المقالات

سنن التتابع المؤسسي: من المحافظة على المكتسبات إلى بناء مستقبل مستدام

في عالم الإدارة والحوكمة المؤسسية هناك “سنن كونية” غير مكتوبة لكنها واضحة لكل من حمل مسؤولية أو تقلد منصباً في كيان أو منظومة. ومن أهم هذه السنن: سنة التتابع في المسؤولية تلك التي تحكم إنتقال المهام والقيادة من جيل إلى آخر أو من إدارة إلى أخرى بروح من الاتساق والامتداد، لا القطيعة والانفصال.

فعندما تكون المسؤولية امتداداً لمن سبق لا قطيعة معه وعندما تبنى الخطط على ما تحقق لا على أنقاض ما كان .. تنمو المؤسسات وتزدهـر وتصان المكتسبات وتتراكم الإنجازات وتتحول المنظومة من مجرد هيكل وظيفي إلى كيان نابض بالخبرة والهوية والفعالية.

المحافظة على المكتسبات .. مسؤولية لا خيار

إن تجاهل ما تحقق سابقاً والبدء من نقطة الصفر – بزعم “البداية الجديدة” – ليس فقط مجازفة إدارية بل هدر صريح للمال العام وتبديد لجهود من سبق وتدمير للثقة المؤسسية المتراكمة. المكتسبات التي تحققت – وإن كانت جزئية أو قابلة للتطوير – يجب أن تحتضن وتدرس وتعزز، لا أن تمحى أو تهاجم.

المسؤول الواعي هو من يبني على الإيجابيات ويطورها ويتلافى السلبيات ويصنع من الإرث المؤسسي منصة للانطلاق نحو الأفضل لا معولاً للهدم.

الرؤية الفردية .. خطر مؤسسي

الانفراد بالرأي والتفرد بالقرار والسعي لهدم ما مضى لصنع مجد شخصي جديد هي كلها أعراض لإدارة قصيرة النظر تتغذى على الأنا وتفتقر إلى الرؤية التشاركية.

وهنا تكمن أبرز علامات الاستفهام:

– لماذا يتم تجاهل المختصين؟
– لماذا يتم إسكات صوت التجربة؟
– لماذا نكرر الأخطاء ونهدر الوقت والمال؟
الحوكمة المتناغمة: طريقنا إلى المستقبل

لذا فإن المؤسسات التي تتبنى خططاً استراتيجية متناغمة ترتكز على التكامل بين قطاعاتها وتلتزم بـحوكمة شاملة وسليمة هي التي تضمن الاستمرار والنجاح. لا يمكن لأي قطاع أن يعمل بمعزل عن الآخر ولا لأي إدارة أن تسير دون تنسيق مع بقية أذرع المنظومة. فكل تقاطع غير منظم هو فرصة ضائعة وكل تضارب غير معالج هو تهديد حقيقي.

بناء القدرات والابتكار .. ليس رفاهية بل ضرورة

السعي لبناء قدرات الكوادر وإستحداث مجالات جديدة للتميز والإبداع، لم يعد خياراً ترفيهياً بل هو حجر الأساس لأي نهضة مؤسسية. فبدلاً من إعادة اختراع العجلة فلنحول مواردنا نحو الاستثمار في الإنسان في الفكرة في التحول الذكي وفي دعم المشاريع الإبداعية التي تصنع المستقبل.

بين الوفاء والرؤية

تصبح الإدارة الرشيدة هي التي توفي بحق من سبقها وتحمل راية التطوير للأمام لا تلك التي تقفز فوق التاريخ ولا التي ترتجل الحاضر دون بوصلة. إن الوفاء للمكتسبات ليس جماداً بل روح تؤسس لبناء متين وحين تقرن هذه الروح برؤية مستقبلية متكاملة تكون النتيجة: مؤسسات تنمو بثبات وتحمي المال العام وتلهم منسوبيها والمجتمع على حدٍ سواء.

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى