكب على يد والدك تقبلها.
يقول: “كلنا يا ولدي ذلك الرجل، عاشق من ضمن الملايين. وقلبي يقول لي الاتحاد سيحسمها. روح، فالكم كأس الدوري”.

أشياء يحسبها البعض صغيرة، ولكنها كبيرة في أعيننا وقلوبنا. كبيرة لأنها تزرع الفرح الذي لا حدود له في حياتنا. كبيرة لأننا لا نكبر على أحلامنا، نحترمها ونقبلها فتبهجنا. تلك الأماني تبادلنا حباً بحب، فتنصاع لنا كهبات نسيم بارد رقيق في ليلة من ليالي الصيف.

مبروك هذه الفرحة المستحقة على الإدارة الاتحادية، ولرئيسها الطيب النبيل لؤي المشعبي، وللجهاز الفني، وللاعبين، وللجمهور الاتحادي الكبير.
وبطولة يا بطولة، والإتي من يطوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى