«طلاليات»
في زحمة الحياة نفقد كثيرًا من الأشياء التي ربما سعينا خلفها طويلًا. غير أن الحكمة تذكّرنا: “إذا فقدت شيئًا وسقط منك فلا تنحنِ للبحث عنه كثيرًا”.
هذه العبارة ليست دعوة إلى الاستسلام، بل رسالة إلى أن التعلّق بالماضي يعيقنا عن التقدّم. فالانشغال بما ضاع ربما يُفقدنا القدرة على رؤية ما هو متاح أمامنا. وفي أحيان كثيرة يكون ما نفقده بدايةً لمرحلة جديدة نكون فيها أكثر نضجًا، وربما تكون فرصة لاكتشاف بدائل أوسع وأشمل وأجمل.
الحياة لا تنتظر من ينحني طويلًا خلف الماضي، بل امضِ إلى الأمام، فالقادم غالبًا أجمل بكثير مما ظننته قد ضاع.
حتى في الأصدقاء، من يختار الرحيل فاتركه، ولا تتمسك به؛ فقد لا يستحق أن نُنهك قلوبنا بالبحث عمن ابتعد. الرحيل قرار، والبقاء قرار، وكلاهما ينبع من الداخل ولا يُفرض بالقوة.
وإن كان ما نفقده مشروعًا خسرناه، أو وظيفة ضاعت، فهذا لا يعني نهاية الطريق؛ فالأبواب التي تُغلق اليوم قد تُفتح غدًا بأبواب أخرى أكثر اتساعًا.
تجارب الفشل ليست عثرة دائمة، بل خبرة تُضاف إلى رصيدنا، وربما تؤهلنا لنجاحات لاحقة.
القيمة ليست فيما نفقده، بل في قدرتنا على النهوض بعد العثرة. فمن يتوقف طويلًا عند سقوطه قد يفقد اللحظة الحاضرة وما تحمله من إمكانات، أما من يرفع رأسه ويواصل المسير فيكتشف أن الحياة لا تتوقف عند ما يسقط من يده، بل ربما تكون منحة ربانية لبدايات جديدة ولمستقبل أجمل وأشمل وأرحب.
الحياة لا تمنحنا كل ما نريد، بل ربما تسقط من أيدينا أشياء عزيزة: كعلاقة انتهت، أو فرصة ضاعت، أو حلم لم يكتمل. الوقوف طويلًا عند الخسارة لا يعيدها، بل يستهلك طاقتنا ويغلق أعيننا ويشل تفكيرنا عن فرص أخرى ربما تكون أجمل وتنتظرنا.
القوي ليس من يحتفظ بكل شيء، بل من يعرف كيف ينهض بعد العثرة ويمضي إلى الأمام بإرادة متجددة وهدف سامٍ وطموح عالٍ. فما خسرناه اليوم قد يكون فيه خير لنا وحماية مما هو أكبر، وما فاتنا قد يكون تمهيدًا لعطاء وخير وافر يعلمه الله ولا نعلمه نحن.
قال الشاعر أحمد شوقي:
وما نيل المطالب بالتمنّي ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قومٍ منالٌ إذا الإقدام كان لهم ركابا
إن الجد والاجتهاد أن يبذل الإنسان وسعه في سبيل تحقيق هدف ما، بالرغم مما يمكن أن يواجهه من تعب ومشقة، إلا أن ثمار الجد والاجتهاد الحلوة تنسي الفرد ما عاناه خلال رحلته، وتدفعه لتحقيق أوسع مما كان في نيته






