الناشر الأمريكي مؤسس مجلة التايم “هنري لوس”، يُعتبر أول من أطلق مصطلح “القرن الأمريكي” عام 1941م، وكان الهدف من ذلك رغبته في أن تلعب أمريكا دوراً أساسياً في الحرب العالمية الثانية، لأنه في ذلك الوقت كان هناك شعور قوي بالعزلة التي تعاني منها أمريكا، إذ عارض أفراد من المجتمع الأمريكي فكرة مشاركة بلادهم في الأحداث الدولية. ومنذ اليوم الأول لهذا المصطلح، لا تزال أمريكا هي اللاعب المهيمن في توازن القوى العالمي. ومع بداية القرن العشرين، استأثرت أمريكا على ربع اقتصاد العالم، واستمر الوضع لغاية اندلاع الحرب العالمية الثانية، والتي تدمرت بسببها اقتصادات العالم الرئيسية، وفي نفس الوقت تعزز اقتصاد أمريكا لدرجة أنه أصبح يمثل نصف اقتصاد العالم. لكن في السنوات الأخيرة ظهرت مؤشرات تدل على بداية الصعود الصيني.
ويؤكد “جوزيف ناي” أن الصين، رغم النمو الاقتصادي الذي تحققه، لا يمكنها أن تقف على قدم المساواة في القوة الاقتصادية والعسكرية والناعمة مع أمريكا، إذ إن الصين يمكنها الاعتماد على قدرات (1.3) مليار نسمة من سكانها، لكن أمريكا يمكنها الاعتماد على مواهب وقدرات (7) مليارات نسمة من المهاجرين من جميع أنحاء العالم، والاستفادة من تنوعهم.
ويثبت المؤلف صمود القرن الأمريكي بعدة دلائل، منها أن أمريكا ثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين والهند، ويتوقع أن تظل أمريكا مكتفية ذاتياً من الطاقة لغاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كما أن الميزانية العسكرية الأمريكية تعادل أربعة أضعاف نظيرتها الصينية، وفي الوقت نفسه لا يمكن إغفال زيادة قدرات الصين العسكرية التي يمكنها تهديد السفن الأمريكية.
وقال المؤلف: إذا سعت بكين لزيادة اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، في الوقت الذي تقلل فيه أمريكا الاعتماد عليه، فإنها ربما تشكل خطراً على التواجد الأمريكي في هذه المنطقة المهمة.
وخلص “جوزيف ناي” في كتابه إلى عدد من النتائج، منها أن سلوك الصين لا يمثل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة الأمريكية، لأن ما تريده الصين هو بعض التعديلات في النظام الإقليمي، وليس بالضرورة على المستوى العالمي.
ومعروف أن الحرب التجارية بين الصين وأمريكا بدأت بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مارس من عام 2018م، عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ (50) مليار دولار على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974م.
لكن غلبت لغة المصالح بين البلدين، واتفق الأعداء – الصين وأمريكا – رسمياً، وقاموا بتوقيع اتفاق لخفض الرسوم الجمركية بينهما بشكل مؤقت.
ومعلوم أن (50) تريليون دولار مقدار حجم اقتصاد أمريكا والصين، وهو ما يعادل تقريباً (45%) من حجم الاقتصاد العالمي. كل بيت أمريكي تقريباً لا يخلو من سلعة منتجة في الصين، حتى إن قبعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه من صنع الصين؛ وبالرغم من كل ذلك، نجد أن العلاقة بين الصين وأمريكا، والتي كانت في يوم من الأيام حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي، تتعرض الآن لضغوط كبيرة.
منذ عام 1979م، وقع البلدان على اتفاقية تعاون تكنولوجي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وتم تجديدها في ديسمبر الماضي. إن الاتفاقيات التجارية بين الدول لا تحدث بين يوم وليلة، لكن ما حدث اليوم كان سابقة، لأن التصعيد ليس في صالح أي منهما، ويجب أن ندرك أن التصعيد بين الصين وأمريكا سوف يدفع ثمنه العالم أجمع.