المقالات

كيف ننتصر في معركة الشاورما؟

من كان يتخيّل يومًا أن “الشاورما” قد تكون سببًا في بيع الولاءات وتبادل التهم، وتتحول إلى أداة من أدوات الأيديولوجيا والحرب الناعمة في هذا العصر الرقمي، الذي أصبح فيه صدى الصوت يتجاوز كل الحناجر، وتستقبله العقول بكل اللغات والمفاهيم؟ لقد طغت حدود الواقع الافتراضي على حدود الواقع الحقيقي، فغيّرت الملامح وشتّتت النفوس. وتحوّلت وسائل التواصل من أدوات للترفيه إلى ثكنة وساحة لمعركة حقيقية، بسبب “شاورما” وموظف غير مسؤول ومسؤول أشد تقصيرًا، حتى صارت بؤرًا لتشكيل الرأي العام وتوجيه السرديات التي تحاول زعزعة ثقة المجتمع بنفسه ومؤسساته.

تابعت بهدوء الأزمة الأخيرة وتداعياتها بعد فيديو لموظف في مطعم “شاورما” يشتكي من سوء المعاملة. ورأيت أن هناك خطأ جسيمًا، ووجدت من واجبي كمواطن محب لوطني، ومتخصص في الإعلام الرقمي، أن أكتب بتجرّد عن ما حدث. مع الإقرار بوجود أخطاء مشتركة بين الموظف والمسؤول، إلا أن جوهر القضية أعمق: فالمحتوى الرقمي المشبوه الذي يتفاعل مع أغلب القضايا الوطنية ليس مجرد آراء فردية عاطفية، بل جزء من حرب رقمية تُدار بخسة ودهاء، هدفها ضرب الثقة بكل ما هو سعودي.

وقد حذّر المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة في وقت سابق من هذه الحرب بوضوح، مؤكّدًا أن “هناك سردية تُحاك ضد المجتمع السعودي”، عبر حسابات وهمية تتقمص الهوية السعودية بلهجتها وعاداتها وتتحدث بقضاياها، لكنها تُدار من جهات غوغائية تسعى إلى التشويه الممنهج والتحريض وبث الفتنة. خطورة هذه الحملات أنها تضخّم أي خطأ طبيعي وتحوّله إلى دليل على “فشل” منظومة كاملة، فهي لا تستهدف مطعمًا ولا مسؤولًا بعينه، بل تستهدف الثقة في الثوابت وفي كل ما هو سعودي.

وهنا يبرز سؤال مهم: كيف نعبر عن آرائنا بشكل فعّال ومنظّم؟ وكيف نُقدّم شكاوينا عند مواجهة الظلم أو المشكلات؟
الجواب: عبر القنوات الرسمية. فبدلًا من إضاعة الجهد في المجالس ومنصات التواصل حيث تضيع الأصوات بين الحسابات الوهمية والردود العبثية، يمكن للمواطنين اللجوء إلى بوابات الوزارات الإلكترونية، التطبيقات الذكية، أو الحسابات الموثقة على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه القنوات تضمن متابعة الشكوى بجدية ووصولها إلى المسؤولين المعنيين. وفي المقابل، تقع على الجهات الحكومية مسؤولية تفعيل هذه القنوات وتطويرها لتكون أكثر سهولة وفاعلية وسرعة في الرد، ما يعزز ثقة المواطن بها ويقلل من حاجته إلى منافذ أخرى قد تكون غير آمنة.

من البديهي أن أي عمل بشري لا يخلو من نقص أو خطأ، وهذا ليس عيبًا بل طبيعة الأمور. فالمشاريع الكبرى تُراجع وتُطور باستمرار. ولترسيخ هذا الفهم، يكفي أن نستلهم من سيرة نبينا محمد ﷺ في غزوة بدر، حين استجاب لرأي الصحابي الحباب بن المنذر رضي الله عنه، وغير موقع الجيش بأكمله. فإذا كان العمل في ظل الوحي يقبل النقد والتصحيح، فكيف بالأعمال البشرية اليوم؟ فليس من الحكمة أن نعمم خطأ بسيطًا على مشروع كبير، أو نسمح لجهات خارجية باستغلاله لضرب الثقة في إنجازات الوطن العظيمة.

أنا لا أدافع عن ذائقة محبي الشاورما، ولا عن صانعها، ولا عن أي مسؤول بعينه. لكنني أؤكد أهمية حقوق المستهلك وحرية الاختيار. وأشير إلى وجود حشود من العابثين الافتراضيين، لا وجود لهم في واقعنا، يشنون حربًا على ثقتنا ونسيجنا الوطني. غير أنها حرب خاسرة بإذن الله، متى ما تسلحنا بالوعي ورفضنا كل معلومة أو محتوى زائف. فمسؤوليتنا كأفراد ومواطنين أن نكون خط الدفاع الأول عن منجزاتنا، وأن نهزم هذه السرديات المضللة بوعينا وإيماننا بوطننا العظيم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اوافق تماما على كل كلمة في هذا المقال الرائع و اريد فقط ان أنوه على نقطه ، أن الفضاء الاليكتروني سلاح خطير لا يقل في خطورته عن أي سلاح في عالم الواقع ، لذا يجب نشر الوعي و الثقافه داخل المجتمع حول كيفية التعامل مع المعلومه من ناحية التلقي و النشر و توعية الشباب حول خطورة الانسياق الاعمى وراء من يعملون على دفع الرأي العام بشكل موجه في اتجاه قد لا يتفق مع مصالح الدوله على المدى القريب أو البعيد .
    و شكرا جزيلا

اترك رداً على Mohamad Barakat إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى