المقالات

في وداع محمد القاسم: عزاءٌ ودعاء، ووفاء لا يموت

ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر الحادث الأليم الذي راح ضحيته الشاب السعودي محمد يوسف القاسم، رحمه الله، وهو في ريعان شبابه، وأثناء رحلة علمية مباركة إلى مدينة كامبريدج البريطانية، حيث باغتته يد الغدر في لحظة صادمة لا تستوعبها نفس، ولا تُبررها أي مروءة أو عقل.

نتقدَّم بخالص العزاء والمواساة إلى أسرة الفقيد، سائلين الله عز وجل أن يتقبله في الشهداء، وأن يجعل دمه طهارة ورحمة، وأن يُنزله منازل الصالحين، وأن يُلهم ذويه الصبر والثبات. كما نواسي الأسرة السعودية كاملة، قيادة وشعبًا، ونشاركهم هذا الحزن الثقيل، مستشعرين وحدة المشاعر والوجدان.

ولست أكتب اليوم من موقع رسمي أو منصب علمي، بل أكتب من قلبٍ عرف السعودية عن قرب، ونشأ بين نخيلها، وتربّى في مدارسها، وتعلّم في جامعتها الإسلامية المباركة في المدينة المنورة، ضمن منحة كريمة احتضنتني، كما احتضنت الآلاف من طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم. كانت السعودية ـ ولا تزال ـ بلداً كريمًا، فتح لنا أبواب التعلّم والإيمان، وبنى فينا الوفاء للعلم والدين والأمة.

إن هذا الحادث الأليم لا يمثّل إلا نفسه، وهو فعل فردي معزول، لا يُعبّر عن طبيعة المجتمع البريطاني، ولا عن أهله، ولا يغيّر من علاقة الاحترام والتقدير المتبادل التي تربط بين الشعوب. فالجريمة، للأسف، لا تعرف جنسية ولا دينًا، وهي تقع في كل بلد. وما نرجوه ونأمله هو أن تأخذ العدالة مجراها، وأن يُقتص للمظلوم بما يبرئ صدور أهله ويُشفي قلوب أحبابه.

وإننا من موقعنا، ومن خلال المؤسسات الشرعية والمجتمعية، نتابع هذه القضية عن قرب، وسنظل صوتًا للحق، وشاهدًا للعدل، بإذن الله.

كما نوجّه رسالة طمأنة إلى جميع الأسر السعودية، وإلى طلاب المملكة الكرام في بريطانيا: هذه البلاد، رغم ما وقع، ما تزال بلدًا آمنًا، تُحكم بالقانون، وتكفل الحقوق، وتحترم الحريات. والمجتمع البريطاني ـ بعمومه ـ لا يقبل هذا العنف، بل يقف ضده بقوة، كما أظهرت ردود الفعل المتعاطفة والغاضبة من أبناء الحي والمجتمع.

ورغم أنني لست من مواطني المملكة العربية السعودية، إلا أن في قلبي وفاءً لا يزول لها، حكومةً وشعبًا، لأنها كانت بلدًا ثانيًا لي، بل بلد الطفولة والعلم والدين والبركة. وفي الوقت نفسه، لا ننسى ما قدمه لنا هذا البلد الكريم، بريطانيا، من فرص العيش بكرامة، والتعلم والمشاركة والمساهمة.

هذه الحادثة، مهما عظمت، لا تنسينا دروس الوفاء، ولا تمحو رصيد المحبة المتبادلة بين الشعوب، فليس من الإنصاف أن تُدان أمةٌ بفعل فرد، كما ليس من الحكمة أن نهدم ما بنته القيم من أجل جريمة واحدة.

نسأل الله أن يربط على قلب أم محمد، وأن يصبّر أباه وأسرته، وأن يجعل فقيدهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأن يحفظ أبناءنا وبناتنا في كل مكان، ويردّهم سالمين غانمين، ويجعل هذه الحادثة ذكرى نستلهم منها معاني الصبر، والعدل، والوفاء.

• أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

أ.د. فايد محمد سعيد

عضو المجلس الأوروبي للقيادات المسلمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى