المقالات

رُفضت من وظيفة أحلامي… بسبب “علكة”

بدأت القصة برسالة عبر البريد الإلكتروني كانت كفيلة بإشعال شرارة الحلم. لم تكن مجرد دعوة لمقابلة شخصية لها، بل كانت إشعارًا بأن الباب الذي طالما انتظرته قد فُتح أخيرًا. فتلك الرسالة لم تكن من جهة عادية، بل كانت – بالنسبة لها – المؤسسة التي ستمنحها وظيفة الأحلام. ومنذ تلك اللحظة، تغيّر إيقاع يومها بالكامل، بل أسبوعها كله. تقول صاحبة القصة وهي تستعيد ذكريات وتفاصيل ذلك اليوم بقولها:
“لم أنم تلك الليلة، فقد كنت أعيد قراءة سيرتي الذاتية للمرة العاشرة، وأراجع نماذج أعمالي، وأنتقي بعناية ما سأرتديه. كانت المقابلة محددة في التاسعة صباحًا، لكنها بالنسبة لي كانت موعدًا مع مفترق طريق، بل موعدا مع الحياة.”
وتستطرد: “وصلت إلى مقر المقابلة قبل الموعد بربع ساعة. جلست أنتظر، أتنفس عميقًا، أحاول كبح جماح التوتر المتصاعد. مددت يدي إلى حقيبتي، وأخرجت قطعة «علكة»، ظننت أنها قد تهدئ من قلقي.
‘لأخفف التوتر’ – همست لنفسي بثقة خادعة.”
بعدها، سمعت اسمي يتردد على مسامعي من موظفة تميزت بلباقتها، ثم دخلت المقابلة بثبات. أجبت على الأسئلة، استعرضت إنجازاتي، وتحدثت بحماس عمّا يمكن أن أضيفه للفريق. رأيت في أعينهم نظرات عكست لي أنني كنت تلك المتقدمة المطلوبة، أو على الأقل هذا ما ظننته.
لكن ما لم أحسب له حسابًا، هو أن أحد أعضاء اللجنة كان يراقب بصمت، والآخر دوّن ملاحظة بمجرد أن بدأت أجيب على سؤال مهم وأنا أحرّك فمي وأمضغ تلك «العلكة».
انتهت المقابلة، وخرجت منها وأنا أظن أنني اجتزتها بامتياز، وأن التوقيع على العقد لم يكن إلا مسألة وقت. لكن بعد يومين، جاءني الرد الصادم:
“نشكرك على حضورك… ونتمنى لك التوفيق في وظيفة أخرى.”
تشبثت بالهاتف، وقرأت السطرين عشر مرات. وخلال تلك المرات جلست أفكر: لماذا؟ ما الذي حصل؟ ألم يكن حدسي صحيحًا؟
فضولي جعلني أتواصل مع أحدهم في الجهة طالبة ملاحظات بهدف التعلم، فجاء الرد بلغة لبقة:
“كنتِ من المرشحين الأقوياء، ولكن سلوكًا بسيطًا خلال المقابلة لم يُظهر المستوى المهني الذي نتطلع إليه… كنا ننتظر حضورًا أكثر رسمية يتناسب مع ثقافة المؤسسة.”
وتتابع قائلة:
“سألت نفسي: هل كانت نبرة صوتي؟ هل مظهري لم يكن مناسبًا؟ ثم تذكرت… «العلكة». قطعة صغيرة، لكنها قالت للجنة ما لم أقصده أبدًا: ‘أنا لست جاهزة بما يكفي.'”
منذ تلك اللحظة، تحوّلت “لعلكة” – في نظرها – من وسيلة تهدئة إلى رمزٍ للوعي.. وأكملت صاحبة هذه القصة “فلم تكن تلك “العلكة” غلطة كبيرة، لكنها كانت غلطة في توقيت لا يحتمل الهفوات. تعلمت أن النجاح لا يُقاس فقط بما نقوله، بل بكيفية حضورنا، وسلوكنا، واحترامنا للفرص التي كثيرًا ما نعلّق عليها آمالًا كبرى.”
واليوم، أنا أعمل في وظيفة أُحبها، ولا تُقارن بتلك، لكنها كانت مدخلًا لمسار أكثر اتزانًا ونضجًا. ورغم النجاحات التي تلت، إلا أنني لا أنسى تلك المقابلة؛ لأنها لم تُعلّمني كيف أجهز نفسي بالمعلومات المطلوبة فقط، بل كيف أنتبه لتصرفي، وأتحكم في ذاتي، وأُحسن الظهور.
إلى هنا انتهت تلك القصة، ولكن العبرة لا بد أن تبقى لكل المتقدمات والمتقدمين إلى الوظائف من الخريجين. فكأكاديمية متخصصة في الإعلام، أؤمن أن كل مقابلة شخصية ليست مجرد تقييم للمؤهلات، بل اختبار دقيق للوعي المهني والانتباه السلوكي.
قد تبدو بعض التصرفات – مثل مضغ «العلكة» – بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل دلالات عميقة في السياقات الرسمية، خاصةً عندما تكون الفرصة ثمينة واللحظة مصيرية. فالاحتراف لا يُقاس بما يُقال فقط، بل بما يُرى ويُشعر به.
والفرص لا تُضيّع دائمًا بسبب نقص الكفاءة، بل أحيانًا بسبب غياب التفاصيل التي تعبّر عن احترامك للموقف… واحترامك لنفسك.

• أكاديمية متخصصة في الإعلام الرقمي ومدربة في مجال الذكاء الاصطناعي

خديجة بنت صالح مريشد

أكاديمية متخصصة في الإعلام الرقمي، ومدرّبة في مجال الذكاء الاصطناعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى