في سماء الشعر الجنوبي، سطع نجم الشاعر الشاب «أحمد الشدوي»، الذي يحمل معه روح الإبداع وثقة الموهبة منذ صغره، لقد واجه التحديات، وطور أسلوبه مستلهماً من تراث منطقة الباحة ومدرسة شعر الراحل عطية السوطاني -رحمه الله-، حيث نجح في المزج بين الأصالة والتجديد، يلقي قصائده بقلب نابض ووعي فني عميق، مؤمناً بأن الشعر هو موقف وقيمة لا تتعلق بالرتب أو الألقاب، وحيثما حل يترك بصمته الشعرية على المنصات، مما يجعل قصائده تبرز كأكثر من مجرد شعر عادي، بل تعكس موهبة شعرية فريدة فرضت حضورها بقوة على الساحة، وتستحق كل تقدير واهتمام من الجميع.
وفي حواره مع صحيفة مكة الإلكترونية، كشف «الشدوي» عن الأثر العميق الذي تركه رحيل الشاعر الجماهيري عطية السوطاني في حياته، واصفاً إياه بالصديق والأخ الأكبر، ومشيراً إلى أن فقده شكّل خسارة شخصية وفنية لا تعوّض، غير أن إرثه الشعري ما زال حاضراً عبر قصائده التي ترددها الجماهير، وتزهر في فضاءات التواصل الاجتماعي.
ونفى «الشدوي» أي صلة بين الشعر وفكرة قرين الجن، مشدداً على أن الإبداع يقوم على الموهبة والمهارة لا على الخرافات، كما أعترف بوجود بعض السماسرة في تنظيم حفلات العرضة، لكنه وصف تأثيرهم بالمحدود، معتبراً أن الشاعر المتمكن يفرض نفسه رغم أي محاولات تعويق.
وأشار «الشدوي» إلى أن تكوين الثنائيات بين شعراء العرضة قد تكون إيجابية إذا كانت برغبة الجمهور، لكنها إذا فُرضت بشكل مستمر، فإنها تخلق نوعاً من الرتابة والملل، وتحد من حرية الشاعر في الإبداع والتجديد، وأوضح أنه لا يؤمن بتقسيم الشعراء إلى كبار وصغار، معتبراُ أن المقياس الحقيقي هو جودة القصيدة وصدق الإبداع،
وبأسلوب صريح ورؤية جلية، يستعرض «الشدوي» مسيرته، ويتناول مواقفه تجاه أبرز قضايا الشعر وساحة العرضة، فإلى نص الحوار:
1. متى شعرت بموهبتك الشعرية؟ وما أول قصيدة ألقيتها؟
بدأت أكتشف موهبتي الشعرية بشكل فعلي منذ حوالي سن الثالثة عشر. أما بالنسبة لأول قصيدة ألقيتها، فلا أتذكر تفاصيلها بدقة، ولكنني متأكد أن مستواها لم يكن عند توقعاتي، وربما لو استعدت تلك القصيدة اليوم لما شعرت بالرضا عنها، إذ كانت مجرد بداية أولى لطريقي في عالم الشعر.
2. هل واجهت صعوبات أو دعماً في بداية مشوارك الشعري؟
بلا شك لم يكن الطريق سهلاً أو مفروشاً بالورود، فقد واجهت عدة صعوبات وتحديات، وأغلبها كان نتيجة تصرفاتي، وليس بسبب عوامل خارجية، وفي المقابل حظيت بدعم كبير من أسرتي الكريمة وجماعتي وأصدقائي الذين كانوا سنداً لي في هذه المسيرة.
3. من أول شاعر أثّر فيك شعرياً، وكيف أثر ذلك على أسلوبك؟
تأثرت في بداياتي بكل شعراء زهران النجوم، دون أن أخصص اسماً بعينه، فقد كانت تجاربهم الشعرية مصدر إلهام لي، وأسست قاعدة غنية ساعدتني على تكوين أسلوبي الخاص.
4. هل ندمت يوماً على قصيدة شعرت أنها لا تعبر عنك حقاً؟
ربما توجد بعض القصائد التي وجدت فيها أخطاء، أو شعرت أنها لا تمثلني بشكل كامل، لكنني لا أشعر بالندم عليها، فهي كانت جزءاً ضرورياً من مسيرتي، وخطوة مهمة نحو النضج والتطور المستمر في فنون الشعر.
5. أي منطقة دعمت موهبتك وحفلاتك فيها أكثر؟
الحقيقة أنني تلقيت دعماً وتقديراً في جميع المناطق على حد سواء، ولم ألاحظ تفوق منطقة واحدة بشكل خاص على أخرى، مما جعلني أشعر بامتنان كبير لكل المناطق التي احتضنتني.
6. من الشاعر الذي تأثرت بغيابه بسبب اعتزال أو وفاة؟
لقد ترك غياب الشاعر الجماهيري العظيم عطية السوطاني أثراً عميقاً في نفسي، فقد كان لي بمثابة الصديق المقرب والأخ الأكبر الذي كنت أعتمد عليه بعد الله في كثير مشاركاتي الشعرية، وأسأل الله العلي القدير أن يشمله برحمته الواسعة، وأن يجمعنا به في جنات النعيم، فقد كان فقدانه يمثل خسارة فادحة على الصعيد الشخصي والجنوب بأكمله، لكنه لم يغادر عالم الشعر، حيث ما زالت قصائده ترفرف في آفاق التواصل الاجتماعي، وتتردد أصداؤها بين الجماهير بشكل مستمر.
7. هل تخشى مواجهة كبار شعراء العرضة كشاعر شاب؟
أنا لا أؤمن بمفهوم تقسيم الشعراء إلى كبار وصغار، أو ما يسمى بالشعراء الشباب كتلطيف. الشاعر إما أن يكون شاعرًا حقيقيًا، أو لا يكون، وبصفتي شاعراً واثقاً من نفسي، لا أخشى مواجهة أي شاعر مهما كان مكانته أو عمره.
8. بحكم علاقتك بعطيه السوطاني، ما أبرز ملامح حياته؟
عطية السوطاني -رحمه الله- كان شخصية نبيلة تحمل صفات إنسانية استثنائية، مثل الكرم والشجاعة، بالإضافة إلى تواضعه ونقاء قلبه، وكان يتسم بالوضوح في تعاملاته مع الآخرين، حيث كانت الصراحة والشفافية من أبرز ميزاته.
9. كيف تلقيت خبر وفاة عطية السوطاني؟ وما أثره عليك؟
كان خبر وفاته صدمةً قويةً هزت كياني، ولم أتمكن من تقبل ذلك بشكل كامل إلا بعد انقضاء عدة أشهر، فقد أدركت حينها عمق الفقدان الذي حل بي والأثر العميق الذي تركه في حياتي، وفي عالم الشعر بشكل خاص.
10. هل استفدت شعرياً من مدرسة عطية السوطاني؟
تتألق مدرسة عطية السوطاني بتفردها الرائع وتميزها الفائق، حيث نالت إعجاب الكثير من الشعراء واستفادوا منها، بما في ذلك الذين سبقوه في خوض غمار هذا المجال العريق. ولا شك أن تأثيرها كان له دور كبير في رفع مستوى شعري وتطويره.
11. كيف ترد على من يلقب نفسه خليفة عطية السوطاني؟
لا أجد نفسي مضطراً للرد على مثل هذه المزاعم، فالجمهور هو الحكم الفعلي والواعي الذي يستطيع تمييز الشعراء بجلاء، وهو الأكثر قدرة على تقييم المواقف واختلاف الأصالة عن التقليد.
12. هل شاركت في القلطة؟ وهل شعر العرضة أصعب؟
لم أشارك في القلطة حتى الآن، ولكنني أرحب بأي دعوة إلى المشاركة في المستقبل. أما عن صعوبة شعر العرضة، فكل فن له تحدياته وأسراره الخاصة التي تحتاج إلى مهارة وإتقان.
13. هل انسحبت من حفلة بسبب تدني مستوى المحاورة؟
لم يسبق لي أن انسحبت من حفلة لأي سبب كان، فأنا أؤمن بأهمية الصبر والمثابرة في كافة الظروف.
14. هل شعر العرضة اليوم مكرر كما يقال؟ أم يتجدد؟
لا أعتقد أن شعر العرضة مكرر، بل هو يتجدد بتجدد شعرائه وجمهوره، ويظل محتفظاً بحيويته وروحه التي تنبض مع كل جيل جديد.
15. كيف ترى جودة شعر شباب الباحة مقارنة بعسير؟
لا أحبذ المقارنة بينهما، فكل منطقة لها ما يميزها ويخصها من مواهب وإبداعات شعرية تجعلها فريدة بطريقتها الخاصة.
16. كيف تقيم صعوبة فن الشقر في شعر العرضة؟
فن الشقر فن معقد جداً، وأبعد من كونه مجرد لفظ أو كلمة، فهو يتطلب أن يكون في سياق دقيق يخدم المعنى في بدع القصيدة وردها، ويعزز البناء الشعري، مع الابتعاد عن التشوه اللفظي المعروف بالعسف.
17. هل تهدد الشيلات موروث العرضة الجنوبية اليوم؟
لا أرى ذلك، بل أعتقد أن الشيلات هي امتداد طبيعي لشعر العرضة، ولا يمكن أن تحل مكانه. وقد توسعت وانتشرت بين قبائل أخرى، لكنها لا تهدد جوهر العرضة، بل التحدي الحقيقي يكمن في عزوف الشباب من أبناء الجنوب عن ممارسة هذا الموروث.
18. كيف ترد على من يقلل من قيمة العرضة كفن شعري؟
من يقلل من قيمة العرضة عادة ما يكون جاهلاً بطبيعة هذا الفن. كثيراً ما نسمع وصفها بأنها مجرد سوالف ملحنة، وهذا ناتج عن عدم فهم القافية فيها، فالقصيدة الكاملة للعرضة تقابل بيتاً شعرياً كاملاً في النظم من حيث القافية والوزن، ولكن من الصعب ملاحظة القافية من بيت واحد فقط دون الاستمرار في القصيدة.
19. هل لديك مشاركات عديدة في القصائد النبطية؟
لدي مشاركات متعددة في القصيدة النبطية، لكنني لم أشجع بعد على نشرها بشكل واسع.
20. ما رأيك في التوأمة وتكوين الثنائيات بين شعراء العرضة؟
التوأمة أمر جيد إذا استقبله الجمهور، وكان مطلباً منه، ولكن التقيد به بشكل صارم قد يحد من حرية الإبداع، ويخلق نوعاً من الرتابة والملل في الأداء.
21. ما رأيك في ادعاءات قرين الجن وتأثيره في القصيدة؟
غير صحيح، ومن يدعي مثل هذه الأمور عليه أن يثبتها بالأدلة الواضحة.
22. ما الرسالة التي تنقلها دوماً في قصائدك بالحفلات؟
بصراحة أنا أؤمن بأن الفن يجب أن يكون لأجل الفن فقط، وأعارض توظيفه لتوجيه رسائل محددة عن قصد، بل أترك لأي رسالة أن تظهر بشكل عفوي وطبيعي ضمن النص الشعري.
23. ما المطلوب لتطوير ساحة العرضة نحو احترافية أكبر؟
لا أرى نفسي الأنسب للحديث عن هذا، لكن أعتقد أن استشعار المسؤولية من قبل الشعراء والجمهور، مع تغيير بعض القناعات، يمكن أن يشكل نقلة إيجابية. مثلاً، تنظيم فقرات الحفلات بحيث يشارك 4 شعراء في كل مرة مع ترتيب أدوارهم بدقة، كما هو الحال في شعر القلطة.
24. هل توجد سماسرة في تنظيم وتنسيق حفلات العرضة؟
يوجد بعض السماسرة وتأثيرهم محدود، لكن بعض الشعراء يتخذونهم شماعة لفشلهم، فالشاعر المتمكن يفرض نفسه رغم التحديات. والمشكلة أساساً في غياب النزاهة، سواء في التنسيق الفردي، ومنهم السماسرة أو عبر مكاتب التنسيق التي ما زالت مطلباً منذ عقود.
25. هل أثر نقل الحفلات عبر السنابات على حضور الجمهور؟
بالفعل، كان لذلك أثر، لكنه في الوقت نفسه خدم العرضة وأصحاب المناسبات من ناحية الوصول والترويج.
26. شهرة الشاعر تقاس بجودة القصيدة أم بعدد الحفلات؟
في زمننا الحالي، الشهرة تقاس أكثر بعدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي ومدى تفاعل الجمهور معهم.
27. كيف ترى شهرة القلطة وتوسعها مقارنة بالعرضة؟
القلطة اكتسبت شهرة واسعة لأسباب عديدة، أما العرضة فقد حظيت مؤخرا بمتابعة كبيرة خارج نطاق إقليمها التقليدي.
28. لو أعطيت صلاحية ضبط الساحة، ما أول قرار تتخذه؟
سأعمل على إنشاء مركز تقييم دوري لمستويات الشعراء وفرق الزير وصفوف الفرق الشعبية والقنوات الناقلة، وفق معايير محددة يصوت عليها الجمهور لضمان التطوير والشفافية.
29. ما رأيك بمن يتعمد المدح لكسب المال غير الكسوة؟
هذا شأنه الخاص، ولا يمكن إنكار أن هذا الأسلوب كان شائعاً بين الشعراء في العصور القديمة أيضاً.
30. ما أهمية فرق الزير وصفوف العرضة في نجاح الحفلات؟
فرق الزير وصفوف العرضة لا تقل أهمية عن الشاعر نفسه، فجميعهم أركان أساسية تشكل نجاح الحفل وتميزه.