المقالات

ضرب الله مثلا ما بعوضة(1)

قال تعالى في محكم التنزيل: “إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ” ]سورة البقرة 2/26[ إنّها آية عظيمة تلفت نظرنا إلى عجائب البعوض العلمية وحقائقه المذهلة التي كثيرًا ما توقّف عندها العلم الحديث، وليس ذلك بغريب على من يؤمن بعظمة الخالق وكتابه الكريم، إنّ هذه الآية الكريمة تفتح بابًا للتأمل في قدرة الله وحكمته في ضرب الأمثال، حتى بأصغر المخلوقات كالبعوضة التي على الرغم من صغر حجمها، إلا أنّها تحمل عجائب علمية وحقائق مذهلة تجعلها أعجوبة حقيقية في عالم الكائنات الحية؛ فالبعوضة على دقّة حجمها، تحمل تعقيدًا في خلقها تجعلها دليلًا على عظمة الخالق.

فالبعوض الذي صنّفه العلماء كحشرات ذكية واسعة الانتشار والتنوع لا يبلغ طولها أكثر من 5.5 مم، وتعتبر لدغاتها هي الأخطر، تضع أنثى البعوض حوالى (300) بيضة في المرة الواحدة، و حوالى (3) آلاف بيضة في حياتها في الماء أو على مقربة من أي تجمع مائي، وللبعوض تفضيلات معينة عند اختيار ضحاياه، وقد أكدت الدراسات الحديثة أنّ هذه الحشرات الذكية بإمكانها تغيير تفضيلاتها وتجنب “الأشخاص الخطرين”، وقد توصّل الباحثون إلى اكتشافهم هذا من خلال التجربة؛ إذ استخدموا آلة تحاكي حركات اليد التي يحاول بها الإنسان صيد البعوض، مع نشر رائحة الفئران قرب هذه الآل،. وبالتجربة تبيّن أن البعوض يربط بين هذه الآلة التي يعتبرها خطرًا على حياته ورائحة الفئران، وأنّ هذه الحشرات “تعلمت” البقاء بعيدًا عن الفئران، لكنّ التجربة أكّدت أنّ ربط البعوض بين الخطر والرائحة يحدث فقط إذا كان مصدر الخطر على الحشرات من الثدييات (الفئران في هذه الحالة). وقال عالم الأحياء جيف ريفيل المشارك في دراسة عالمية عن البعوض: “بمجرد أن يربط البعوض بين روائح معينة والسلوك الانعزالي، فإنّ استجابته لهذه الرائحة تشبه استجابته لأكثر الروائح الطاردة فعالية”. وأضاف ريفيل: “البعوض يتذكّر هذه الروائح لأيام”.

ومن الجدير ذكره أنّ من العجائب العلمية للبعوض وجود نظام عال من التعقيد في جسم صغير؛ إذ يحتوي على أكثر من مئة عين صغيرة، مما يمنحها رؤية دقيقة للغاية، تساعد على تحديد ثاقب للهدف. كما تمتلك ثلاثة قلوب صغيرة في مناطق مختلفة من جسمها، تعمل بتناغم عجيب لضخّ الدم داخل جسمها. أمّا أجنحتها فتمكّنها من الرفرفة بسرعة خارقة تصل إلى (500) مرة في الثانية، وهو ما يجعلها واحدة من أسرع المخلوقات في الطيران. ولديها أجهز ة استشعار حرارية متطوّرة، تجعلها قادرة على تحديد موقع الإنسان أو الحيوان من خلال حرارة أجسامهم. وأمّا آليتها الدقيقة في امتصاص الدم، فتكون باستخدام خرطوم معقّد يحتوي على أنبوبين أحدهما أنبوب لحقن مواد مخدرة، تمنع الشعور بالألم، وآخر لامتصاص الدم، وأثناء عملية الامتصاص، تضخّ مواد مضادة للتجلّط حتى يسري الدم بسهولة في خرطومها الدقيق.

وأمّا لو وقفنا عند دورة حياة البعوضة فسنجدها مدهشة للغاية؛ فالبيضة التي تضعها تتحول خلال أيام إلى يرقة، ثم إلى شرنقة، وأخيرًا إلى بعوضة بالغة. هذه التحولات تُظهر دقة النظام الإلهي في خلق الكائنات. كما أنّها ناقل شديد الخطورة للأمراض؛ فعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أنّها تُعتبر واحدة من أخطر الحشرات على البشر، فهي ناقل رئيس للأمراض مثل الملاريا، وحمى الضنك، و هذا الجانب يجعل الإنسان يتأمل في الحكمة الإلهية من خلق كائن صغير بقدرة هائلة على التأثير على حياة البشر والذي من الممكن أن يؤدي الى وفاته.

أ.د. أماني خلف الغامدي

جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى