
يُعد الشاعر «جمعان الخريصي» صوتاً شعرياً شاباً بارزاً في ساحة العرضة الجنوبية، وينتمي إلى قبيلة زهران العريقة في تهامة منطقة الباحة، ويحمل شعره عبق الجبال ودفء السهول، ويمزج بين الأصالة والتجديد، فمنذ بداياته المبكرة أظهر «الخريصي» موهبة مميزة تتميز بجزالة الطرح ورصانة الكلمة، والتزامه بقيم الشعر الشعبي، مما أكسبه هذا التوازن تقدير جماهير العرضة وزملائه الشعراء، ورغم شبابه يعكس نضجه الفني وشخصيته الشعرية تجربة تفوق عمره، حتى أصبح من الأسماء الواعدة التي يُرتقب أن تساهم في تعزيز هوية العرضة والحفاظ على الموروث الشعبي في المنطقة.
وفي حديثه مع «صحيفة مكة الإلكترونية»، استعرض الشاعر «جمعان الخريصي» محطات هامة في مسيرته الشعرية، والتي ساهمت في تشكيل تجربته الشعرية، وإيضاح موقفه من بعض القضايا والمواضيع في ساحة العرضة الجنوبية، وتناول خلال اللقاء عدة أمور بارزة، من بينها قلة مشاركاته في الحفلات مؤخراً، حيث أشار إلى أنها بسبب التحديات التي تواجه الساحة اليوم، مثل سيطرة «السماسرة» و«الوساطات» على تنظيم الحفلات، وأكد أن الشاعر الحقيقي لا يقبل أن يكون جزءاً من مشهد لا يقدّر الموهبة.
وتحدث «الخريصي» بثقة عن مواجهته لشعراء عسير، مؤكداً على ثقته الكاملة في قدراته، بل وذهب أبعد من ذلك حين وصف بأن شعر العرضة في «منطقة الباحة» أكثر صعوبة وتعقيداً في تركيب القصيدة والمعاني، مما يجعل مواجهته لشعراء عسير «أسهل» من وجهة نظره، وهو ما يعكس شخصية شاعر يدرك مكانته، ويعي تنوع المدارس الشعرية وتباين تحدياتها.
وأوضح «الخريصي» رؤيته لواقع العرضة الجنوبية في منطقة الباحة، مؤكداً أن الساحة تمر حالياً بمرحلة «غير واضحة المعالم»، نتيجة غياب عدد من الرموز الذين شكّلوا أعمدة المدرسة الشعرية لعقود، وأعرب عن تطلعه لظهور جيل جديد يُدرك حجم الموروث ويحترم التجربة، ويواصل البناء على ما أنجزه من سبقوه.
وتُظهر مسيرة الشاعر «جمعان الخريصي» أنها ليست مجرد حضور عابر في ساحة العرضة، بل هي انعكاس لرؤية شاعر واعٍ يمتلك موقفاً واضحاً، ويقف على مسافة متزنة من تراث العرضة الجنوبية وتجدد ملامحه، ومن خلال حديثه بدا واضحاً أنه يحمل مزيجاً ناضجاً من النقد الهادئ، والثقة النابعة من التجربة، والحرص الصادق على مستقبل العرضة الجنوبية.
وفي هذا الحوار، نقترب أكثر من ملامح شخصيته الشعرية، ونستعرض رؤيته تجاه مختلف القضايا والمواضيع التي تهم جمهور العرضة، إلى جانب محطات رحلته من عمق تهامة الباحة، وصولاً إلى الصفوف الأمامية في ميادين الشعر، فلنذهب إلى الحوار الكامل معه…
1. متى بدأت مشوارك الشعري؟ ومن أول من شجعك بالبداية؟
بدأت رحلتي مع الشعر في سن مبكرة، وتحديداً عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، حيث بدأت أستشعر ميولي الشعرية وأكتب أولى محاولاتي معها، وقد كان للتشجيع الذي تلقيته من المقربين، ومن حولي أثراً بالغاً في منحي الثقة للاستمرار، خصوصاً من الذين لمسوا مني موهبة تستحق الدعم.
2. من الشاعر الذي تأثرت بأسلوبه كثيراً في سنواتك الأولى؟
في بداياتي كنت أتتبع قصائد الشاعرين الكبيرين عبدالله البيضاني والدكتور عبدالواحد بن سعود، وتأثرت كثيرًا بأسلوبهما الشعري، سواء من حيث المفردة أو البناء أو الحضور الميداني، فهما رمزان من رموز ساحة العرضة في منطقة الجنوب بشكل عام، لا يختلف عليهما اثنان.
3. هل كان للبيئة التهامية دور في تشكيل هويتك الشعرية؟
بكل تأكيد، فالبيئة التهامية مشبعة بالشعر، وأهل تهامة معروفون بذائقتهم الرفيعة وارتباطهم العميق بفنون القول، مما أسهم في تشكيل هويتي الشعرية وغرس في داخلي ذلك الحس المرهف تجاه الكلمة واللحن والمعنى سوياً.
4. متى كانت أول مشاركة لك ميدانياً في صفوف العرضة؟
كانت أول مشاركة ميدانية لي في صفوف العرضة عام 1430هـ، وحدث ذلك في مكة المكرمة، وكانت محطة مهمة في مسيرتي الشعرية، لأنها اختبرتني أمام الجمهور بشكل مباشر.
5. من أول شاعر وقفت أمامه في محاورة مباشرة ميدانية؟
أول مواجهة شعرية لي كانت في محافظة قلوة أمام الشاعر الكبير عطية السوطاني، وكان ذلك اللقاء تجربة ثرية استفدت منها كثيرًا، واعتبرها من العلامات البارزة في مشواري الشعري، ونقطة تحول حقيقية في مسيرتي.
6. هل تفضل المحاورات القوية أم الأبيات الجزلة المتزنة؟
أفضل المحاورة المنطقية التي لا تخرج عن حدود المعقول، فلكل حفلة ظروفها الخاصة، لكن يبقى جمال الشعر في الجزالة والاتزان، وهذا ما أحرص عليه دائماً في مشاركاتي مع زملائي الشعراء في الحفلات جميعها.
7. كيف ترى تطور العرضة الجنوبية في منطقة الباحة حالياً؟
تمر ساحة العرضة الجنوبية بمرحلة انتقالية غامضة، بعد غياب عدد من رموزها المؤثرين ممن تركوا بصمات لا تُنسى في بناء هوية الميدان الشعري، فقد اعتزل الدكتور عبدالواحد بن سعود عن الساحة، وابتعد الشاعر محمد بن ثايب لأسباب صحية، فيما رحل كبار الشعراء مثل محمد بن مصلح، وعيضة بن طوير ومحمد الغويد، وهذال الشبح وعطية السوطاني –رحمهم الله– وغيرهم من الشعراء الكبار، وبسبب هذا الغياب لا تزال مقاعدهم شاغرة في الساحة.
8. ما رأيك في إدخال التقنية والتجديد على الشعر الشعبي؟
أرى أن الشعر الشعبي ليس في حاجة إلى الكثير من التقنية، بل ما يحتاجه فعلاً هو تطوير المفردة وصياغة النصوص بما يتماشى مع وعي مجمتع العرضة واهتماماته دون الإخلال بالهوية الشعرية الأصيلة.
9. هل تحرص على الحفاظ على اللهجة التهامية في نصوصك؟
رغم أن اللهجة التهامية قد تطغى على بعض النصوص تلقائياً، إلا أنني أحرص على استخدام اللهجة البيضاء التي تكون مفهومة على نطاق أوسع من جماهير العرضة وغيرهم، دون أن أفقد الطابع المحلي المميز.
10. هل تأثرت العرضة كثيراً بوفاة الشاعر عطية السوطاني؟
بالتأكيد، لقد تأثرت بشكل كبير، فقد كان الشاعر عطية السوطاني من أبرز رموز العرضة الجنوبية، وفقدانه لا يزال يترك تأثيراً كبيراً في الساحة، حيث كان من أكثر الشعراء شعبية، ويمتلك أسلوباً شعرياً حماسياً، وما زالت القلوب تنعاه والمسامع تفتقد صوته الشعري الفريد.
11. كيف تصف علاقتك بالشعراء الكبار في العرضة؟
علاقتي مع الشعراء الكبار يسودها الاحترام المتبادل والتقدير العميق، وأنا أكن لهم كل المحبة والاعتراف بفضلهم، فهم منارات لمن جاء بعدهم.
12. لماذا لم تُسجل لك محاولات سابقة مع القلطة وشعرائها؟
أنا مؤمن بمبدأ التخصص، والبيئة التي نشأت فيها ليست بيئة محاورة وقلطة، ومع ذلك لدي إعجاب كبير بهذا الفن الأصيل، وأجيده إلى حد ما، لكنني آثرت التميز في ميدان العرضة، حيث إنني أراه أكثر انسجاماً مع ميولي.
13. ما الدور الذي يلعبه جمهور الصفوف في تحفيزك شعرياً؟
الجمهور عنصر أساسي ومؤثر في الأداء الشعري، فعندما يكون هناك تفاعل حقيقي من الصفوف، ينعكس ذلك على عطائي، ويمنحني دفعة كبيرة للإبداع، فالعلاقة بين الشاعر والجمهور تكاملية.
14. كيف تتعامل مع الانتقادات أو التعليقات السلبية في الساحة؟
أنا أول ناقد لنفسي قبل أي شخص آخر، وأدرك تماماً أن الساحة فيها من يُحب ومن يُخالف، ولا يمكن إرضاء الجميع، ولذلك أتعامل مع النقد بعين المتأمل، وأفرز المحب من غيره، فالنقد البنّاء محل تقدير دائماً.
15. هل ساعدتك وسائل التواصل في الوصول لجمهور أوسع؟
إلى حد ما نعم، رغم أنني لست نشطاً جداً على هذه المنصات، لكنها تبقى وسيلة مؤثرة، وساهمت في تعريف الناس بي وبشعري ولو بشكل جزئي.
16. ما تفسيرك لبيت عبدالله البيضاني، حين قال إنك تشكك بطموحه؟
ذلك البيت جاء في سياق حفلة كانت فيها بعض الظروف غير مواتية بالنسبة لي، واختلفت وجهات النظر بيني وبين الشاعر عبدالله البيضاني، لكنه يظل شاعراً قديراً، والتحاور معه لا شك يزيد من خبرة الشاعر ويثري إمكانياته.
17. هل تثق بقدرتك على مواجهة شعراء منطقة عسير الكبار؟
بالطبع، أرى أن المواجهة معهم أسهل بالنسبة لي مقارنة بمدرسة شعر الباحة، التي تتميز بالتعقيد في تركيب أبياتها ومعانيها، وقد يكون ذلك بسبب اختلاف الأساليب والطرق، لكنني أشعر بثقة بقدراتي والحمد لله عند مواجهة أي شاعر عرضة مهما كانت منطقته.
18. هل واجهت مواقف صعبة خلال مشاركاتك في الحفلات؟
لم أصادف مواقف صعبة تُذكر في الحفلات التي شاركت فيها، وغالباً ما أحرص على أن تكون مشاركاتي في أجواء إيجابية ومنظمة بعيداً عن الصعوبات.
19. ما سبب قلة مشاركاتك في حفلات العرضة مؤخراً؟
هناك عدة أسباب؛ أولها أنني والحمد لله في سعة من الرزق، ولا أنظر إلى الشعر كمصدر دخل ثابت، وثانياً: أصبحت الأمور خارج يد أصحاب القرار الحقيقيين، وثالثاً: هناك من يتعامل مع ساحة العرضة بمفهوم الوساطات والمجاملات، وهذا أمر لا أقبله ولا أحب أن أكون جزءًا منه.
20. ما طموحاتك الشعرية القادمة؟ وأين ترى نفسك مستقبلاً؟
بصراحة طموحي أن أرى ساحة العرضة الجنوبية في أفضل حالاتها، وأن يُعطى الشعر والشاعر المكانة التي يستحقانها، وعند تحقق ذلك ستراني بإذن الله حاضراً في الصفوف الأولى، ومساهماً بكل ما أملك من موهبة شعرية.






