المقالات

موجات الغبار.. حكمة أم نقمة

في المملكة العربية السعودية، أدام الله أمنها وأمانها وعزّها، وبين شامخ جبالها، وامتداد صحاريها، وسواحلها، ومياهها البحرية، تحدث بعض الظواهر المناخية والجيولوجية، وقد عرف أهل المملكة تلك الظواهر وألفوها، بل وعرفوا موعدها ومدتها ومدى تأثيرها على الكثير من شؤون حياتهم.
ولعل ما يلفت الانتباه هذه الأيام هو موجة الغبار التي عمّت المملكة بكثافة غير معهودة، وقبل وقتها المعتاد.

هذه الموجة الغبارية ناتجة عن رياح شمالية شرقية تهب على المملكة العربية السعودية، تُعرف باسم “البوارح”، وهي رياح مثيرة للأتربة والغبار، أي أنها تحمل ذرات التربة المتناهية الصغر وتذرو بها حيث يشاء الرحمن.

الكثير تأثر وكره هذه الموجة الغبارية وتأذى منها، وبدأ يُفسر ويُحلل ويشمئز. وهناك من تقبّلها وحمد الله.
ولهذا نقول إن هذه الظاهرة الغبارية موجودة منذ القدم، وأسبابها معروفة، ووقتها معلوم حتى عند عامة الناس.

لكن إنسان اليوم ساهم في زيادة الموجة الغبارية، من حيث يدري أو لا يدري.
يسأل سائل: كيف ذلك؟
الجواب:

عمل الإنسان على:
1. إتلاف الغطاء النباتي بشكل جائر، حتى لم تبقَ إلا التربة، التي أصبحت معرضة للرياح دائمًا.
2. تجريف التربة بالمعدات المعروفة، مما أدى إلى إثارة التربة وتفكيك تلبدها وتماسكها.
3. تجفيف التربة من الماء عبر سحب المياه الجوفية، وبالتالي المياه التحتية، أي التي تقع تحت سطح التربة.
4. تغيير مسالك المياه تحت التربة، والتي كانت تُعرف بـ (حبل الماء أو حبال الماء).

هذه العوامل جعلت التربة جافة ومفتتة، فتحملها الرياح حيث شاءت. وهذا لا نلاحظه في المناطق التي تمتاز بغطاء نباتي ومائي كثيف.

ولكن… لهذه الموجة الغبارية أو الموجات الغبارية أثر كبير وملموس، سواء من الجانب الإيجابي أو السلبي.

لنأخذ الجوانب الإيجابية أولًا:
1. إثراء التربة بالعناصر الخصبة
فالرياح تنقل هذا الغبار، الذي هو جزء من التربة – وهو الخصِب منها – من منطقة إلى أخرى، فيزودها بما يمكن تسميته “الطمي” الغني بالعناصر التي قد تحتاجها تلك التربة، فتحوّلها من تربة فقيرة إلى تربة غنية.
2. القضاء على بعض الكائنات الفطرية والبكتيرية الضارة الموجودة في الغلاف الجوي.
3. نقل حبوب اللقاح من بستان إلى آخر.
4. نقل البذور الدقيقة من منطقة لأخرى.
5. تسخين الجو مع وجود الغبار يعمل على إنضاج ثمار الفواكه، والتسريع من عملية النضج.
6. تسخين البحار ثم التبخر ثم التكثف ثم الأمطار بمشيئة الله تعالى، حيث إن بخار الماء يحتاج إلى سطح بارد يتكثف عليه – كما يتكثف على الكأس الباردة – فيجد حبات الغبار في أعالي السماء، فتبرد ويتكثف عليها، مكونًا جزيئات من الماء، التي تجتمع مع بعضها فتكون الغيم.

الجانب السلبي ثانيًا:
1. صحة الإنسان
فالأشخاص الذين يعانون من التحسس في الجهاز التنفسي قد يرتادون المشافي نتيجة هذا الغبار.
2. تساقط الغبار على ثمار الفواكه وأوراق الشجر، مما يمنع أو يقلل من عمليتي التنفس والبناء الضوئي لدى النبات.
3. تساقط الغبار على السيارات والمباني، وخاصة الشاهقة، مما يفقدها جمالها.
4. إتلاف طلاء السيارات والطائرات، حيث يعمل الغبار كالصنفرة لمحيّاها.
5. التأثير على مدى الرؤية، مما يكون سببًا في الحوادث.
6. تسلل الغبار مع تنفّس محركات السيارات، مما يؤدي إلى تعطلها وإتلافها.

ويبقى أن لكل شيء حكمة وهدف… الله به عليم.

عبدالملك محمد ابن عميرة الذويبي

باحث في علم الفلك والتقويم الزراعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى