المقالات

السيدة التي بكت في حفل عبدالواحد؟

لم يكن حفل تكريم الشاعر الدكتور عبدالواحد بن سعود الزهراني مجرد ليلة فرح، بل كان مشهدًا إنسانيًا متكاملًا اختلطت فيه الدموع بالتصفيق، والعزف بالحزن، والنهايات بالبدايات.
فبينما غمر الفرح قلوب الحاضرين، كانت هناك سيدة حزينة تجلس في طرف القاعة، بعيدة عن عدسات الكاميرات وضجيج الزير.
جاءت تلك السيدة لا لتشارك، بل لتعزّي، تبكي على شاعرها الذي قرر الرحيل عن ميادين الشعر والعرضة بعد رحلةٍ حافلةٍ بالعطاء والإبداع.

كانت تبكي بصمتٍ يشبه الشجن القديم، تشهق أحيانًا حين يُذكر اسمه، ثم تهدأ قليلاً مع دقات الطبول، وكأنها تقاوم الفقد على طريقتها الخاصة.
لقد أدركت أن سادن الحرف قد وضع القلم جانبًا، وأن الصوت الذي كانت تقتات على صداه قرر الصمت، فبكت بصدقٍ لا يراه إلا من يفهم الشعر حين يتحوّل إلى كائنٍ حيٍّ يودّع صاحبه.

لم يكن عبدالواحد الزهراني شاعرًا عاديًا؛ بل ذاكرة العرضة الجنوبية وصوتها الأصيل.
بدأ رحلته مع والده، وتعلّم منه فنون “الشقر”، حتى غدا أيقونة الشعر الشعبي ومدرسة قائمة بذاتها.
واليوم، وهو يسلّم راية شعر العرضة إلى الشاعر الدكتور إبراهيم الشيخي، يؤكد أن الرسالة مستمرة، وأن الخير باقٍ في من حمل الأمانة من بعده، ليكرّس حضوره في الميدان الذي عشقه الناس وتغنّت به الجبال.
غير أن هناك من يخشى أن يشغله شعر القلطة عن ساحات العرضة التي تنتظر صوته المختلف.

لكن تلك السيدة الوفية لم تحتمل المشهد.
كانت تسمع أصوات الفرح من حولها، وترى التكريم والابتسامات، إلا أن في داخلها صمتًا طويلًا لا يُفسَّر إلا بالحب الصادق.
لقد شكّل نحيبها مع إيقاع الزير في ليلة التكريم لحنًا من نوعٍ آخر، لحنًا لا تمحوه الأيام مهما اجتهد نقّاعة الزير في تغطية نغمة الحزن الجديدة.

في ختام الحفل، كان الجميع يصفق ويبتسم، إلا السيدة التي ظلت تبكي حزنًا على وداع شاعرٍ عاش معها أربعة عقود، كانت فيها أنفاسه وزنها، وصوته قافيتها.
واليوم، غادرها دون أن يستأذن منها، ودون أن يراعي مشاعرها، فبقيت وحيدةً، تتوشح حزنها، وتنتظر صدى صوته يعود من بعيد.

… هكذا احتفل الناس بالشاعر الكبير، واحتفلت القصيدة بفقده.
فيا لها من مفارقة مؤلمة:
الفرح كان للجميع، إلا للقصيدة التي عاشت معه، ثم تيتمت برحيله.

ختامًا

الكل غادر المكان،
وأعلنت القصيدة الحداد لثلاثة أيام حزنًا على فقد سادن الحرف و”سيد العرضة وحاكم فنونها”.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. التقاطة رائعة من أبو أحمد
    هذاالمقال يُعدّ قصة رمزية قصيرة مغلّفة بثوب المقال، تمثل مرحلة متقدمة في أسلوب عبدالله الزهراني الذي يجمع بين المقال الصحفي والخيال الأدبي.
    دمت خلوقًا وكاتبًا مبدعًا

  2. *أعترف* ابتداءً أنني لا أفقه في هذا المجال شيئًا !!!! 😔😔😔

    *ولا أملك* من أدوات النقد الأدبي أو التحليل الثقافي ، ما يخولني الحديث أمام هذا البهاء .

    *غير* أنني قارئٌ بسيط تركتني كلماتك بالمقال مدهوشًا أمام عمقها الإنساني ، وجمال تصويرها . 🌷

    *فلم* أقرأ نصًا يحتفي بالحزن بهذه الفخامة منذ زمن .

    *فقد* استطاعت أن تجعل من لحظة التكريم مشهدًا نابضًا بالشجن .

    *وأن* يرسم قلمك لوحةً تمزج بين الضوء والظل ، بين التصفيق والدموع ، بين حضور الشاعر وغيابه !!!.

    *ورغم* أني لا أفقه في الشعر ولا أعرف دهاليز العرضة ولا مقامات الزير 😔 .

    *إلا* أنني شعرت أن الكلمات تنبض بموسيقاها الخاصة ، وكأنها تنوح بصوت القصيدة نفسها على من كتبها ذات يوم .

    *فهو* نصّ يفيض بالصدق والوفاء ، لا يحتاج قارئًا متخصصًا ليُدرك جماله .

    *بل* يكفي أن يكون القلب حاضرًا ليشعر بما بين السطور من وجعٍ نبيلٍ ، ووداعٍ كبير .

    *فشكرًا* فقد كتبت بعينٍ دامعةٍ ، وقلبٍ ممتلئٍ بالحب .

    *وشكرًا* للشاعر الذي علّم الحروف كيف تغنّي .

    *وشكرًا* لتلك القصيدة التي أثبتت أن الفقد لا يُطفئ الجمال ، بل يجعله أكثر خلودًا !!!!!.

    *وأما* أخيك فليس لي إلا أن أعتذر عن قصور فهمي 😔😔

    *وأن* أنحني احترامًا أمام نصٍّك ، فهو لا يُقرأ بعين النقد ، بل بعين الامتنان .

    *جزاك الله* عنا خير الجزاء وبارك الله فيك 🌷

  3. ….المطبلين اكثر من العراضه…..سيده تبكي في زاويه من القاعه وكيف شفتها انت

اترك رداً على مخلص إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى