المقالات

بين العتاب والحمية.. ضاعت الرسالة!

الأخوّة رابطةٌ سامية، لا تُقاس بطول الصحبة ولا تُحدّ بزمنٍ معيّن، بل تُوزن بصدقها، وتُعرف بثباتها، وتُثبتها المواقف النبيلة في أحلك اللحظات.
هي الحضور الذي لا يغيب، والظلّ الذي لا يتخلّى، والمودّة التي وإن انطفأت الكلمات… لا تنطفئ.

كنا نعاتب إخوتنا فنقسو قليلًا ونلين كثيرًا، نختلف ونلتقي، لأننا نعلم أن المحبة أوسع من لحظة توتر، وأكبر من كلمة عابرة.
عاتبنا بحب، وتصارحنا بصدق، وكان الردّ يأتي بوعي، أو بصمتٍ حكيم لا يغلق بابًا ولا يفتح خصامًا.

لكن الزمن تغيّر…
لم تتغيّر المحبة، لكنها أصبحت أكثر عُرضة للتأويل.
ولم تتغير الأخوّة، لكنها باتت تحتاج إلى قدر أكبر من الحكمة.

عاتبتُ أخي كما اعتدت، لكن ما لم أحتسبه أن ابنَه وابني كانا حاضرين.
نطقتُ بما أراه حرصًا، فردّ أحدهم بحميّة،
لا لأنني أخطأت، بل لأن الصورة التي يحملونها عن آبائهم لا تسمح لهم بالصمت.
اختلطت النوايا، وتبعثرت المفاهيم،
وضاعت الرسالة التي أردت أن تصل، وبلغت كلمة لم تكن لي… ولم تكن لهم.
ثم وجدت نفسي في مساحة رمادية:
هل أبرّر؟ أم أُكمل؟
هل أُرضي أخي؟ أم أسترضي أبناءه؟
وتحوّل المجلس من لحظة تقويم… إلى مساحة توتر.
لا أنا وصلت، ولا هم فهموا، ولا العلاقة خرجت كما دخلت.

لقد باتت المجالس العائلية اليوم أكثر حساسية مما مضى،
فلم نعد نخاطب إخوتنا وحدهم،
بل بيننا مستمعون جدد، قلوب لم تُعايش سعة صدورنا، ولم تشهد تاريخ المحبة الذي نسجناه منذ الطفولة.

ابني وابنه لا يسمعان كما كنّا نسمع،
يريان في صراحتي تهجّمًا، وفي نصحي تقليلًا،
لأنهما لم يعرفا السياق الذي نعرفه، ولا اللغة التي نفهمها نحن.

لهذا، فإن كل كلمة تُقال اليوم تحتاج إلى ميزان…
ميزانٍ لا يُقيس الصواب والخطأ فقط، بل يراعي التوقيت، والمقام، والحضور، وظلّ العبارة.

أنا لا أدعو للصمت عن الخطأ، ولا للتغاضي عن ما يستحق النصح،
لكنني أدعو إلى فن إدارة الكلمة…
فالأخوّة لا تُصان بالنيّات الطيبة وحدها، بل يُحافظ عليها الأسلوب، والرقي، وذكاء الظرف.

أخي يبقى أخي،
لكنني أدرك اليوم أنني لا أُخاطبه وحده،
بل أخاطب من يحبونه، ومن حوله،
وأن جملة واحدة – إن خرجت في غير محلها – قد تفتح خصامًا لا تُنهيه ألف مودة.

الأخوّة تظل من أعظم ما نملك،
لكنها – ككل شيء ثمين – تحتاج إلى رعاية مختلفة في كل زمن.
فحين تتحدث اليوم، لا تنسَ أن بينك وبين أخيك… أبناؤكما،
وما كان يُغفر بينكما قد لا يُنسى عندهم.

احفظوا المودّة من زلل العبارة،
وصونوا المجالس بحكمة الكبار،
فكلمة واحدة تُقال بعفوية… قد تترك أثرًا لا تداويه السنين.

وتذكّروا قول الله تعالى:
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي }
عزة عبدالرحمن الغامدي
مدير ادارة الاتصال المؤسسي _ كلية الباحة الاهلية للعلوم ..

عزة عبدالرحمن الغامدي

مديرة الاتصال المؤسسي كلية الباحة الأهلية للعلوم

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. ابدعتي بمعنى الكلمه يعجز لساني عن وصف ابداعك لكن ليس غريبة عليك فأنت ابنة عبدالرحمن الغامدي

  2. ماشاء الله تبارك الله عبارات رنانه وجميلة كل حرف يسطر بذهب ..

    انتقاء الموضوع في مثل هالوقت اختيار جميل وصائب .

    شكرا استاذة عزة

  3. أستاذة عزة ، الكاتبة الرائعة بكل مرة اقرأ لك مقالة أكتشف فيك شيء أجمل
    مقالات رائعة وبناءة وذات فائدة وتتحدث عن الواقع والمجتمع بكل وضوح.
    لله درك ❤️

اترك رداً على فهد الغامدي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى