المقالات

“وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ”

✍️جمعان البشيري

دعوة سماوية وواجبٌ مقدّس تصدح به القلوب قبل الحناجر؛ منذ أن نادى خليل الرحمن، إبراهيم عليه السلام، بأمرٍ من الله تعالى في الناس بالحج، والقلوب المؤمنة تهفو إلى البيت العتيق، وتشتاق الأرواح إلى الطواف حول الكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة ملبية دعوة السماء:

 “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ” سورة الحج آية 27

الحج ليس مجرد رحلة زمنية إلى مكان مقدّس، بل هو ارتحال إلى جوهر الطاعة، وامتثال لأمر الله، وتجردٌ من الدنيا في حضرة الله. تتقاطر الأمم من مشارق الأرض ومغاربها، متساوية في الرداء، متحدة في النداء، تلهج ألسنتها بـ”لبيك اللهم لبيك” في مشهدٍ مهيبٍ، تتجلّى فيه وحدة الأمة، ويعلو فيه صوت الإيمان فوق كل اعتبار.

وفي هذا المقام العظيم، تتجلّى عناية المملكة العربية السعودية بهذه الشعيرة الجليلة، فقد شرفها الله بأن اختصها بخدمة الحرمين الشريفين، وأكرمها بأن جعل في أرضها مكة المكرمة والمدينة المنورة، أطهر بقعتين على وجه الأرض، مهبط الوحي ومبعث الرسالة. وهي مكانة دينية وروحية عظيمة تحمّلها مسؤوليات جساماً، أدّتها المملكة باقتدار قلّ نظيره.

فما من موسم حجٍّ يمر، إلا وتبهر المملكة العالم بحسن التنظيم، وروعة الإدارة، وشمولية التسهيلات. فقد سخرت الدولة إمكاناتها البشرية والمادية لخدمة ضيوف الرحمن، وابتكرت في كل عام سُبلاً جديدة لتيسير أدائهم للمناسك بأمان وسكينة. وليس أدلّ على ذلك من الإجراءات الدقيقة التي تتبعها المملكة لتنظيم الحج عبر التصاريح، منعاً للازدحام والتدافع الذي قد يعرّض حياة الحجاج للخطر، ولضمان راحة كل وافد إلى بيت الله الحرام.

ولعل أعظم ما يميّز هذه الجهود المباركة، هو الرعاية الشخصية والاهتمام المباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – الذي يولي شعيرة الحج عناية فائقة، ويتابع أدق تفاصيلها بنفسه، إيماناً منه بعظم المسؤولية، وإدراكاً لمكانة الحجاج عند الله. وها هو، في كل عام، يفتح أبوابه وقلبه لعشرات الآلاف من المسلمين من شتى بقاع الأرض، فيستضيفهم على نفقته الخاصة لأداء مناسك الحج، في موقفٍ نبيلٍ يعبّر عن روح الإسلام، وعظمة القيادة، وسمو الرسالة.

إن ما تقوم به المملكة في إدارة الحج لا يمكن لأي دولة في العالم أن تقوم بمثله، نظراً لما يتطلبه الأمر من تنسيق دقيق، وبنية تحتية متقدمة، وكوادر مدرّبة، وقلوب مخلصة تسهر لراحة ضيوف الرحمن. ولذا، فإن شكرها والثناء على جهودها ليس فضلاً، بل واجبٌ شرعي وأخلاقي، تؤيده كل عينٍ رأت، وكل قلبٍ حجّ، وكل لسانٍ دعا.

همزة وصل :

سيظل نداء إبراهيم عليه السلام يتردّد في الآفاق، وتظل المملكة – بعون الله – أمينة على هذا النداء، ترعاه وتخدمه، وترتقي به عامًا بعد عام، ليبقى الحج كما أراده الله، شعيرة سلام، وموسم طمأنينة، ومحراب وحدة للأمة جمعاء.

جمعان البشيري

محرر صحفي - جدة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى