«طلاليات»
في إحدى مزارع الدامر بالسودان، اجتمع طلاب في رحلة جامعية حول مائدة غداء، وبينهم رجل مسنّ بملامح بسيطة، يعمل في صمت تحت ظل شجرة. ظنوه حارسًا للمزرعة، وراحوا يتحدثون عنه بالإنجليزية ساخرين، بينما ظل هو يبتسم دون أن يرد.
وحين نضج الطعام، دعوه لمشاركتهم، فأخذ بضع لقمات شاكرًا ثم عاد لعمله. وفي نهاية اليوم، دخل أستاذ الجامعة ليكشف المفاجأة: “هذا الرجل هو البروفيسور عبدالله الطيب، مدير جامعة الخرطوم وصاحب المزرعة، الذي منحها للجامعة مجانًا لتكون مقرًا للتعلم.”
كانت لحظة صادمة للطلاب الذين لم يتوقعوا أن من ظنوه “حارسًا” هو في الحقيقة قامة علمية سامقة. لكن البروفيسور آثر أن يشاركهم ببساطته، ليعلّمهم أن التواضع وجبر الخواطر أبلغ من كل الدروس النظرية.
لقد أثبت أن العظمة ليست في المناصب ولا في الألقاب، بل في بساطة التعامل، وفي احترام الآخرين مهما ظنوا أو أساؤوا. فالتواضع سموّ، وجبر الخواطر عبادة، ومن امتلكهما عاش كبيرًا في قلوب الناس قبل أعينهم، ومن عرف هذه المعاني عاش كبيرًا في أعين الناس مهما توارى عن الأضواء.
لكن يبقى السؤال: كم في حياتنا، وفي جامعاتنا، من علماء متواضعين نجهل قدرهم، ولا ندرك قيمتهم إلا بعد أن يفاجئونا بتواضعهم وجميل أخلاقهم؟.






