كعادتي في يوم الوطن المجيد من كلّ عام أختار الكتابة عن نساء الوطن إحياءً لذكراهنّ، وتوثيقًا لجهودهنّ، وتخليدًا لدعم الوطن الحبيب للمرأة السعودية منذ توحيد هذه البلاد المباركة، بل وقبل ذلك.
أسطّر مقالي هذا في يوم الوطن العظيم الخامس والتسعين للحديث عن أيقونة سعودية، هي جوهرة ثمينة من جواهر بلادنا الحبيبة، وتحديدًا جوهرة الساحل الشرقي والتي تعدّ أنموذجًا للمرأة السعودية الطموحة؛ فهي أول متخصّصة في علم السموم على مستوى المملكة، ومن أوائل خريجات بكالوريوس الصيدلة من جامعة الملك سعود بالرياض. كانت خطواتها الأولى في عالم لا يُعرف عنه الكثير، وطريق تشوبه التحديات، لكنه كان بداية لمسيرة مهنية مليئة بالإنجازات والابتكارات وتجاوز الصعوبات ومجابهة التحدّيات، تحديدًا في علم السموم والمخدرات.
هذه الأيقونة هي مها بنت خالد المزروع التي وُلدت في مدينة الخبر، ونشأت في كنف أسرة محبّة للعلم والمعرفة، لم تتوانَ يومًا في توفير كلّ فرص الدعم لمها خاصة بعد أن أعلنت أمام والديها وأخوتها عن رغبتها في خوض غمار طريق لم يكن آنذاك ممهدًا أمام المرأة لاعتبارات ثقافية واجتماعية كثيرة، فأصبحت المملكة – بفضل الله- تتباهى بها كأول سعودية متخصصة في علم السموم والعلوم الجنائية، وأول امرأة تعمل في المركز الإقليمي لمراقبة السموم بصحّة الشرقية منذ تخرّجها، إلى أن تبوّأت أعلى منصب في الإدارة.
الدكتورة مها اليوم من الشخصيات السعودية البارزة في مجال الطبّ والبحث العلمي، كما تُعتبر واحدة من النماذج الرائدة على مستوى المملكة، حيث كرّست جهودها لتطوير القطاع الصحي.
عندما زرتها في مكتبها في المركز الإقليمي لمراقبة السموم كأول لقاء معها كان الوقت متأخرًا بأحد المساءات الجميلة في مدينة الدمام، لم تملّ مها من الحديث عن البدايات والتحديات بحماس قلّ نظيره، وعن الإنجازات البحثية التي لم تكن لتتحقق لولا دعم قيادة هذه البلاد المباركة لها ولكلّ عقل واعٍ وفكر طموح؛ إذ سجلت أوّل بحث عالمي يدرس العلاقة بين الموروثات الجينية وشدّة أعراض انسحاب المخدرات من الجسم.
وكان من ثمرته حصولها على براءتي اختراع تعزّز الابتكار في المجال الطبي.
ولأنّ مها هي ابنة بارّة لمجتمعها، فقد قادت حملات توعوية مثل حملة عزّ الإيمان ولا ذلّ الإدمان، التي ركزت على مكافحة تعاطي المخدرات والمؤثّرات العقلية، كما ساهمت في تطوير برنامج (أوتار) الذي أحدث نقلة نوعية في سرعة تحليل العيّنات، وإرسال النتائج إلكترونيًا، ممّا ساهم في تحسين خدمات الإسعاف.
كُرّمت الدكتورة مها من صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية سمو الأمير سعود بن نايف يحفظه اللّٰه كرائدة في مجال التطوّع، حيث لعبت دورًا مهمًا في تعزيز الوعي الصحي بالمجتمع. كما أنّها تعدّ صوتًا ناقدًا لأدعياء الطبّ البديل؛ حيث حذّرت من الممارسات العشوائية وغير العلمية التي قد تؤدي إلى حالات التسمّم أو الغشّ الدوائي. كما أكّدت على أهمية المعرفة العلمية في الوقاية من هذه المخاطر، مشيرة إلى أنّ المجتمع يجب أن يكون واعيًا ومتعاونًا لحماية أبنائه من هذه الظواهر.
للعالمة مها أربع وعشرون بحثاً في مجال علم السموم وطرق الكشف عنه وفي العلاقة بين الموروثات الجينية وشدة أعراض انسحاب المخدرات وتعدت أبحاثها القيمة من الرصد إلى الوقاية إلى ابتكار الطرق التحليلية المختلفة . كما مثلت بلادها في منظمة الصحة العالمية لمدة خمس سنوات وساهمت في استخراج قواعد العلاج من تسمم الرصاص. كما ساهمت في رسم السياسات التطويرية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في المملكة العربية السعودية وهي صاحبة فكره أول منصة وقاعدة بيانات وطنية في علم السموم”
”أوتار”.
ولأنّ جهود مها المزروع تنصبّ في إطار تطوير علم السموم، وتوسيع نطاق تخصصاته، فقد دعت إلى إيجاد برامج تعليمية متخصّصة في الجامعات السعودية لتأهيل كوادر وطنية قادرة على مواجهة التحديات الصحيّة ممّا يعكس التزامها المستمر برفع مستوى الخدمات الصحية في بلادنا العظيمة.

وبذلك فإن انجازات مها المزروع، تُساهم في رفع جودة البحث العلمي والابتكار في السعودية، وهو ما يتماشى مع توجّه المملكة لتصبح مركزًا عالميًا للبحث والابتكار، وهو أحد أهداف رؤية 2030.
إنّ إنجازات مها –أول عالمة سموم في المملكة العربية السعودية– لا ينُظر إليها كإنجازات شخصية بمعزل عن سياق مجتمعها. إذ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بروح اليوم الوطني السعودي، الذي يُحتفى فيه بالإنجازات الوطنية التي تُجسد رؤية المملكة 2030 ، وتسعى لتعزيز مكانتها عالميًا. فلا يخفى على ذي لبّ أنّ دعم المرأة بالمشاركة الفاعلة في العمل، كان أحد خطوات المملكة العربية السعودية، وهاهي مها المزروع اليوم تُجسّد هذا التمكين من خلال دورها الرياديّ في مجال السموم والعلوم الجنائية، وتساهم بالتالي في تطوير القطاع الصحي والبحث العلمي، ممّا يُعزّز من قوة المملكة في المجالات الطبية والابتكار لتحقيق التنمية المستدامة.
مها المزروع اليوم ليست عالمة فحسب بل هي نموذج ملهم للمرأة السعودية الطموحة، حيث جمعت بين الابتكار العلمي والخدمة المجتمعية لتكون جزءًا من تحقيق رؤية السعودية 2030. كما أنّ جهودها في مجالات الوقاية والعلاج جعلتها شخصية محورية في تطوير القطاع الصحي في بلادنا الغالية. هذه البلاد المباركة التي لم تأل جهدًا في تذليل الصعوبات لنيل العلم والترقي فيه أمام بنات الوطن العظيم، بل دعمت كلّ صاحب فكر طموح، وقدمت الغالي والنفيس لوصول بنات الوطن الى أعلى المراتب العلمية، ولازال في جعبته الكثير من أيقونات سعوديات فاعلات باذلات لما فيه رفعة البلاد وعزة الوطن.
خلاصة القول: وفي اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعون فإن إنجازات ابنة الوطن وأيقونته مها المزروع تُعتبر جزءًا من الصورة الكبيرة التي تُظهر كيف تُساهم شخصيات نسائية سعودية بارزة في تحقيق طموحات المملكة وتحويلها إلى قوة عالمية. يومنا الذي نفخر فيه بكل من يعمل لرفع راية الوطن عاليًا .
• جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل




